صلاة الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف

يُعد الكسوف والخسوف آيتان من آيات الله يُخوِّف الله بهما عباده؛ فقد جاء في حديث الصحيح الذي يرويه الصحابي الجليل عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن و آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يُخَوِّف الله بهما عباده)البخاري، صحيح البخاري، 1046، ومسلم، 901، وأبو داود، 1177، والترمذي، 561، والنسائي، 1470، وابن ماجه، 1263، وأحمد، 24571.؛ أي أنهما علامتان ودلالتان من الله -سبحانه وتعالى- للخلق كافةً، للتدليل على وحدانيته، وعلى عظيم قدرته وخلقه، فالله قادرٌ على أن يقلب موازين الكون، ويُغيّر في خلقه ما يشاء وقتما شاء، وقد كان الناس في الجاهلية يظنون أن كسوف الشمس والقمر يكونان تابعين لموتِ أحدٍ ذو مكانةٍ عظيمة، ويوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدث الكسوف اعتقد الناس أن سبب الكسوف كان بسبب موت إبراهيم، فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها علامةٌ ودلالةٌ من الله ليخوف بها عباده إذا عصوه، وينذرهم من العصيان وأنهما لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا حياته.

الفرق بين الكسوف والخسوف

الكسوف والخسوف شيءٌ واحد، فيجوز أن يُقال كسوف الشمس وخسوفها؛ كما يُقال كسوف القمر وخسوفه، وقد اشتهر عند الفقهاء، تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر ويُعرف الكسوف بأنه انحجاب ضوء الشمس أو القمر بسببٍ غير معتاد، والكسوف والخسوف يأتيان بمعنى واحد، فلما خُصص الخسوف بالقمر، فهو يعني ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً لوقوع ظل الأرض بين الشمس والقمر، وخصص الكسوف بالشمس، ويعني ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار لوقوع ظلمة القمر بين الشمس والأرض، ويُحدث الله -عز وجل- ذلك تخويفاً لعباده حتى يرجعوا إليه سبحانه وتعالى لما يروا تبدليه للخلق وتغييره للمعطيات البشرية للطبيعة.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 2/1421.

قد يهمك هذا المقال:   طريقة صلاة التراويح

مشروعية صلاة الكسوف والخسوف ووقتها

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عباده في حال حدوث الكسوف والخسوف، أن يفعلوا ما يُزيل الخوف من نفوسهم، ويُظهر عبوديتهم لله -سبحانه وتعالى- فأمر بالصلاة، والدعاء، و، حتى يُكشف ما بالناس، وينتهي الكسوف أو الخسوف، ويؤكد المؤمن الاستعداد بالمراقبة التامة لله تعالى والالتجاء إليه سبحانه، وخاصةً عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين صلاة الكسوف صلاةً طويلة، فلا شيء يُريح النفس، ويذهب الفزع والخوف كاللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- بالصلاة، فصلاة الكسوف والخسوف مشروعةٌ في حال حدوثِ الكسوف والخسوف.

وأما وقتها فمن ابتداء الكسوف أو الخسوف إلى ذهابه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي)ابن حبان، صحيح ابن حبان، 2838. فوقتها من بداية الكسوف إلى أن ينجليِّ، فإن فات الكسوف لم تُقْضَ الصلاة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الانجلاء غايةً للصلاة؛ ولأن الصلاة إنما شرعها الله تعالى رغبةً إليه في ردها، فإذا وقع ذلك وقع مقصود الصلاة، وإن انتهى من الصلاة والكسوف لا يزال قائماً لم يزد صلاةً أخرى، وإنما يشتغل بالذكر، والدعاء، والاستغفار؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزد على ركعتين في صلاته التي صلاها.سعيد بن علي القحطاني، صلاة الكسوف، 1/58.

حكم صلاة الكسوف والخسوف

والخسوف حكما أنّها سنة مؤكدة ثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- باتفاق الفقهاء، بدليل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ)سورة فصلت، آية رقم، 37. أي أنه يصلى عند كسوفهما، ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أمر به بالصلاة عند رؤية ذلك وهي صلاة مشروعة في الحضر والسفر، للرجال والنساء، أي أن كل من هو مكلفٌ بالصلوات الخمس؛ يكون مكلفًا بها؛ لأنه -صلّى الله عليه وسلم- قد صلّى عندما كُسفت الشمس، وعندما خُسف القمر، ويؤمر بالصلاة كل من تجب عليه صلاة الجمعة باتفاق الفقهاء، وتشرع بدون أذان ولا إقامة وتُسنُّ فيها الجماعة، وتصلى في جماعة أو بشكل فردي، وكذلك، تُصلّى جهراً أو سراً، لكن الإسرار في صلاة الكسوف والخسوف هو مذهب الجمهور، وأما مذهب الحنابلة والصاحبين من الحنفية أنه يجب الجهر في صلاة الكسوف والخسوف وقد رجَّح هذا الرأي كثيرٌ من العلماء، وتصلى بخطبة أو بلا خطبة، وتصلى ليلاً أو نهاراً، ويُندب أن ينادى لها بقول (الصلاة جامعة) لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك.

قد يهمك هذا المقال:   ما هي السبع الموبقات

كيفية صلاة الكسوف والخسوف

وأما والخسوف فهي ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان وركوعان يقرأ في الأولى جهراً الفاتحة، وبعدها بسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيُردد قوله الذي يقوله بعد الرفع من الركوع: (سمع الله لمن حمده) ويحمد الله بقوله: (ربنا ولك الحمد)، ولا يسجد، بل يقرأ الفاتحة وسورةً طويلة غير السورة الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين، طويلتين، ثم يصلى الركعة الثانية كالأولى، لكن دونها في القراءة والطول، وفي كل ما يفعل، ثم يتشهد ويُسلِّم، ودليل ذلك ما روي أنه عندما كسفت الشمس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان اليوم الذي كسفت فيه شديد الحر، فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، وأطال القيام بالصلاة، حتى تعب الصحابة، ثم ركع وأطال الركوع، ثم رفع من الركوع وأطال، ثم ركع مرةً ثانيةً وأطال في ركوعه، ثم سجد بعد ذلك سجدتين، وكانت صلاته أربع ركعات وأربع سجدات.

ويُسنُّ أن يخطب الإمام بالناس ويعظهم بعد صلاة الكسوف ويحذِّرهم من الغفلة والعصيان والاغترار بالدنيا وملذاتها، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار؛ كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا انتهت الصلاة قبل انتهاء الكسوف والخسوف، وعودة ضوء الشمس أو القمر، فلا تُعاد الصلاة، بل يذكر الله، ويكثر من دعائه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصلاة والدعاء، حتى يكشف الله عما أصاب الناس.مجموعة من المؤلفين ، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، 1/109.

والأكمل أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة أو ما يقاربها في الطول، وفي القيام الثاني بعد الفاتحة دون ذلك أي بقدر مئتي آية مثل سورة آل عمران، وفي القيام الثالث بعد الفاتحة دون ذلك، أي بقدر مئة وخمسين آية، مثل النساء، وفي القيام الرابع بعد الفاتحة دون ذلك بقدر مئة آية تقريباً مثل المائدة.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 2/1425.

قد يهمك هذا المقال:   أحمد بن حنبل

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *