مساوىء العزلة

مخالطة الناس والحث على الجماعة أمر إلهي ورد في الكتاب والسنة، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ««ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم ، إلا استحوذ عليهم ، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأكل القاصية»» أبو داود وحسنه الألباني، ولكن أي جماعة هي التي أمرنا الله تعالى بالالتزام بها؟ وما هي مواصفات هذه الجماعة؟ وما هي أضرار اعتزال الناس؟ وهل يجوز للمسلم اتباع كل ما يراه من أمر الجماعة دون أن يعرضه على الكتاب والسنة؟.

ماهي مواصفات الجماعة التي أوصى بها رسول الله في الحديث؟

ورد بالكتاب والسنة بعض أوصاف الجماعة والصالحين التي أمرنا الله تعالى ورسوله باتباعهم وفيما يلي بعض من هذه الصفات:

  1. في الجماعة تجد الناصح الأمين الذي يرشدك للخير في الله.
  2. في الجماعة تجد السند والدعم المعنوي والنفسي وقت الشدة ووقت الحاجة إليه.
  3. في الجماعة تجد من يعينك على طاعة الله ويحذرك إذا قصرت في العبادة.
  4. في الجماعة تتعلم أن الحب في الله والأخوة في الله رابطة أقوى من رابطة الدم.
  5. في الجماعة تجد النشاط في الدين والتعلم فيه غاية المسلمين ولا يعدلها غاية أخرى.
قد يهمك هذا المقال:   ما هو دعاء الاستخارة

قال صل الله عليه وسلم: ««المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»» الترمذي وابن ماجة وقال رسول الله صل الله عليه وسلم عندما سأل أي الناس أفضل؟ فقال: «رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه» ثم قال «مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه ويدع الناس من شر» الحديث الأول يحث على الخلطة والحديث الثاني يحث على اعتزال الناس للتفرغ للعبادة فهل يوجد تعرض بين الحديثين؟ وما هو رأي في أمر الخلطة والعزلة؟
أشار علماء الحديث أن مخالطة الناس أفضل من العزلة بدليل الحديث الأول وأن الحديث الثاني وإن كان ظاهره يشير إلى استحباب العزلة إلا أن معناه جاء لاستحباب العزلة في أحوال مخصوصة أو في حق ناس معينين مثل اعتزال الناس في الفتن فهو أحب وأفضل من مخالطتهم.
وجاء مذهب الشافعي ومجموعة من العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن، وجاء مذهب جمهور العلماء في تفسير العزلة التي أرادها الحديث بأن المقصود به الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو من لا يسلم الناس من شره ولا يصبر عليهم والدليل أن الأنبياء والتابعين والعلماء وحتى الزهاد كانوا مختلطين بالناس ولم يعتزلوهم بهدف العبادة لأنهم رأوا ما في المخالطة من فوائد عظيمة مثل إشاعة وحث الناس على اتباع الدين ومشاركة الناس في أمور حياتهم فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة» ولم يقل يد الله مع الواحد أو المسلم.
هل يجوز للمسلم اتباع كل ما يراه من أمر الجماعة دون أن يعرضه على الكتاب والسنة؟
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ««لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا»» الترمذي، عرف علماء اللغة الإمعة بأنه: المتردد الذي لا يثبت على رأي، لضعف شخصيته والأصل “إمع” ولكن تزاد التاء فيه للمبالغة.
يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في :
الواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صل الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا، لأن شريعة الله -والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه.
والمعنى يجب على كل مسلم أن يعرض أمر الجماعة وسننها على شريعة الإسلام فما اتفق منها اتبعه وما اختلف منها ابتعد عنه، فمثلًا جماعة العمل تقضي بأنه بعد صلاة العصر يجتمع والرجال للأكل في مكان واحد ويصير هناك من مخالطة وضحك بين زملاء العمل، فما هو تصرفك حيال الأمر، فهل تتركهم وتعتزلهم!! لا بل صلي معهم العصر في جماعة لأن هذا ما أمرك به دينك، وتناول طعامك معهم ولكن تحذر من مخالطة النساء وتتعامل معهم في حدود ما أمرك به دينك تكن قدوة لجميع من حولك فلا تعتزلهم وتصبح شخصية الملتزم منبوذة، منهم ولا تخالطهم في أخطائهم وتصبح متهاون في دينك وهذا ما يحثنا عليه الدين “كن داعية بأخلاقك”.

قد يهمك هذا المقال:   أبي بكر الصديق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *