سبب نزول سورة المطففين

سورة المطففين

تقع سورة المطففين في الحزب التاسع والخمسين من الجزء الثلاثين في القرآن الكريم، وعدد آياتها 36 آية، وهي من السورة المكية التي نزلت على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة أي قبل الهجرة النبوية بعد سورة العنكبوت، وهي من السور الهامة التي لم يُذكر فيها اسم لفظ الجلالة مطلقًا لكنّ الله تعالى توعّد فيها التجار الذين يتلاعبون بحقوق الناس ويغشون وينقصون الوزن والمكيال للناس بخسارة في الآخرة والهلاك والخلود بالويل وهو وادٍ في جهنم، قال تعالى: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ…”، وفي هذا المقال سيتم تقديم تفسير عام لبعض آيات سورة المطففين، بالإضافة إلى ذكر بعض أسباب النزول الواردة عن السنة النبوية وسبب تسميتها بهذا الاسم وفضلها وبعض العبر المستفادة من هذه الآيات المباركة.

تفسير آيات سورة المطففين

بدأت سورة المطففين بتوعّد الله تعالى للتجار الذين يبخسون في الكيل للناس إما بالزيادة عند الشراء أو النقصان عند البيع ليغشوا الناس ويزيدوا أرباحهم، حيث أخبرهم بأن مصيرهم الهلاك والخسارة والويل في جهنم، قال تعالى: “الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ” اكتالوا أي اشتروا البضاعة من الناس يبالغون في حقهم بالزيادة في الربح، تبعها قوله تعالى: “وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ” بمعنى إنهم يقللون من الأوزان الحقيقية للمشتريات ويغشون في الكيل، وهو من الأشياء المحرّمة التي نهى الله تعالى عنها وأمرنا بالوفاء بالكيل والصدق في التعامل مع الناس وعدم هضم حقوقهم ومحاولة غشّهم بالوزن والكيل، وهذا الأمر تكرّر ذكره في العديد من السور القرآنية الأخرى، قال تعالى في سورة الإسراء: “وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”. ثم أتبعها الله عزوجل بالتذكير بيوم البعث والحساب وأنهم سوف يحاسبون على غشّهم للناس وانتقاص حقوقهم في الكيل والوزن قال تعالى:”أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ” وفي ذلك تخويف وتذكير لمن يبخسون الكيل بضرورة التنبه لموعدٍ لا ريب فيه يعاقب فيه التاجر على كل شخصٍ هضم حقه وأبخس فيه كيل البضاعة له، وعن قوله تعالى :”يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ” أي عندما يبعث المطففون يوم القيامة حفاةً عراةً ويقفوا موقفًا صعبًا حرجًا ليحاسبوا على إجرامهم وغشهم للناس، وفي ذلك يقول ابن عمر- رضيى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه”، وفي رواية أخرى يقول ابن عمر: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم”.

قد يهمك هذا المقال:   فوائد قراءة سورة البقرة يوميا

العبر المستفادة من سورة المطففين

  • ضرورة عدم غش الناس والتبخيس في حقوقهم وخداعهم بالكيل والوزن في عمليات البيع والشراء.
  • وجوب عمل الصالحات في الدنيا وتجنب ما يدخل الإنسان بالهلاك والخسارة الدائمة في النار.
  • التذكير بأهوال يوم القيامة وصعوبة الموقف العظيم على الناس وخصوصًا على التاجر الغشّاش الذي يهضم حقوق الناس ويتلاعب بالأسعار والكيل.
  • يُحشر المجرمين من الناس ومنهم المطففون يوم القيامة حفاةً عراةً يكونون في موقف عصيب وصعب أمام الله تعالى حين يدعوهم للحساب فيعاقبهم بأسوأ عذاب عما كانوا يفعلون في الدنيا من غش الناس وخداعهم سبب نزول سورة المطففين.

هناك العديد من السور القرآنية التي نزلت على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يرد فيها أسباب نزول محددة، وبعضها الآخر نزلت لأسبابٍ مختلفة وعديدة، وعند الحديث عن سورة المطففين بالتحديد فقد ورد في أسباب نزولها ما يلي:

  • عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- قال: “لما قدم النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المدينةَ كانوا من أخبث الناس كَيلًا، فأنزل الله تعالى: “وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ” فأحسنوا الكيل بعد ذلك وقلّت نسبة الغش والخداع بين تجار المدينة المنورة.
  • في رواية أخرى: قال القرظي: “كان أهلُ المدينةِ تُجَّارًا يُطفِّفونَ، وكانتْ مُبايَعتُهمُ المنابَذَةُ والملامَسةُ والمخابَرَةُ، فنزلتْ فخرج -رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فقرأها عليهِمْ” أي نزلت سورة المطففين وقرأها رسول الله على التجار، ولكن هذه الرواية ضعيفة.
  • وعن هلال بن طلق قال: “بينما أنا أسير مع ابن عمر فقلت: من أحسن الناس هيئة وأوفاه كيلًا؟ أهل مكة أو المدينة؟ قال: حق لهم، أما سمعت الله يقول {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}”

يتبع فضل سورة المطففين إلى فضل سائر سور القرآن الكريم على المسلمين، فقراءة القرآن الكريم فيها راحة النفس وتطهير للذنوب وزيادة في الحسنات والأجر لقارئها، ولسورة المطففين بالتحديد فضلٌ كبير في تحسين أخلاق التجار وتنبيههم إلى أخطائهم الكبرى وجشعهم مع الناس فيما يخص الكيل والوزن، فنزلت هذه السورة في أهل المدينة الذين كانوا يتصفون بالخبث والغش والتبخيس في الكيل، ولما قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم غيرت في نفوسهم وأحدثت فرقًا في تعاملاتهم التجارية وجعلتهم أكثر دقة وأمانة في الوزن والكيل وحفظت حقوق الناس وحققت العدل ونشرت الصدق في التعاملات، وأصبحت فيما بعد مرشدًا وهاديًا لجميع الناس على مر العصور لتبعدهم عن الغش وتذكرهم بغضب الله تعالى على المطففين يوم القيامة وتحذرهم من الأهوال التي سيرونها إذا استمروا على تبخيس الوزن والكيل وأخذ الأموال بغير حق من الناس سبب نزول سورة المطففين.

قد يهمك هذا المقال:   اول خمس ايات من سورة البقرة

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *