السورة التي نزلت في غزوة بدر

مناسبة الآيات لأحداث غزوة بدر

بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في ، ولاقى من الأذى ما لاقاه من كفارِ قريش في بداية دعوته، ولم يؤمن معه إلا فئةً قليلةً من الناس، ثم أُذِنَ الله له بالهجرة إلى ، فحرصَ صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة على توطيدِ العلاقاتِ بين المهاجرينَ والأنصار عن طريق المؤاخاة بينهم، وكذلك حرص على أمنِ المدينة، فعقدَ المواثيق مع سكان المدينة ومن حولها، ووضعَ نظاماً وقواعدَ وأسس لدولةٍ إسلامية، وفي ذلك الوقت، لم يكونوا بمأمنٍ من قريش، فكانوا يهددون بمن يؤمن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهددون القوافلَ والتجارة.

وبعد ذلك أذن الله تعالى للمسلمين بقتال من قاتلهم، وحمايةِ أنفُسِهم بعدما كان القتال ليس من شأنهم، وكانوا مأمورين بالصبر على الأذى، في سبيلِ أن يحافظوا على دينهم، فقال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)سورة الحج، آية رقم: 39.، فباشر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها بإرسالِ السرايا للاستطلاع، ولمعرفة ما تخططُ له قريش بشأن المسلمين، وكان ما يرافق النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذه الأحداث كُلِها هو القرآن، فكان المؤنِسُ لرسول الله ويتنزل بحسب الوقائع والأحداث، والحكمةُ من ذلك هو تثبيتُ قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولما وقعت غزوة بدر الكبرى، كان القرآن حاضراً لمؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت السورة التي نزلت في غزوةِ بدر هي سورة الأنفال.

غزوة بدر

وقعت غزوة بدر في السابعِ عشر من رمضان في السنة الثانيةِ للهجرة، وكانت الغزوةُ الأولى في الإسلام، وكان القتال فيها بين المسلمين، وبين قريش وحلفائها، ومن أسمائها أيضاً بدر الكبرى، لأنها كانت بداية النصر للمسلمين، وبدر القتال، ويومُ الفرقان، لأن الله سبحانه وتعالى فرَق فيها بينَ الحقِ والباطل، وكانت قريش ومن معها أكثر عدةً وعتاداً، وأكثرُ عدداً من المسلمين، وكان ما نتجَ عن ، هو نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت غزوة بدر نصراً للمسلمين، وهزيمةَ لقريش، الذين كانت خسارتهم فادحةً في المعركة، فقد قُتل منهم من قُتل، ومن أُسِرَ منهم كان مصيرُه هو أن يعلمَ المسلمين القراءة والكتابة، أما المسلمون فاستشهدَ منهم العدد القليل، وجمع المسلمون غنائمَ الغزوة، فبدأوا بالتساؤلِ عن الغنائمِ لمن تكون فأنزل الله تعالى قوله (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ)سورة الأنفال، آية رقم: 1.

قد يهمك هذا المقال:   فوائد قراءة سورة البقرة

السورة التي نزلت في غزوة بدر

سورة الأنفال، وهي السورة التي نزلت في ، هي سورةُ مدنية، وآياتها خمسٌ وسبعون آية، تناولت السورة محاورَ عديدة، فتحدثت عن الغزوات، وعن الجهاد في سبيل الله، وأن الله سبحانه وتعالى أراد النصر للمؤمنين لِيُحقَ الحق ويبطلَ الباطل، والتشريعات الحربية، وتعليم المؤمنين قواعدَ القتال، وأمرهم بالتّوكّل على الله بعد اتّخاذ الأسباب المطلوبة في كلّ شيء، وبخاصة الإعداد للقتال وما أمر الله به المسلمين في قتالهم للكفار، وتحدثت عن السلمِ والحرب، فأمرهم بأن يجنحوا للسلمِ إذا أراد العدو ذلك، وعن أحكام الأسرى والغنائم، والإمداد الفعلي بالملائكة ليقاتلوا مع المؤمنين حتى يحققوا نصر الله تعالى، وقد نزلت هذه السورة في أعقابِ غزوةِ بدر، حتى أن بعض الصحابة أسموها سورةَ بدر، والأنفال تعني الغنائم، وهو الزيادة وسميت بهِ الغنائم، لأنها تأتي زيادةَ على ما يفعله المسلمون في الغزوات من حمايةٍ للدين والأوطان.محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، 1/416.

كما جاءَ في السورة نداءاتٌ إلهية بوصفِ الإيمان، كقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)سورة الأنفال، آية رقم: 15.، فكان النداءُ لأول بأن حذرهم من الفرارِ من المعركة، والنداءُ الثاني أمرهم بطاعةِ الله ورسوله، وفي النداء الثالث فقد بَين لهم أن ما يدعوهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه عزتهم وسعادةُ الدارين، وفي النداء الرابع حذرهم من خيانةِ الله ورسوله وإفشاء سر الأمه للأعداء، وفي النداء الخامس لفتَ نظرهم إلى ثمرةِ التقوى، وأنها أساسُ الخير كله، وفي النداءِ الأخير، فقد أوضح لهم أساس النصر، وهو الثبات أمام الأعداء، والصبر والرباطُ عندَ اللقاء، واستحضار عظمةِ الله وجلاله، والاستعانة بالثبات عن طريق ذَكرِ الله سبحانه وتعالى.محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، 415.

قد يهمك هذا المقال:   بحث عن اقسام التفسير

أسباب النزول

لم ينزلِ القرآن جملةً واحدةً، بل نزل مفرقاً يناسب الوقائعَ والأحداث، ويعتمد العلماء في معرفة سببِ النزول على صحة الروايةِ المنقولةِ عن الرسول صلى الله عليهم وسلم، وقد عَرَفَ العلماءُ سببَ النزول بأنه الواقعة أو السؤال التي نزلت الآية أو السورة بشأنها، بياناَ لها.مناع القطان، مباحث في علوم لقرآن، 78.، والسورة التي نزلت في ، سورة الأنفال، وذكرت كتبُ التفسير أسباب نزول سورة الأنفال، فقد سأل الصحابة عقبَ غزوة بدر عن تقسيم الغنائم الحربية، ولمن تكون عن ابن عباس أنه قال: (لما كان يوم بدر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا، فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإِننا كنا لكم ردءاً ولو كان منكم شيء للجأتم إِلينا فأبوا واختصموا إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنزلت {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية فقسَّم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الغنائم بينهم بالسوية)أبو داود، سنن أبو داود، 2738. ، فجاءت الآيات مبينةَ أن أمر قسمة الغنائم متروك للرّسول صلّى الله عليه وسلم، وعلى المؤمنين طاعة الله ورسوله، وأن الأحكام مرجعها إلى الله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، فكان سببُ نزولِ سورة الأنفال هو غزوة بدر الكبرى.محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، 414.

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *