الإنترنت والمجتمع
غدا شيئًا أساسًا في حياة الأفراد والمجتمعات وفي المجالات العملية والمهنية المختلفة، ولم يعد بالإمكان الاستغناء عنه أو تخيل كيف سيبدو العالم بدونه. هذا الوجود الطاغي للإنترنت في جوانب الحياة المختلفة حوَّله إلى سلاح ذي حدين يمتلك من والمزايا تمامًا كما يمتلك من الأضرار والسلبيات.
إذ على الرغم من المزايا كلها التي يمتلكها، وأنه واحد من أفضل الاختراعات التي عرفتها البشرية حتى اليوم، وبمقدار ما وفرته هذه التقنية على صعيد التواصل ونشر المعارف والعلوم ونقلها بين المجتمعات المختلفة؛ إلا إن هذا لا يقلل من أضرار الإنترنت وتأثيراته السلبية على المجتمعات والأفراد، وما تسبب به من أزمات ومشاكل لم تكن موجودة من قبل.
أضرار الإنترنت
الجريمة والابتزاز
غدا مكانًا مناسبًا للجريمة، وظهر ما بات يعرف بالجريمة الإلكترونية، وهو الشيء الذي توافر مع ازدياد اعتماد الناس على الإنترنت وكثرة المتلصصين ومتصيدي المعلومات لأغراض وغايات عدة مثل الابتزاز والمضايقة وغير ذلك من الطرق التي تمكن هؤلاء من استخدام معلومات الأشخاص بطرق غير مشروعة، هذا بالإضافة إلى إنه (أي الإنترنت) وفّر للمجرمين حماية وغطاء لهم طالما تمكنوا من ممارسة أعمالهم الإجرامية تلك بالخفاء ودون قدرة أحد على تحديد هُويتهم.
الاستغلال والتحرش
مع توافر الإنترنت وسهولة استخدام الجميع له، كان من الطبيعي أن تكثر عمليات الاستغلال والتحرش وسوء استخدام الكثيرين لهذه التِّقْنية، فغدا من السهل الإساءة للطرف الآخر والتواصل معه واستغلاله بعدة طرق سواء استغلال الأطفال، أو استغلال الجنس الآخر، أو التحرش، وغيره من الأمور التي أسهم الإنترنت في تناميها وظهورها، خاصة مع تمكن الفاعل من التخفي وبالتالي التهرب من فعلته؛ إذ يمكن للشخص اليوم انتحال شخصية فرد آخر والتواصل مع الناس بناءً على ذلك.
الإدمان وهدر الوقت
على اختلافها وألعاب الإنترنت وملحقاته كلها مصممة لجذب انتباه الفرد لأكبر قدر ممكن من الوقت؛ الأمر الذي قد يصل حد التعلق والإدمان التام؛ وما ينتج عن ذلك من هدر ومضيعة للوقت دون أي فائدة تذكر من ذلك.
من السهل أن يقضي أحدهم وقتًا طويلًا في تصفح أي من مِنّصات التواصل الاجتماعي دون أن يشعر بمقدار ما استهلك من وقت بذلك. وينتج عن هذا كثرة التشتت وضعف الانتباه وعدم القدرة على التركيز في المهام أو الأعمال.
الاضطرابات الصحية
الاضطرابات الصحية من أبرز أضرار الإنترنت وسلبياته؛ إذ بالإضافة إلى حالة الكسل والجمود وقلة الحركة التي تنتج عن قضاء المزيد من الوقت على الأجهزة الإلكترونية، فإن الاعتماد على الإنترنت يدفع بالشخص إلى نمط حياة غير صحي إلى جانب مشاكل في العمود الفقري نتيجة الجلوس لفترات طويلة أمام الأجهزة وبوضعيات غير صحية، ومشاكل وإجهاد للعينين، وصداع وآلام في الرقبة والكتفين، وحتى زيادة الوزن نتيجة قلة الحركة.
الاضطرابات النفسية
يؤدي الاستخدام المفرط للإنترنت إلى اضطرابات نفسية كما الاضطرابات الصحية، وتشمل الاضطرابات النفسية الانطواء والعزلة و وعدم القدرة على التركيز، بالإضافة إلى التغييرات التي تلحق بالفرد على الصعيد الفكري والمعرفي والثقافي والذاتي ونظرته إلى الأمور من حوله.
وهذا يحصل بفعل التأثيرات العديدة التي يتعرض لها مدمنو الإنترنت وما يطلعون عليه في الشبكة من آراء ومعارف وتجارب للآخرين. الأمر الذي يؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى رؤية الحياة من حولهم بطريقة سلبية، واعتزال الآخرين وتجنب التفاعل مع المجتمع من حولهم.
نفقات إضافية
ولا يقصد هنا نفقات الإنترنت والذي أصبح ذا تكاليف بسيطة بل وشبه مجانية في العديد من الدول؛ بل المقصد القدرة على الشراء دون الحاجة إلى النزول إلى الأسواق؛ الأمر الذي يدفع بالكثيرين لشراء الكثير وحتى دون حاجة لذلك، وبالتالي مزيد من النفقات.
هذا بالإضافة إلى الحملات التسويقية الكبيرة التي تجري على الإنترنت والتي تكون بهدف التأثير على المستهلك ودفعه للشراء بغض النظر عن حاجته، وهذا يتم عبر تعريض المستخدمين لفيض من الإعلانات ومن ثم حثهم على الشراء سواء عبر الإنترنت أو على الواقع.
المحتوى السيئ
المحتوى السيئ هو شيء آخر فيما يخص أضرار الإنترنت، والذي يمكن أن يكون عبر العديد من الأشكال كالفيديوهات والمقالات والنصوص ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تكون لأغراض وغايات مختلفة منها بهدف التأثير على آراء الجمهور وتوجهاتهم، أو بهدف الاستغلال، ومنها مواد إباحية بهدف التأثير النفسي على الأفراد وتخريب الأخلاق الإنسانية والإضرار بالمجتمعات والروابط الأسرية فيها.
تقليل إنتاجية الفرد والمجتمع
استهلاك الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت وتطبيقاته والألعاب المرتبطة به؛ حيث يؤثر هذا في الجوانب الأخرى من حياة الفرد؛ ويحد من إنتاجيته على الصعيد المهني والعملي، وهذا بالتالي يحد من إنتاجية المجتمع ككل.
وعلى الرغم من أن هذا لا يبدو ظاهرًا بوضوح؛ إلا إن العديد من التقارير والبحوث التي ناقشت هذا الموضوع كانت قد أشارت إلى ذلك وبوضوح، وتحدثت عن أضرار الإنترنت من هذه الزاوية.
الحد من التأثيرات السلبية للإنترنت
على الرغم من كل ما ذكر أعلاه إلا إن هذا لا يعني أن الإنترنت شر مطلق، فمثل كل شيء للإنترنت سلبيات وإيجابيات، هذا عدا عن أنه صار جزءًا أساسًا من حياة الأفراد والمجتمعات، ولا يمكن الاستغناء عنه بأي شكل كان، بل والعديد من المجالات المهنية والعملية اليوم صارت تعتمد على الإنترنت بشكل رئيسٍ في تنفيذ المهام والمسؤوليات، وبدونه لا يمكن إنجاز الكثير من الأعمال.
لذلك الحماية من أضرار الإنترنت والحد من تأثيراته السلبية في الأفراد والمجتمع لا يكون بالابتعاد عن الإنترنت بقدر ما يكون في استخدامه بالطريقة المثلى التي تحقق النفع والفائدة منه، وتحد من أضرار الإنترنت التي ذكرت هنا. ويمكن أن يكون ذلك عبر العديد من الأساليب مثل تجنب المبالغة في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتجنب نشر الكثير من المعلومات والأمور الشخصية على الإنترنت، وتقنين استخدام الإنترنت للكبار والصغار، فيمكن إتاحته مثلًا فقط في أوقات محددة، والحذر من أي شخصيات مشبوهة وتجنب التعامل مع الغرباء أو الوثوق بهم في العالم الافتراضي، وطبعًا هذا على الصعيد الشخصي.
لا بد أيضًا من الجهات والهيئات الرسمية في المجتمعات أن تتولى مسؤوليتها تجاه هذا الأمر، ويكون ذلك عبر العديد من الأشكال مثل نشر التوعية بمخاطر الإنترنت وطرق التعامل معها، واستحداث هيئات مراقبة ومتابعة للجرائم الإلكترونية بمختلف أشكالها، وتعزيز مفاهيم الخصوصية، وحفظ المعلومات الشخصية آمنة عند استخدام الإنترنت وتطبيقاته، وتوفير بيئة افتراضية آمنة يمكن للأفراد من خلالها استخدام الإنترنت بطرق أكثر كفاءة وفاعلية بعيدًا عن المخاطر.