الدولة العثمانية
تعدُّ الدولة العثمانية واحدة من أعظم الإمبراطوريات التي حكمت عبر التاريخ، وهي أعظم على الإطلاق، أسسها في عام 1299م عثمان بن أرطغرل الملقب بعثمان الأول، امتدَّت الدولة العثمانية على مدار أكثر من ستة قرون، ولم تبلغ ذروة المجد والقوة والسطوة إلا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، حيثُ توسَّعت الدولة العثمانية في تلك الفترة لتشمل أراضيها مناطق واسعة من القارات القديمة الثلاث في العالم، كما فرضت سيادة اسمية على بعض من الدول والإمارات في أوروبا، وبلغ عدد الولايات فيها 29 ولاية، وسيدور الحديث في هذا المقال حول قيام الدولة العثمانية ولمحة عن تاريخها والإشارة إلى أسباب سقوط الدولة العثمانية.
تأسيس الدولة العثمانية
من الجدير بالذكر في مقال حول أسباب سقوط الدولة العثمانية أن يشار إلى تاريخ تأسيسها، فقد أسسَ عثمان الأول عام 1299م الدولة العثمانية ولذلك سُمِّيت على اسمه، وذلك خلال الحقبة التي كانت تحكم فيها الدولة السلجوقية، وقد عمل العثمانيون لصالحها، حيث قامت بدايةً على الحدود التركمانية وعملت على ردِّ غارات الإمبراطورية البيزنطية على الحدود الشمالية للدولة السلجوقية، ولم تكن الإمارة العثمانية هي الوحيدة التي تتمتع بتلك الخصائص والميزات، فقد ظهرت العديد من الإمارات حولها وخصوصًا خلال ضعف السلطة المركزية سواء للدولة السجلوقية أو وغيرها، وما إن سقطت الدولة السلجوقية حتى أعلنت مختلف الإمارات الصغيرة استقلالها، وبذلك أعلنت الإمارة العثمانية استقلالها مثل بقية الإمارات، ومع تقدُّم السنوات تمكَّنت الدولة العثمانية من ابتلاع الإمارات المجاورة لها والتي تنازعها الحكم في المنطقة، وخلال سنوات قصيرة كانت قد بسطت سيطرتها على معظم منطقة آسيا الصغرى.
لمحة عن تاريخ الدولة العثمانية
بعد أن سيطرت الدولة العثمانية على معظم مناطق آسيا الصغرى وابتعلت الإمارات حولها تمكنت في عام 1354م من العبور إلى شرق لأول مرة، واستولت على معظم أراضي وبدأت رقعة الدولة العثمانية تزداد شيئًا فشيئًا، وكانت أول دولة إسلامية تصل إلى تلك المناطق شرق أوربا وتتمركز فيها، استطاع العثمانيون في عام 1453م دخولَ القسطنطينية بقيادة السلطان العثماني الشهير محمد الفاتح، وبذلك أسقطت الإمبراطورية البيزنطية بعد أكثر من 11 قرنًا على قيامها، وقد مهدت تلك الخطوة الطريق لتوسُّع أراضي الدولة العثمانية وفرض هيبتها وقوتها على جميع دول العالم في ذلك العصر، وخلال القرن السادس عشر الميلادي والسابع عشر الميلادي كانت الدولة العثمانية قد بلغت أوجَ قوتها وذروة مجدها وعظمتها، وبلغت في تلك الآونة أقصى اتساع لها، فامتدَّت لتشمل مناطق واسعة جدًّا من القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوربا، وسيطرت بشكل كامل على كل من منطقة آسيا الصغرى وشمال أفريقيا، كما بسطت سيطرتها على مناطق واسعة الامتداد في جنوب شرق أوربا، وكانت قد بلغت 29 ولاية، كما حصلت على سيادة اسمية على بعض إمارات ودول في أوربا، وكانت الدولة العثمانية قد سيطرت على ومصر ما أدى إلى تنازل الخليفة العباسي عن الخلافة للسلاطين العثمانيين، فأصبحوا بذلك خلفاء المسلمين منذ عام 1517م، وفي فترة حكم السلطان سليمان الأول الذي لقب بالقانوني بين عامي 1520م و1566م كانت الدولة العثمانية قوة عالمية لا تضاهى، وسيطرت بشكل كامل على البحر الأسود والبحر المتوسط والأحمر والعربي والمحيط الهندي، وتعدُّ تلك الحقبة العصر الذهبي للدولة العثمانية، فبعد تلك المرحلة بدأ الضعف يدبُّ في جسد الدولة وصارت تخسر سلطتها وسيطرتها شيئًا فشيئًا.
سقوط الدولة العثمانية
بعد عام 1740م بدأ الضعف يسري في أجزاء الدولة العثمانية، وبدأت تتراجع عن ركب الحضارة بشكل كبير وملحوظ، فغرقت بعد ذلك في عقود طويلة من الخمول والركود الحضاري والفكري، وفي الوقت نفسه كانت معظم دول العالم تتقدم وتناضل وتتفوق في مختلف المجالات، وصارت الدولة العثمانية تتعرَّض بالإضافة إلى ذلك لهزائم كبيرة على مختلف جبهات القتال، وازدادت الأوضاع سوءًا في الدولة فاضطرَّ العديد من السلاطين إلى القيام بإصلاحات في مختلف الجوانب لزيادة تماسك الدولة ولكنَّ التأخر كان كبيرًا، وتحول الحكم في عهد السلطان عبد الحميد الثاني من ملكي مطلق إلى مكلي دستوري لكنَّه سرعان ما عطَّل الدستور والعمل به وعاد لنظام الحكم المطلق، ويعدُّ السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلطان فعلي للدولة العثمانية، وبعد مزيد من الهزائم والضعف تعرَّضت الدولة العثمانية لهزيمة كبيرة أمام القوى العالمية العظمى في الحرب العالمية الأولى كما تعرَّضت لهزيمة أمام القوى الداخلية الثائرة، وكان سياسيًا بعد أن عجزت عن الصمود أكثر عام 1922م، وأزيلت نهائيًا بشكل قانوني على اعتبارها دولة بعد توقيع معاهدة لوزان في عام 1923م وانتهت بذلك إلى الأبد لتقوم بعدها الدولة التركية الحديثة التي تعدُّ الوريث الشرعي لها بقيادة كمال مصطفى أتاتورك.
أسباب سقوط الدولة العثمانية
لقد بدأ انهيار الدولة العثمانية يلوح في الأفق منذ أواخر القرن الثامن عشر، وقد تراكمت الكثير من الأسباب التي أدَّت في النهاية إلى سقوطها، وسيتمُّ فيما يأتي إدراج أهم أسباب سقوط الدولة العثمانية:
- انشغال السلاطين العثمانيين بالملذات والملاهي وإهمال شؤون الدولة.
- تراجع الدولة عن ركب الحضارة والغوص في متاهات الجهل والتخلف بينما جميع الأمم تتراكض في النهوض والتطور.
- الجهل والتخلف الذي عمَّ مختلف البلدان في أنحاء الدولة العثمانية.
- كثيرة الحروب التي خاضتها الدولة والتي أنهكتها وأفلستها.
- الظلم الذي صار يتعرَّض له الناس في أنحاء الدولة ما أدى لحدوث نقمة على وظهور نزعات قومية ترفض حكم الأتراك، مثل النزعة العربية والكردية والأرمنية.
- دخول العثمانيين إلى جانب دول المحور ضدَّ القوى العظمى في العالم وتشتيت قواتها على جبهات كثيرة.
- انهزامها أمام الدول العظمى والثورات الداخلية التي خرجت ضد حكم العثمانيين.