نظام خلايا الجسم
لمعرفة أسباب نحتاج لفهم نظام عمل الخلايا وتكاثرها في الحالة الطبيعية، فالأصل أن توجد خلايا في مرحلة الاستقرار، وهي المرحلة التي تؤدي فيها الخلايا وظائفها، ويمكن أن تدخل الخلايا في مراحل أخرى حسب الحاجة، كأن تنقسم لتولد خلايا جديدة، أو تنتقل إلى مهام أكثر تعقيدا عن طريق تحولها إلى خلايا متخصصة، أو أن تدخل في مرحلة الموت المبرمج للخلايا(Apoptosis) حيث تقوم الخلايا التي انتهى عمرها الافتراضي بتسليم نفسها ليتم التخلص منها، فتحل مكانها خلايا جديدة، وكل مرحلة من هذه المراحل ذات أهمية كبيرة في انتظام وظائف الجسم، وفي حماية الجسم من السرطان.
وينتج السرطان عن بقاء والخروج عن السيطرة، فتصبح الخلايا السرطانية عالية التكاثر والانقسام دون أن يكون الجسم في حاجة لذلك، كما تفقد الخلايا السرطانية الاتصال مع الخلايا المجاورة لها، وتبني لنفسها أوعية دموية إضافية في عملية تعرف بـِ(Angiogenesis) لتحصل على قدر أكبر من الغذاء والمواد اللازمة لبناء خلايا جديدة، وتحول نظام إنتاج الطاقة لديها من نظام هوائي معتمد على الأكسجين إلى نظام غير معتمد على الأكسجين، وهذه التغيرات في طريقة عمل العمليات الحيوية داخل الخلية هي ما يجعلها تعتبر خلايا سرطانية، وليس فقط تكاثرها بشكل خارج عن السيطرة، فالأورام الحميدة أيضا تتكاثر بشكل غير منتظم، إلا أنها لا تحدث تغييرات في نظام عمل الخلايا.
وينتج هذا التكاثر الغير منضبط من حدوث طفرة جينية في خلايا الإنسان، هذه الطفرة يمكن أن تنتج من أسباب كثيرة ومختلفة، يعود الكثير منها إلى المعدلات العالية من التلوث بنواتج احتراق الوقود، والمبيدات والمنظفات الكيميائية، والأشعة الكهرومغناطيسية، وتلوث مياه الشرب، وتبني نظام حياة غير صحي في التغذية والحركة، والتعرض للفيروسات والميكروبات المختلفة.
الاختلافات بين الورم الحميد والسرطان
يعرف بأنه نمو غير منضبط للخلايا وينقسم إلى ورم حميد وورم خبيث وهو السرطان، فالورم الحميد يمتاز بأنه قابل للعلاج بالاستئصال الجراحي، وأنه لا ينتشر إلى أعضاء أخرى، ويمكن تحريكه قليلا عند لمسه، أما الورم الخبيث فيغزو الخلايا المحيطة به، وينتشر للخلايا البعيدة منه عبر الدم والأنسجة اللمفاوية، ويقاوم نظام الموت المبرمج للخلايا والذي يقوم الجسم من خلاله بالتخلص من الخلايا التي انتهى عمرها الافتراضي، ويتكاثر بمعدل سريع جداً، ويكون متحجراً، ولا يصاحب الورم الخبيث أي ألم، مما يجعل الكشف عنه أمراً صعباً.
والخلايا السرطانية تتسبب في موت الخلايا المحيطة بها، وينتج ذلك عن تحول نظام توليد الطاقة في الخلايا السرطانية إلى نظام غير هوائي، والناتج الأخير له هو حمض اللاكتيك (Lactate) بكميات كبيرة، فيحدث له انتشار للخلايا المحيطة، فعندما تمر الأوعية الدموية بهذه الخلايا وتجد بها كميات كبيرة من حمض اللاكتيك تفترض أنها خلايا تنتج طاقتها بشكل لا هوائي وأنها لا تحتاج إلى الأكسجين، فلا تمدها بالأكسجين، فتموت الخلايا نتيجة لنقص الأكسجين (hypoxia).
وتتألف الأورام الحميدة من خلايا تشبه خلايا العضو الذي توجد فيه، بينما تتألف الأورام الخبيثة من خلايا يصعب التعرف عليها، ولا تشبه خلايا العضو الذي توجد فيه، وحسب درجة تشابه الخلايا السرطانية مع الخلايا السليمة يتم تقسيم السرطان إلى درجات تبدأ بالخلايا السرطانية التي تشبه الخلايا السليمة وتتدرج إلى الدرجات الثانية والثالثة والرابعة كلما كانت الخلايا مختلفة بشكل كبير عن الخلايا السليمة.
ودائما ما يتم التأكيد على أهمية الكشف المبكر لمرض السرطان لأن المراحل الأولى من المرض قابلة للشفاء بنسبة كبيرة، أما عندما يصل المرض لمراحل متأخرة فإن علاجه يصبح أصعب.
أسباب مرض السرطان داخل الخلية
ما يحدد أن تذهب الخلايا من مرحلة الاستقرار إلى مرحلة الانقسام أو مرحلة الموت المبرمج للخلايا هو طول التلومير (Telomere) وهو إضافة توجد في أطراف الكروموسومات بالخلية، فكلما انقسمت الخلايا قصر طول التلومير إلى أن يصل إلى طول قصير فلا يعود قادراً على الانقسام فيذهب لمرحلة الموت المبرمج، ما يحدث في الخلايا السرطانية هو أن نشاط انزيم التلومريز (Telomerase) فيها عال، فكلما انقسمت الخلية يقوم بإطالة التلومير من جديد مما يجعل من المستحيل أن تذهب الخلية لمرحلة الموت المبرمج، وتظل تنقسم إلى ما لا نهاية.
وعادة ما يتم تكاثر الخلية من خلال نظام متتابع يبدأ من مستقبلات موجودة على سطح الخلية، فعندما تأتي الرسالة بواسطة الهرمونات كهرمون النمو ترتبط بالمستقبلات فتبدأ سلسلة من عمليات النقل لهذه الإشارة إلى أن تصل إلى DNA الخلية متسببا في أن تقوم الخلية بعملية الانقسام. ما يحدث في الخلايا السرطانية أن هذا التسلسل يبدأ من لا شيء، أي أنه وبدون وصول هرمون إلى المستقبل تعمل الخطوات الداخلية وحدها دون وجود محفز مرتبط بالمستقبلات الخارجية متسببة في تكاثر الخلية بشكل خارج عن التحكم.
ويحتوي جسم الإنسان على بروتينات معينة تعرف بـ(Proto-oncogene)، تتحكم بالتكاثر الطبيعي للخلايا، وعند حدوث الطفرة الجينية تتحول هذه البروتينات إلى (Oncogenes)، أي أنها تتحول من مواد تحفظ الجسم من الإصابة بالسرطان إلى مواد مسببة للسرطان، ووجد العلماء أن السرطان مرتبط أيضاً بانخفاض كبير في بروتينات أخرى تعرف بالجينات المثبطة للسرطان (Human suppressor gens).
ولذلك يرتبط السرطان كالكثير من الأمراض الأخرى بسوء التغذية، حيث يتكون الغذاء من النشويات والسكريات وتقل فيه البروتينات رغم أهميتها، فبالإضافة إلى البروتينات السابق ذكرها تعتبر البروتينات هي المكون الرئيسي للأجسام المضادة في الجهاز المناعي، والمكون الرئيسي للإنزيمات والهرمونات والكثير من المواد المهمة والحيوية بجسم الإنسان.
معلومات عن مرض السرطان
ينقسم السرطان إلى نوعين نوع جيني وراثي، ونوع مكتسب بسبب عوامل غير جينية كالتلوث والإشعاع وبعض العقاقير الطبية، وتزيد الوراثة من عامل الخطورة بمرض السرطان إلى ثلاثة أضعاف وخصوصاً في سرطانات الثدي والبروستات.
ويختلف احتمال نمو الخلايا السرطانية حسب المكان، لاختلاف كل عضو عن الآخر في الإمداد الدموي، ونوع الهرمونات التي تعمل فيه، وموقعه في الجسم، وجميعها عوامل تؤثر في سرعة نمو الخلايا السرطانية، بالإضافة إلى معدل تجدد الخلايا في العضو المعين، فخلايا الجلد والتي تتكاثر بشكل كبير أكبر عرضة للسرطان، من خلايا القلب أو والتي لا تجدد نفسها بمعدل كبير.
وتتم اختبارات السرطان على فئران التجارب، ويحظر إجراؤها في الإنسان لخطورتها، سواء كانت هذه الدراسات مهتمة بتحديد ما إذا كانت مادة معينة مسببة للسرطان أم لا، أو كانت تهدف لاختبار دواء معين وفعاليته في علاج السرطان.
ورغم التطورات الحديثة في الكشف عن مرض السرطان وتقنيات علاجه ما يزال مرض السرطان يمثل مشكلة عالمية، حيث يعتبر السرطان سبباً في ما يقرب من 25% من حالات الوفيات حول العالم.