مَن أبو ذر الغفاري
أبو ذر الغفاري، أو جندب بن جنادة الغفاري، هناك العديد من الآراء حول اسم أبي ذر، فهناك من قال إن اسمه هو برير بن جنادة، وهناك من قال جندب بن عبد الله، وبرير بن عشرقة، ويزيد بن جنادة، وبرير بن جندب، وغيرها من الأسماء؛ ولكن الراجح بينها هو جندب بن جنادة الغفاري، أمه هي رملة بنت الوقيعة مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر – الجزء الثامن والعشرين ص 277، والتي أكرمها الله ب وهو من قبيلة تقع بطريق النوافل الموجودة بين واليمن، وتُدعى تلك القبيلة بقبيلة غفار، وقد اشتهرت تلك القبيلة بأن جميع رجالها من اللصوص، ليس لهم مهنة سوى السطو على أي قافلة يجدونها ويسرقون كل ما فيها.
أبو ذر سارق على دين التوحيد
كان أبو ذر هو الآخر يجمع أمواله عن طريق السرقة، ونهب أموال الناس مثله كمثل أهل قبيلته، وقد عرف بجرأته حيث كان لا ينتظر قدوم الليل حتى يسرق الآخرين؛ بل كان يقوم بذلك في وضح النهار، دون خشية أحد، والغريب أنه رغم امتهانه لتلك المهنة المخزية؛ لكنه لم يكن يومًا من عبدة الأوثان، وإنما كان منذ نعومة أظافره على دين التوحيد، رغم عدم علمه بمن هو رب هذا الكون؛ ولكنه كان يعلم أن من خلق وأبدع هذا الكون إنما هو إله واحد لا يوجد بين تلك الكائنات الضعيفة، حتى إن نزل فيه، قال الله تعالى: {وَالَّذِيـنَ اجْتَنَبُـوا الطَّاغُـوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَـا وَأَنَابُـوا إِلَى اللَّـهِ لَهُـمُ الْبُشْـرَى فَبَشِّـرْ عِبَـادِ الَّذِيـنَ يَسْتَمِعُـونَ الْقَـوْلَ فَيَتَّبِعُـونَ أَحْسَنَـهُ أُولَئِـكَ الَّذِيـنَ هَدَاهُـمُ اللَّـهُ وَأُولَئِـكَ هُـمْ أُولُـو الْأَلْبَـابِ} سورة الزمر: آية 17-18 وهو ما قاله ابن عباس وغيره؛ إن هاتين الآيتين نزلتا في زيد بن عمرو، وأبي ذر، و رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين، وذلك لأنهم آمنوا بالله قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو ذر يبحث عن دعوة الرسول الجديد
ظل أبو ذر متمسكًا بقراره وهو عدم السجود لتلك الآلهة الصماء، وكأن الله سبحانه وتعالى كان يهيئ أبا ذر للإسلام، وكل ما كان يشغل عقله وتفكيره لسنوات طويلة، من هو إله هذا الكون؟ لذلك عندما سمع أبو ذر بوجود نبي داخل يدعو إلى عبادة الله وحده، اهتم كثيرًا بالأمر وأمر أخًا له يدعى أنيس، أن يتحقق من الأمر ويجيء له بالقصة كاملة، وبالفعل استجاب له أخوه وسافر إلى مكة، ليعرف حقيقة الأمر، وعند وصوله قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله عن دعوته فكلمه النبي عن دين الإسلام، وإفراد العبادة لله وحده، وبعد أن سمع من رسول الله همَّ بالعودة مرة أخرى إلى قبيلته.
عند عودته وجد أخاه أبا ذر ينتظره على أحر من الجمر ليعرف أمر هذا النبي، فسأله بلهفة شديدة ما قصة هذا النبي؟ فقال له يا أخي: إن هذا الرجل يدعو الناس إلى كل ما فيه خير لهم، ويأمرهم بجميع الأخلاق الكريمة، وإن كلامه ليس بشعر ولا من قول البشر، فسأله بلهفة أشد، وما رأي الناس فيه وماذا يقولون عنه وعن دعوته؟ فأجابه أخوه أنيس قائلًا: يقول الناس عنه إنه شاعر، وكاهن، وساحر، وإنه ليس رسولًا من عند الله.
أبو ذر في ضيافة علي بن أبي طالب
شعر أبو ذر بخيبة أمل عظيمة وحَيْرة شديدة في أمر هذا الرسول، فكيف لأخيه أن يقول عنه كل تلك الصفات الجميلة، ثم يصفه قومه بكل تلك الصفات السيئة ولا يصدقون دعوته، فلم يُرح حديثُ أخيه قلبَه؛ بل وضعه أمام الكثير من الأسئلة، فقال لأخيه: والله ما شفيت لي غليلًا، ولا قضيت لي حاجة، فهل أنت كاف عيالي حتى أنطلق فأنظر في أمره؟ فأجابه أخوه: نعم، ولكنه حذر أبا ذر من أهل مكة، وقال له: إنهم يحاربون هذا الرسول الجديد ويحاولون القضاء على دعوته، وإذا علموا بأنك قد أتيت لمقابلة هذا الرسول فمن الممكن أن يقتلوك.
وبالفعل سافر أبو ذر إلى مكة لمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان خائفًا من أهل مكة أن يكتشفوا أمره ويعلموا بأنه قد أتى لمقابلة النبي الجديد فيقتلوه، ولذلك عند وصوله إلى مكة ذهب إلى الكعبة المشرفة ونام عندها، وفي أثناء نومه رآه سيدنا فدعاه إلى بيته لينام هناك، وبالفعل ذهب أبو ذر معه إلى البيت، وقد لاحظ أبو ذر أن عليًّا لم يسأله عن سبب حضوره إلى مكة، وفي اليوم الثاني ذهب أبو ذر للنوم بجانب الكعبة كما فعل بالأمس، وقد رآه عليًّا رضي الله عنه مرة أخرى وهو ينام بجانب الكعبة فعاد لدعوته لينام ببيته مرة أخرى، وظل هذا الحال لمدة ثلاثة أيام.
وفي الليلة الثالثة سأله سيدنا عن سبب مجيئه إلى مكة، فبعد أن اطمئن له أبو ذر بسبب كرمه وحسن أخلاقه، طلب منه الأمان أولًا حتى يخبره بأمره، فأعطاه سيدنا علي الأمان، فسأله أبو ذر عن الرسول الجديد وعن رأيه في دعوته، فأجابه علي بإيمان شديد: والله إنه لرسول الله، وقال لأبي ذر عندما أذهب لمقابلته فلتأتِ معي، وإن وجدت أمرًا لا يعجبك فعد إلى حيث أتيت.
أبو ذر في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحس أبو ذر براحة شديدة لكلام علي، وذهب معه للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهمَّ أبو ذر بالدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وألقى أبو ذر تحية الإسلام عليه وكأنه نوع من التصديق برسالته حتى قبل أن ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة، ودخل أبو ذر الغفاري الإسلام معلنًا الشهادة أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الرسول أمره بإخفاء إسلامه، لخوفه عليه إلا إن أبا ذر القوي الذي لم يكن يهاب شيئًا قبل إسلامه والذي أصبح أقوى بدينه وعقيدته أصر أمام رسول الله أن يعلن إسلامه أمام الجميع قائلًا لرسول الله: والله لن أبرح مكة حتى أجهر بإسلامي، فما كان من نبي الله سوى الصمت ردًا على ما قاله أبو ذر ولم يناقشه فيما قال.
وخرج أبو ذر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متجهًا إلى الكعبة ووقف أمام الحاضرين وقال بصوت جهور: يا أهل قريش أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وما أن أنهى كلامه حتى ضربه الناس قائلين لبعضهم هيا لنقتل هذا المشرك بآلهتنا وعزموا على قتله، لولا أن قام العباس رضي الله تعالى عنه عم الرسول بنجدته من بين أيديهم.
أمر الرسول أبا ذر بالعودة إلى قبيلته ومحاولة هدايتهم إلى الإسلام، وبالفعل استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى أهله وأخبر أخاه وأمه بإسلامه فهداهما الله للإسلام، وأصبح أبو ذر وأمه وأخوه يحاولون هداية أبناء القبيلة حتى استطاعوا هداية الكثير منهم.
حرصه على حضور جميع الغزوات
حرَص الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري بعد إسلامه على حضور الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بين تلك الغزوات كانت غزوة الخندق وكانت أولى غزواته، وغزوة تبوك، وغيرها، وفي غزوة تبوك كان أبو ذر لا يوجد عنده سوى ناقة واحدة، وكانت تلك الناقة من المستحيل السفر بها لشدة ضعفها ورغم ذلك كان أبو ذر حريصًا على السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كلفه الأمر، وبالفعل سافر مع النبي لكن ناقته لفظت أنفاسها في منتصف الطريق، فما كان من أبي ذر إلا أن أكمل طريقه مشيًا على الأقدام حتى ظن الصحابة أنه عاد في طريقه، ولكن النبي كان يثق بقوة إيمانه فنفى ذلك، ثم شاهدوه وهو آتٍ من بعيد سيرًا على قدميه فأخبروا النبي بذلك.
وفاته رضي الله عنه
بقي أبو ذر بجانب النبي بالمدينة المنورة، وظل دائم الملازمة له طَوال حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما توفي النبي ترك أبو ذر المدينة وعاش بالشام ومات هناك، عام 32هجريًّا، حتى إن أهل الشام بكوا أبا ذر فهو محامي الفقراء كان يحث أهل الشام على الصدقة رحمه الله ورضي عنه.