ما هو غسيل الاموال

الغسيل أو الغُسْل، يُقال “فلان غَسَلَ ثيابَه” أي نظَّفها وأزال عنها الوسخ وكل ما يشوبها من شوائب، كذلك ، وهو عملية تنظيف البدن، وهي عادة فطرية في الإنسان، وبها يسترجع نشاطه ويحسُّ بالراحة الجسدية والنفسية أيضًا، ومنه جاء هذا المصطلح المعاصر، وهو غسيل الأموال أو تبييض الأموال، وهي كناية عن عملية تنظيفٍ لكن من نوعٍ آخر، خاصة بالقطاع الاقتصادي والأموال النقدية، وهذا ما سنُحاول شرحه وتبسيطه في هذا المقال بتوفيق الله عزَّ وجلّ.

ما غسيل الأموال؟

إذا قُلنا إننا نريد غسل شيءٍ ما، هذا يعني أنه كان قذرًا أو متسخًا ونريد تخليصه من هذه القذارة عن طريق غسله وتنظيفه، وهذا هو المعنى الحقيقي لمُصطلح غسيل الأموال، وكذلك مصطلح “تبييض الأموال”، فالبياض دليل على النقاء والصفاء، والأكيد أن الشيء المُراد تبييضه كان قاتمًا ومُعتِمًا أو مسودًّا قبل ذلك.
إذن، االغسيل من هذا النوع يُعنَى بالأموال القذرة، ذات المصادر غير الشرعية وغير القانونية، فإما سرقة أو سطو أو تجارة مخدِّرات أو دعارة أو رِشوة أو تجارة أسلحة، أو غيرها من المصادر المُحرَّمة شرعًا و قانونًا.
وفي بدايات هذه الظاهرة الجديدة، يُقال إن المتاجرين بالمخدِّرات كانوا يغسلون الأموال فعليًّا، عن طريق الأبخرة أو ما شابه، وذلك لإزالة الرائحة العالقة أو المنبعثة من الأوراق النقدية، والتي قد تكشف أن هذه الأموال هي عائدات للمتاجرة بالمخدِّرات، ثم تطوَّر المفهوم ليشمل معنًى أوسع بعد ذلك.
وببساطة، الذين يلجؤون إلى هذه العملية هم الذين يخافون من السؤال المشهور، الذي يُعدُّ أساس نجاح الأمم وازدهارها اقتصاديًّا، وهو سؤال بسيط ومُباشر يُطرَح على المشكوك في مصادر أمواله: “من أين لك هذا؟”. وعلى المعنيِّ بعدها الإجابة عن السؤال بتقديم الحجج والبراهين والوثائق اللازمة لإثبات نقاء أمواله ومشروعية مصدرها.

قد يهمك هذا المقال:   طريقة صناعة الصابون

غسيل الأموال العكسي

هو نوع ثانٍ من أنواع غسيل الأموال، قد يغفل عنه الكثيرون، وهو عملية عكسية لغسيل الأموال المعروفة، وهو باختصار تحويل الأموال ذات المصادر المشروعة والقانونية إلى أموالٍ تُستغَل لأغراضٍ غير مشروعةٍ أو مُحرَّمة، كتمويل الجماعات الإرهابية، وشراء الأسلحة المُحرَّمة دوليًّا، وهذا يُعدُّ جُرمًا في نظر القانون أيضًا، ويُعرِّض أصحابه للمحاكمات والعقوبات.

أساليب غسيل الأموال المشهورة

تنقسم مراحل عملية غسيل الأمول إلى ثلاث مراحل مشهورة:

مرحة الإيداع

تتم هنا عملية إيداع الأموال القذرة في المصارف بعُملاتٍ أجنبية مثلًا، أو شراء عقاراتٍ أو سياراتٍ فاخرة.

مرحلة التمويه

هنا تتم عملية تشتيت مصدر الأموال لمنع تتبعها، عبر اعتماد عملياتٍ مصرفية مشروعة تكون معقدة؛ فتُحوَّل الأموال من مصرفٍ إلى آخر، وتُستهدَف البنوك الخارجية المشهورة بصرامة قواعدها وسرية الإيداعات فيها، وكذا مرونة قوانينها وتساهلها.

مرحلة الإدماج

ويُطلَق عليها أيضًا اسم “مرحلة التجفيف”، لكونها المرحلة الختامية، والتي تصبح خلالها تلك الأموال القذرة كأنها أموال مشروعة أو عائدات من صفقاتٍ تجارية قانونية، وتُدخَل في الدورة الاقتصادية، وبعد هذه المرحلة يصبح من الصعوبة بمكانٍ تتبُّع مصدر هذه الأموال للكشف عنها، ولا يحدث ذلك إلا بجُهودٍ مُضاعَفة من خلال البحوث السرية واختراق عصابات غسيل الأموال.

بعض أساليب غسيل الأموال

هي أساليب رؤوس الفساد في البلاد، أساليب آكلي المال ومُتلقي الرشاوى، أساليب المتاجرة بالحرام، أساليب قد يكون صاحبها عنصرًا سامًّا في إدارةٍ عمومية مثلًا، صاحب هندامٍ محترم، ومظهرٍ جميل، يُخفي داخله كيانًا لا يُفرِّق بين حلالٍ وحرام.
حين يتقاضى الشخص رشوةً بمبلغٍ ضخم من طرف شركةٍ ما لتسهيل معاملاتها على مستوى مديريته، فكيف السبيل إلى إيداعها في حسابه المصرفي؟!
يتفق مع تلك الشركة على تعيينه كمُستشارٍ تسويقي أو ما شابه، ثم يشرعون في عمليات بيعٍ وهمية بمبلغٍ أكبر من المبلغ الذي ارتشي به، كمُقابلٍ للخدمات التي قدَّمها لشركتهم في مجال التسويق، وبعدها تُقتطَع عمولته في حين يُصرَف الباقي كمُستحقاتٍ للضرائب وعمولات غسيلٍ لأصحاب الشركة، ومن ثمَّ يمكنه إيداع ذلك المبلغ بكلِّ أريحيةٍ في حسابه المصرفي، دون تعرُّضه للمساءلة القانونية.
وهناك أساليب عديدة ذكرنا منها المشهور بين العامة من الناس فقط، حتى لا يكون مقالنا ولا موقعنا المحترم مصدرًا لتقديم دروسٍ مجانية في عمليات غسيل الأموال، ومن ثمَّ نكون مسؤولين عن تخريج جيلٍ جديد من هذا الصنف.

قد يهمك هذا المقال:   أنواع الخرسانة

غسيل الأموال في نظر الشرع

إن من مقاصد الشريعة الإسلامية ومحاسنها المحافظة على الضروريات الخمس، والتي من بينها حفظ المال، وعليه ننقل هنا كلمةً لأهل الاختصاص في بيان حكم عملية غسيل الأموال، والتي يُراد من ورائها جعل المال الحرام حلالًا بعد إخفاء مصادره الخبيثة والقذرة.
“… وإنَّ المكاسب العائدة منها، وإن كانت أموالًا طائلة، فإنها مكاسب خبيثة ومُحرَّمة وممحقة للبركة في العمر والعمل، ووبال على صاحبها في الدنيا والآخرة، وإنَّ ما نسمعه من غسيل الأموال معظم ذلك بأسباب تلك المخدرات التي يتجرون بها ويُروِّجونها ويتعاونون مع بعض من لا إيمان عنده، فتُسجَّل تلك الأموال باسمه لكي يضفي عليها صفة الشرعية، وكلها نتيجة لهذه التجارة المُحرَّمة الخبيثة، فاتقوا الله أيها التجار، وطهِّروا أموالكم من هذه المكاسب المُحرَّمة، فإنَّ الله يجعل في المال الحلال البركة والنماء بإذنه سبحانه وتعالى”. منقول من قسم مجلة البحوث الإسلامية لموقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية على