علماء الرياضيات المسلمين وانجازاتهم

علماء الرياضيات المسلمين وانجازاتهم

تميّزت الحضارة الإسلامية في أوجّ عزّها بعنايتها بالعلماء والمفكّرين، ممّا جعل عواصمَ الإسلام مُدنًا لاستقطاب طلبة العلم وطلّاب المعارف، وهو الأمر الذي ساهم في حصول عدد كبير من المسلمين على التكوين العلمي الكافي ليخرجوا من دائرة “التلقي” إلى مستوى الإبداع والاختراع.

والشاهد على التطور العلمي الضّخم الذي عرفته الحضارة الإسلامية في وفي بلاد الأندلس هو العدد الكبير للعلماء المسلمين الذين نبغوا في كلّ مجالات العلوم وتميّزوا عن غيرهم بموسوعيتهم المذهلة وإجادتهم الفذّة.
سنختصّ اليوم بذكر عدد من الأسماء الإسلامية الرائدة في مجال الرّياضيات، وهي:

الخوارزمي

هو أبو عبد الله محمد بن موسى، الملقّب بالخوارزمي نسبة إلى مدينة خوارزم (في أوزبكستان اليوم) التي وُلد فيها سنة (168 هـ /780م). كان نابغة في الرياضيات وعلم الفلك، ويعدّ أوّل من قام برسم خريطة للأرض.
عاش الخوارزمي في مدينة بغداد حيث كان منقطعًا إلى بيت الحكمة الذي أقامه المأمون لأهل العلم، يقول النديم في كتابه الفهرست: “الخوارزمي واسمه محمد بن موسى كان منقطعاً إلى خزانة الحكمة للمأمون وهو من أصحاب علم الهيئة وأقامه الخليفة على القسم العلمي من خزانته حيث انقطع إلى المطالعة والتأليف زاهداً في الدنيا حتى آخر حياته منكباً على الدرس نهاراً والرصد ليلاً وهو في كل أعماله أمين ودقيق”.

إنجازاته في الرياضيات

يعدّ كتاب “المختصر في الحساب والجبر والمقابلة” أهمّ ما ألّفه الخوارزمي في ، حيث أنّه بقي يتصدّر قائمة المراجع في مجال الرياضيات من القرن التاسع للميلاد إلى القرن السادس عشر.
يعتبر الخوارزمي من كبار علماء الرياضيات على مرّ العصور، فهو من طينة إقليدس و طاليس ونيوتن؛ حيث أنّ الخوارزمي هو الذي أسّس علم الجبر –الذي مازال يحمل هذا الاسم إلى اليوم في كلّ أرجاء العالم، مثل: Algebra – وطُبّق هذا العلم على المسائل الحسابية اليومية في حياة المسلمين، كمسائل الإرث والمعاملات التجارية.
والخوارزمي هو أوّل من حلّ المعادلات من الدّرجة الثانية بإيجاد الجذور، وهو الذي صنّف المعادلات ضمن ستة أشكال رئيسية، وأعاد أي مسألة يتناولها الجبر إلى معادلة من الدّرجة الثانية بمجهول واحد على الأكثر.
يعود الفضل للخوارزمي في نقل علوم الرياضيات الهندية إلى بلاد المسلمين، ويقال أنّه أخذ هذه العلوم عن عالم هندي اسمه “كانكا”، فتعلّم منه الأرقام الهندية، ثم قام بتطوير نظام حسابي عربي عُشري (1، 2، 3..الخ) وهو النّظام المستعمل حاليا في أغلب دول العالم.
الخوارزمي هو الذي اخترع العدد “صفر”، فقبله لم يكن لهذه القيمة رمزٌ خاصّ بها، فقد كان مكانها يُترك فارغا، وهو ما كان يشكل نوعا من الإبهام حول النتائج الموجودة؛ كما يقال أنّ الخوارزمي هو الذي اخترع مفهوم “اللانهاية” العددية.
كما أنّ “الخوارزميات” بمفهومها الحديث مشتقّة من اسمه ومُستلهمة من طريقته المنهجية في حلّ المسائل والمشكلات التقنية والحسابية والعلمية.

قد يهمك هذا المقال:   أكبر جزر البحر المتوسط

الكرجي

هو فخر الدين أبو بكر محمد بن الحسن ، لقّب بالكرجي نسبة إلى مدينة الكرج التي وُلد فيها، والتي تقع بين همذان وأصفهان (في إيران الحالية). وقد برع الكرجي في كلّ من الرّياضيات والهندسة.

إنجازاته في الرياضيات

قام الكرجي بتأسيس مدرسة جبرية جديدة ومستقلّة قائمة على “حَسْبَنَة الجبر”، بمعنى تطبيق العمليات الحسابية على الجبر بدل القيام بحلّ المسائل بطرق هندسية.
ألّف الكثير من المؤلّفات القيّمة في مجالي الرياضيات والهندسة، ونذكر من مؤلّفاته الرياضية كتاب “البديع في الحساب” الذي يستعرض فيه الكرجي مواضيع جبرية وحسابية مختلفة: الأعداد المتحابّة، والأعداد الصّماء، وجذر ثنائيات إقليدس والمنفصلات، وجذر المقادير المفردة والمركبة المجهولة المنطقة والمركبة بحالات مختلفة، وجذر الكسور التي فيها مجاهيل.. وغيرها.

وله كتاب مهمّ آخر هو “الفخري في الجبر والمقابلة” الذي تطرّق فيه الكرجي إلى أجناس الجهولات ومراتبها، ومفهوم القوّة الجبرية، كما شرح فيه عمليات الضرب والقسمة والنسبة وكيفية إيجاد الجذر التربيعي والجمع والطرح على المقادير الجبرية. وقد أضاف إلى ذلك القواعد والنظريات الضرورية للحساب الجبري، وذكر المسائل الست، وتناول التحليل غير المحدود والمعادلات من درجة أعلى، ونمذج المواضيع المقترحة بمسائل تطبيقية.

يعدّ الكرجي أوّل من تناول موضوع استخراج الجذر التربيعي لكثير الحدود الجبري بمجهول واحد، كما أنّ من أهم أعماله: ”مثلث المعاملات ذات الحدّين” الذي يُعرف اليوم بمثلث باسكال.

الكِندي (فيلسوف العرب)

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معد كرب القحطاني، وينحدر من نَسلِ ملوك دولة كندة التي لعبت دورًا مفصليا عبر تاريخ العرب القديم.
من المرجّح أنّ الكندي عاش بين (185- 260 هـ/ 801- 873 م)؛ اختُلِف في مكان ولادته: الكوفة أم البصرة، و يُجمِع المؤرّخون على أنّه توفّي في بغداد.
نشأ الكندي في الكوفة التي كانت تحت إمارة والده في خلافة الخليفة العبّاسي هارون الرّشيد، وانتقل إلى بغداد أثناء حكم المأمون ليصير واحدًا من أهم علماء عصره، وكان متّصلا بدار الخلافة، وعيّنه المأمون في هيئة العلماء المُكلّفين بترجمة المؤّلفات اليونانية إلى اللغة العربية، كما استدعاه الخليفة المعتصم ليكون مربّيا لولده أحمد.
عُرِف الكندي بنبوغه في العديد من فروع العلوم، فقد اشتغل في والرياضيات وعلم الفلك والكيمياء والفلسفة والمنطق واللغة و والجغرافيا، و يعتبر أوّل الفلاسفة العرب والمسلمين، وقال عنه المستشرق الفرنسي برنارد كارا دي فو: “إنّه من الاثني عشر عبقريا الذين عرفهم العالم”.

قد يهمك هذا المقال:   السياحة في الباحة

إنجازاته في الرياضيات

ذكر قدري طوقان في كتاب “تراث العرب في الرياضيات و” أنّ الكندي ألّف 11 كتابًا في الحساب و 23 كتابًا في الهندسة. وفي هذه المؤلّفات، وضع الكندي رسالة في تأليف الأعداد، وتوافق الأرقام، وكتب عن الأعداد النسبية، وحساب القيم والوقت، كما ألّف 4 مجلّدات عن الأرقام الهندية ممّا ساعد على نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وساهم في إنشاء نظام عددي عربي، وكان يؤمن بأنّ قيمة “اللانهاية” سخيفة وبأنّ كل شيء منتهي. أمّا في الهندسة فقد علّق على نظرية المتوازيات، و له رسالة في أنّ الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدّائرة أعظم من جميع الأشكال المنبسطة.. وله الكثير من الإسهامات الجليلة الأخرى.
من أقواله: “إنّ من يريد العبور إلى عالم الفلسفة لابدّ له من التوسّل بالرياضيات ومنطقها القويم”، وكان يقول عن الرّياضيات أنّها “لا تكون بالاقتناع بل بالبراهين، فإذا أخذناها بالاقتناع كانت ظنًّا من الظنون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *