تاريخ الدولة الفاطمية

تاريخ الدولة الفاطمية

على مر ، مرت العديد من الدول التي حكمت في مختلف أقطار الأراضي الإسلامية (من المغرب الأقصى غرباً إلى تخوم الهند وبلاد فارس شرقاً)، ومن بينها “الدولة العُبَيدية” والتي تشتهر باسم “دولة الخلافة الفاطمية”، هذه الدولة التي تأسست على أساسٍ عقدي شيعي إسماعيلي صرف، وكانت معادية منذ تأسيسها ذات المذهب السني، وقد تأسست بمساعدة من قبائل “كتامة” التي أناخت في المنطقة الممتدة من غرب إفريقية (تونس) إلى الشمال الشرقي للمغرب الأقصى (المغرب).

نسب الفاطميين

يستند الفاطميون في الدعوة لدولتهم على انتمائهم لسلالة آل البيت الكرام عليهم السلام، ولا غرو في تسميتهم بهذا الاسم الذي يدل على أنهم من ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام، إلا أن هذه القضية تعد من القضايا الشائكة التي تعتبر موضع خلاف بين المؤرخين، حيث أن التاريخ السياسي ارتبط بعد الفتنة الكبرى بالإشكالات المذهبية، زد على ذلك أن الشرعية السياسية لمختلف الدول التي حكمت أقطار العالم الإسلامي كانت تستند إلى مسألة “النسب الشريف”. وعلى كل حال، فإن النسب الذي يذكره الفاطميون ومؤرخو دولتهم يبتدئ من مؤسس دولتهم “عبيد الله المهدي” بن “الحبيب محمد” بن “المصدق جعفر” بن “المكتوم محمد” بن “إسماعيل” بن “جعفر الصادق” بن “محمد الباقر” بن “علي زين العابدين” بن “الحسين” بن “علي بن أبي طالب” و “فاطمة الزهراء” بنت صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. (أبو عبد الله محمد بن علي بن حماد، كتاب:”أخبار ملوك بني عُبَيد”).

الدعوة الفاطمية، قُبَيلَ تأسيس الدولة

اعتمد الفاطميون في بداية دعوتهم طابع السرية، أو ما يُطلق عليه الشيعة اسم “ستر الأئمة”، وتذكر المصادر التاريخية أن العباسيين طاردوهم واضطهدوهم، الشيء الذي دفعهم إلى الذهاب بدعوتهم الفتية إلى مناطق بعيدة عن مركز الحكم العباسي، وبالضبط في اتجاه شمال إفريقيا، ليمتد نفوذهم فيما بعد على طول ساحل بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) من المغرب إلى مصر. وقد مهَّدوا لإنشاء دولتهم في إفريقية بدعوتهم السرية المنظمة التي قام بها “أبو عبد الله اليمني” بين قبائل “كتامة”، حيث قصد موطن قبائلهم بضواحي مدينة “قسنطينة” الجزائرية رفقة مجموعة من الحجاج اللذين تعرف عليهم في موسم الحج سنة 280هـ، ثم عاش بينهم مدة عشر سنين يبشر الناس بظهور المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً(تقي الدين المقريزي، كتاب:”اتعاظ الحنفاء، بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء”). ولما استجابت له “كتامة” التي كانت في الأصل ناقمة على العباسيين اللذين أثقلوهم بالضرائب، كون منها جيشاً عرمرماً مجهزا بالعتاد، ثم هاجم “دولة الأغالبة” التي كان العباسيون قد سمحوا بتأسيسها بمدينة “القيروان” لحماية مناطق نفوذهم الغربية، فقضى عليهم جيش “أبو عبد الله اليمني” سنة 296هـ.

قد يهمك هذا المقال:   السياحة في إسبانيا

بيعة أول خليفة فاطمي وتأسيس الدولة

قدم “عبيد الله المهدي” إلى المغرب الأقصى بهدف توسيع مجال الدعوة، لكن حاكم دولة “بني مدرار” بمنطقة “سجلماسة” الواقعة بالجنوب الشرقي بالمغرب، والذي كان مواليا للعباسيين في المشرق ألقى عليه القبض، فلما علم “أبو عبد الله اليمني” بما حدث زحف بجيشه نحو المغرب الأقصى، فقضى في طريقه على الدولة “الرستمية” ثم على دولة “بني مدرار” وحرر “عُبيد الله المهدي” الذي كانت الدعوة قد أُقيمت له، فعاد إلى “القيروان” وبويع له بخلافة الدولة الفاطمية سنة 297هـ، ليأمر ببناء مدينة “المهدية” على اسمه، والتي سيصبح اسمها فيما بعد “المنصورة”.

التوسعات الجغرافية للفاطميين

قام الفاطميون منذ تأسيس دولتهم بمحاولات عديدة لضم مجموع بلاد الغرب الإسلامي لحكمهم، كما طمعوا في التي كانت محط اهتمام الأمويين الذين أسسوا دولتهم بها بواسطة “عبد الرحمان بن معاوية” (الداخل)، فقد اصطدم الفاطميون مع الأمويين في الأندلس باعتماد كلا الطرفين على أساطيل بحرية حربية، حتى غدا جل البحر الأبيض المتوسط تحت سيطرتهما، يقول بن خلدون في كتاب “العبر” في هذا الصدد: “إن أساطيل إفريقية والأندلس في القرن الرابع بلغت منزلة كبيرة، إذ وصلت فيه بواخر (سفنه) الفاطميين إلى نحو مئتين، وبواخر الأمويين كذلك… وكان المسلمون… قد غلبوا على هذا البحر من جميع جوانبه فيه”. أما في الجنوب الغربي الإسلامي، فكان “أبو عبد الله” قبل تأسيس الدولة قد سيطر على “تاهرت” و “تلمسان” بالجزائر، ولما بويع “عبيد الله المهدي” أرسل جيوشه ناحية الغرب فسيطرت على ثلاث حواضر هامة من الناحية السياسية والاقتصادي، وهي “نكور” عاصمة بني صالح، “فاس” عاصمة الدولة الإدريسية، “سجلماسة” عاصمة دولة بني مدرار. لكن سرعان ما انشغل الفاطميون بالعديد من الثورات، كان أهمها ثورة قادها الخوارج بزعامة “أبي يزيد الخارجي” الذي ساندته قبائل متعددة معارضة لحكم الشيعة الفاطميين في المغرب الأقصى، أهمها “زناتة”، “هوارة”، و”نفوسة”. لكن الفاطميين استطاعوا إخماد تلك الثورات بعد جهدٍ كبير طيلة عشرين سنة بمساعدة من قبائل “صنهاجة” و “مكناسة”، لكن الخليفة الأموي”عبد الرحمان الناصر” استغل انشغال الفاطميين ليوسع نفوذه بالمغرب الأقصى وغربي المغرب الأوسط. وفي عهد الخليفة الفاطمي “المعز لدين الله” (956هـ ـ 975هـ) تمكن الفاطميون من السيطرة على مصر بجيشٍ كبير سنة 357هـ، فبنى قائد جيشه “جوهر الصقلي” مدينة “” بها، ليرحل إليها الخليفة ويستقر بها سنة 362هـ.

قد يهمك هذا المقال:   أنواع التلوث

سقوط الدولة الفاطمية

يذكر ابن خلدون في نظرية “الهرمية”، أن الدول تمر من ثلاث مراحل أساسية: مرحلة النشأة، مرحلة الأوج والعظمة، ثم مرحلة الأفول والضعف. وهذا بالضبط ما حصل مع الدولة الفاطمية، فقد وصلت إلى درجة من الضعف والانحطاط لم تستطع معها السلطة المركزية أن تضمد جراحها وتقوم من كبواتها المتكررة، فسقطت في نهاية الأمر سنة 567هـ.

وتتعدد أسباب ضعف ، أهمها: ضعف شخصية الخلفاء الأواخر، انفراد الوزراء بالسلطة وظلمهم، تدخل النساء في مراكز القرار والحكم، انفصال إمارة “بني زيري” الصنهاجية عن التبعية المذهبية والسياسية للفاطميين وتحولهم من المذهب الشيعي إلى المذهب السني المالكي واعترافهم بالخلافة الكبرى للعباسيين، زد على ذلك الحروب الصليبية وظهور “صلاح الدين الأيوبي” الذي واجه المد الصليبي بتوحيده لمصر وبلاد الشام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *