حقوق الجار في الاسلام

حددت الشريعة الإسلامية إطارًا عامًا رحيمًا لعلاقة المسلم بكافة جيرانه، كما بيّن الأثر من كتب الأحاديث والمرويات كيفية تصرف السلف الصالح عما كانوا يكنّون لجيرانهم من ود ورحمة، التي بينت مدى رُقي في الإسلام، وهو أمر عرفه العرب منذ أيام الجاهلية وجاء الإسلام فوثقها ورسخ وجودها، فيكفي أن الله سبحانه وتعالى ربط بين عبادته والإحسان للوالدين بأداء حق الجار، وذلك في “واعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب”، وقال أكثر المفسرين إن “ذي القربى” هو الرجل الذي تجمعه بالجار صِلة قرابة، أما “الجُنب” فهو الجار الذي لا يتمتع بأي صلة قرابة مع جاره، وبهذا شمل الله النوعين في الآية.

من هو الجار؟

جارك هو كل من جاورك في البيت أو في حقل العمل، سوا أكان محسنا أو مسيئًا، مسلمًا أو كافرًا، برًا أو فاجرًا، صديقًا أو عدوًا، غريبًا أو من بلدك، قريبًا أو بعيدًا، ولقد أوضح الفقهاء أن جارك هو من يقطن في نطاق 40 دارًا حول بيتك من كل النواحي، وذلك نبع من قول الرسول “ألا إن أربعين دارًا جارًا”، وهو جعل العلماء يحددون صفة الجار في أنه كل من سكن أي وحدة تقع جوارك في حدود الرقم 40، يقول الحافظ بن حجر في فتح الباري، أعلى درجات الجار من اجتمعت فيه هذه الصفات، كلها، ثم أكثرها، وهكذا.

مراتب الجار الثلاثة

يقول عليه الصلاة والسلام: “الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو أدنى الجيران، وجار له حقان، جار له ثلاثة حقوق”، وهو الحديث الذي اجتهد العلماء في إيضاحه بتقسيم الجيران لثلاثة أنواع، الأول وهو المشرك وعليه على المسلمين حق الجوار، والمسلم وله عند جاره حقين، هما الجوار والإسلام، والثالث هو المسلم الرحم، فحقّ على جاره ثلاثة حقوق، هي الجوار والإسلام والرحم.

قد يهمك هذا المقال:   الطلاق في الإسلام

الرسول يأمر بالإحسان للجار

يقول في الحديث الشهير بشأن معاملة الجار “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”، ولأن جبريل لا ينطق عن الهوى، فلابد وأنه حمل الوصية من الله سبحانه وتعالى إلى النبي، أي أن هذه الوية بحسن المعاملة أتت من الله لنبيه عبر جبريل ترسيخا لعلاقة كل جار بجاره، وهو أمر حضّ عليه الرسول في حديث آخر رواه عنه أبو هريرة، قال النبي: من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره”، وهو أيضًا الذي روى عنه قوله “أحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا”، لدرجة أنه صلى الله عليه وسلم ربط تمام إيمان المرء بحسن معاشرته لجيرانه، يقول في صحيح : واللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن واللّه لا يؤمن قيل ومن يا رسول اللّه قال الّذي لا يأمن جاره بوايقه”، ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع من الرسول يقول “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه ، وهو يعلم به”، وهي ميزة إضافية حث عليها الشرع الحنيف، بحضّ المسلمين على عدم اقتصار شؤونهم على غيرهم، فيجب عليهم أن يتفقدوا أحوال جيرانهم كي يتم الله إيمانهم.

أيضًا قول النبي الذي صححه الألباني، ونقله عنه عبدالله بن عمرو، أنه قال “خير الأصحاب عند اللّه خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره”، كما أنه اعتبر في حديث آخر أن من تمام حظ المر في الدنيا والآخرة “حسن الخلق، وحسن الجوار”، معتبرًا إياهما “يعمّران الديار، ويزيدان في الأعمار”، وفي المقابل اعتبر أن الجار السيء من “الثلاث الفواقر (التي تحطم الظهر)” التي حذّر أصحابه منها، وذلك لأنه “إن رأى حسنة غطاها، وإن رأى سيئة أفشاها”، نفس الجار السوء اعتبره النبي في حديث آخر من أسباب الشقاء بالحياة، قائلاً: أربع من الشقاء: “الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق”.

قد يهمك هذا المقال:   ما هي صلاة البردين

كما يروي أنس عن الرسول أنه قال “ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين، إلاّ قال: قد قبلت فيه علمكم فيه، وغفرت له ما لا تعلمون”، الإضافة لذلك عظّم النبي من شأن ارتكاب الجريمة بحق الدار، وذلك بقوله: “لأن يزني الرّجل بعشرة نسوةٍ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره!”، وقوله “لأن يسرق الرّجل من عشرة أبياتٍ أيسر عليه من أن يسرق من جاره”، وهو نفس المعنى الذي عبّر عنه في مروية أخرى، حين سأله رجل عن الذنب الأكبر، فأجابه: “أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك. قلت: ثم أيّ؟ قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك”، حتى أنه اعتبر الشخص المسيء لجاره لا يستحق أن يخرج معه للجهاد، فعن ابن عمر، أن الرسول خرج يومًا في غزوة، فقال لمن معهم قبل أن يغادروا “لا يصحبنا اليوم من آذى جاره”.

وحينما عرض أحد الرجال نموذجين على الرسول لامرأة تتصدق وتصوم وتصلي إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال الرسول “هي في النار”.

حقوق الجار في الإسلام

استنبط الفقهاء من كافة المرويات حقوًا محددة أوضحوها باستفاضة في كتب الفقه، أبرزها:

  1. كفّ الأذى عنه مادام مسالمًا، وعدم تتبع عوراته، أو حسده وتمني زوال النعمة عنه.
  2. إعطاؤه الهدايا والمنح من أجل كسب وده. يُحكى عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه عاد لمنزله ذات يوم فوجد زوجته قد أعدّت له شاة، فرفض أن يأكل منها حتى أرسل جزءا منها لجاره اليهودي، كما يروي أبو ذر الغفار حديثًا عن الرسول، قال له فيه “يا أبا ذرٍّ، إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك”، بل ومساعدته في تدبير أموره إن لزم الأمر، يقول النبي: “لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبةً في جداره”.
  3. أن يحب الخير لجاره كما يحبه لنفسه، مصداقًا لقوله تعالى: “لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال: لأخيه ما يحب لنفسه” (أخرجه مسلم).
  4. احتمال الأذى، وهو مبدأ راق رسخه ، في أنه ليس فقط على المسلم ألا يؤذي جاره، بل عليه أن يتحمّل أذاه، فذات يوم جاء رجل إلى الرول يشكو له من سلوكيات جاره، فقال له: “اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثًا فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئًا تكرهه”، ويُحكى أيضًا أن رجلاً جاء لابن مسعود يشتكي له من أن جاره يؤذيه ويشتمه، فأجابه: “إن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه”.
قد يهمك هذا المقال:   صلاة خسوف القمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *