أنواع الخطوط العربية

نشأة الخط العربي

تباينت آراء المؤرخين حول نشأة ، من أين أتت وما مصدرها الأول، واستقرَّت في مجملها على أن فناني العرب نهلوا من نبعَين أساسيَّين كي يستطيعوا الخروج للدنيا بخطوطهم الخالدة، وهما: الخط المسند، وينتمي إلى جنوب الحجاز كاليمن وما يجاورها، وهو خط تاريخي عرفه العرب قبل الجاهلية بسنواتٍ طوال وظهرت منه أربعة أنواع: الصفوي والثمودي والليحاني والحميري. والآخر هو الخط الآرامي، وينتمي إلى وأجزاء من سيناء، وتولَّدت منه عشرات الخطوط الأخرى كالتدمري والسرياني والنبطي وغيرها، تشرَّبها العرب على مدار التاريخ بحُكم الجوار الحسن.
نشأت الحاجة إلى العناية بخطِّ لبُعد الفنان المسلم عن التجسيد في المساجد وميله إلى الزخرفة والنقش، ممَّا ولَّد حاجة إلى تطوير أشكال الخطوط العربية كي تكون مواكبةً لحركة التوسُّع الكبرى التي تجري باضطرادٍ في ، وهو ما نجح فيه الفنان المسلم على مدار التاريخ، وأصبحت الخطوط فنًّا مستقلًّا غير زينة المساجد والمصاحف.

أنواع الخطوط العربية

خط الثُلث

يَعدُّه المؤرخون أصل الخطوط العربية، لأنه أجملها وأعقدها وأكثرها صعوبةً في الكتابة، حتى قيل إن الخطاط لا يُجاز في مهنته ما لم يُتقن خط الثلث، وإنَّ من أتقن كتابته أصبح سهلاً عليه كتابة أي خطٍّ آخر.
وضع قواعده ابن مقلة المتوفى سنة 328هـ، وله فضل السبق فيه عن غيره. ومن بعده جاء ابن البواب علي بن هلال البغدادي المتوفى سنة 413هـ، فرسَّخ من هذه القواعد وأجاد استخدامها وأشاعها، لكنه لم يُغيِّرها، وهي إلى الآن القواعد التي أقرها ابن مقلة.
تميَّز الخط بالجمال ومرونة حركاته في التشكيل على استخدامها، سواءً بقلمٍ رقيق أو جليلٍ من أجل إضفاء المزيد من الزخرفة على النص.
تطوَّر خط الثلث عبر التاريخ، فكان في الأصل الأموي خط الطومار، ثم ابتُكِر منه في بغداد خطَّا (المحقق) و(الريحاني)، ثم خط التوقيع ثم خط الرقاع ثم خط الثلثين -وهو أصغر من خط الطومار- ثم خط الثلث العادي، وخط الثلث الجلي وخط الثلثي المحبوك والخط الثلثي المتأثر بالرسم، والخط الثلثي الهندسي، والخط الثلثي المتناظر.
استعمله الخطاطون في تزيين القباب والمساجد وبدايات المصاحف والمحاريب، بل كُتِبت به بعض نُسخ المصاحف وأسماء الصحف والمجلات وعناوين الكتب.

قد يهمك هذا المقال:   اهمية القراءة في حياتنا

الخط الكوفي

أحد أقدم الخطوط العربية وأكثرها ميلًا إلى الفنِّ والزخرفة، اشتقَّه أهل الحيرة والأنبار عن أهل العراق، لذا سُمِّي بالكوفي، لأنَّ الكوفة هي أول دولةٍ تبنَّته منذ ظهوره، ولقد ظلت المصاحف تُكتَب به حتى القرن الخامس الهجري، حين بدأ يظهر على الساحة منافسون آخرون من الخطوط، كالثلث والنسخ وغيرهما.
تُكتَب الحروف غالبًا باستعمال المسطرة، لذا تمتاز أغلبها بالاستقامة والثبات، ويضيف الخطاطون إلى الحروف أشكالًا هندسية متصلة أو منفصلة تُشكِّل خلفيةً للكلمات تكسر من جمود الحروف، لذا كان الكُتَّاب يُزيِّنون الأوراق وخلفيَّات المصاحف بزخارف بديعةٍ وأشكالٍ متعاشقة ووحداتٍ فنية متصلة أو منفصلةٍ ومقرنصات ونخيل وغيرها من أشكالٍ تمنح النصَّ جمالًا ورونقًا.
ازدهر بشدةٍ في العصر العباسي، فلا يكاد يوجد خان أو مدرسة يخلو معماره من الكتابة بهذا الخط.
تطوَّر كثيرًا على مراحل زمنية متواصلة بفضل جهود الخطاطين في تطويره وإضفاء المزيد من التحسين عليه، حتى تفرَّعت منه أنواع متعددة بلغت الـ70، منها: الخط الكوفي المُسطَّر الفلسفي، والخط الكوفي المُورَّق، والخط الكوفي المُسطَّر المرسوم، والخط الكوفي المتلاصق، والخط الكوفي المربع، والخط الكوفي البسيط، والخط الكوفي المتشابك، وغيرها من عشرات الأنواع.
ومن أعرق الأمثلة التي لا تزال باقيةً حتى الآن على تاريخ هذا الخط هو نسخةٌ من القرآن سُجِّلت عليه وقفية مؤرخة في (168 هـ / 784 – 785م)، محفوظة في دار الكتب المصرية بالقاهرة.

خط الرقعة

من أحدث الخطوط العربية من ناحية النشأة، وأكثرها انتشارًا من ناحية الاستخدام. حمل هذا الاسم نسبةً إلى (الرقاع) أي جلود الغزال، والتي كانت تُستخدَم للكتابة قديمًا.
قرَّرت في عهد السلطان عبد المجيد خان ابتكار خطٍّ جديد يصلح لمُعاملاتهم الرسمية في دوائر الدولة تسهل كتابته وتمتاز حروفه بالقصر، فعهدت بهذه المهمة إلى الخطاط الشهير ممتاز بك، الذي أنهاها عام 850 هـ، بعدما اشتق أُسسه من الخط الديواني وخطِّ سياقت، فكان مزيجًا بينهما، ثم بعدها وضع عددًا من القواعد الحاكمة لضبط استخدامه.
يتميَّز خط الرقعة بسهولة حروفه وبُعدها عن التكلُّف والتعقيد؛ فهي مستقيمة بسيطة قصيرة سهلة عند القراءة، لا تستهلك وقتًا كبيرًا في كتابتها ولا مساحةً كبيرة من الورق، لذا يمكن اعتباره خطٌّ عملي لتسيير حياة الناس أكثر منه وسيلةً فنية لزخرفة الكتب التاريخية.
نتيجةً لذلك، شاع استخدامه في وسائل الدعاية والإعلان كافة: اللافتات والإعلانات وعناوين الكتب والصحف اليومية والمجلات.
لم يشهد أية حركة تطويرٍ منذ ظهوره كما حدث مع (الكوفي) مثلاً، فحافظ الخطاطون على قواعده التي وضعها ممتاز بك ولم تتغيَّر من حينها، لذا لم تتفرَّع منه أي خطوطٍ أخرى، وبقيت طريقته واحدة لاستخدامه والتعبير به.

قد يهمك هذا المقال:   أنواع التصوير

خط النسخ

سُمِّي بالنسخ لكثرة تداوله في الكتابة والتدوين. أول من ابتكره العباسيون عن طريق الوزير ابن مقلة، ولقد اشتُقَّ من خطِّ الثُلث فعُدَّ أحد فروعه. جوَّده الأتابكيون ونمَّقه العباسيون، ويُعدُّ من أكثر الخطوط استخدامًا في عصرنا الحالي.
حروفه أصغر وأبسط من أبيه (الثُلث)، لذا فهو أقل صعوبةً في الكتابة وأكثر قاعديةً وأوضح في القراءة، وكثيرًا ما تستخدمه دور النشر في كتابة محتوى كتبها ومطبوعاتها، وكذا المجلات والصحف، وكان جزءًا رئيسيًّا من كل برامج الكتابة على أجهزة الكمبيوتر منذ لحظة استخدامها، فأصبح أحد أشهر خطوط الطباعة الحديثة.
يحتمل التشكيل، ولكن أقل ممَّا امتاز به خط الثلث الذي كانت حُلَّته أكثر جماليةً وأقل عمليةً منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *