الحيتان هي مجموعة من الثدييات البحرية المتنوِّعة والمنتشرة حول العالم، تكيَّفت أجسادها بالكامل للحياة تحت سطح .
تُصنَّف الحيتان ضمن مجموعة واحدة مع الدلافين وخنازير البحر، وأقرب الحيوانات الحيَّة الآن إلى هذه المجموعة هي أفراس النهر. تعيش الحيتان في معظم بحار ومحيطاتها، وتتراوح أحجامها بدرجةٍ كبيرة، وتشتهر بعضها بضخامتها الهائلة؛ إذ إن أحد أنواعها (وهو الحوت الأزرق) قد يصل طوله إلى ثلاثين مترًا ووزنه إلى أكثر من مئة طن، بينما حوت العنبر القزم يبلغ طوله مترين ونصف فقط.
أنواع الحيتان
تُصنَّف الحيتان إلى مجموعتين أساسيَّتين، هما: الحيتان البالينية والمُسنَّنة.
تتغذَّى الحيتان البالينية بتصفية مياه البحر بأسنانٍ عملاقة قادرة على الإمساك بالعوالق والكائنات الضئيلة التي تعيش في مياه المحيط. أما الحيتان المُسنَّنة فهي مفترسات شرسة تصطاد الكائنات البحرية المختلفة؛ فهي تقتات على والحبَّار والرخويات الأخرى. وللحيتان المُسنَّنة حاسَّة سمعٍ قوية تعمل بكفاءة فوق الماء وتحته، بينما للحيتان البالينية حاسة شمٍّ قوية؛ إذ يُشكِّل رأسها ما قد يصل إلى 40% من حجم جسدها.
هناك الكثير من أنواع الحيتان المنقرضة التي عاشت في الأزمنة القديمة، بالإضافة إلى عشرات الأنواع الموجودة حاليًّا. وتُصنَّف الحيتان الحديثة إلى 88 نوعًا تنقسم إلى 14 فصيلة، منها ثمانية فصائل للحيتان (والأخرى للدلافين وخنازير البحر)، وهي فصيلة البالينيات والحيتان القزمة والحيتان الرمادية وكركدن البحر وحيتان العنبر والحيتان المنقارية.
الحوت الأزرق
الحوت الأزرق هو أكبر أنواع الحيتان المعروفة وأكبر حيوانٍ معروف عاش على وجه الأرض على مرِّ العصور. يبلغ طوله نحو ثلاثين مترًا، وأقصى وزن مُسجَّل له 173 طنًّا. وللحوت الأزرق جسدٌ طويل نحيل نسبيًّا، وجلده يتراوح بين اللونين الرمادي والأزرق. يتغذَّى الحوت الأزرق بتصفية ملايين العوالق والكائنات الدقيقة من المياه والتقاطها بأسنانه، وربَّما يلتهم الحوت الواحد ما يصل إلى 3,600 كيلوغرامٍ من الكريل في اليوم الواحد.
كانت الحيتان الزرقاء تعيش بكثرةٍ في جميع محيطات الأرض تقريبًا حتى بداية القرن العشرين، ولكن صيادي الحيتان استهدفوا هذه الكائنات إلى درجةٍ تكاد تصل إلى التسبب في انقراضها، إلى أن حصلت على حماية دولية في عام 1966.
وقدَّرت دراسة نُشِرت في سنة 2002 أن عدد الحيتان الزرقاء المتقية في أنحاء العالم يبلغ ما بين 5,000 إلى 12,000 حوت، وقد يكون عددها ارتفع الآن إلى أكثر من عشرين ألفًا، ولكن قبل بدء صيدها المُكثَّف كان يعيش في المحيط الأطلسي وحده أكثر من ربع مليون حوتٍ أزرق.
الحوت الأحدب
الحوت الأحدب هو نوع من الحيتان البالينية التي تتغذى على عوالق البحر. وهو يُعدُّ من الحيتان كبيرة الحجم، إذ يتراوح طول البالغ منه بين 12 إلى 16 مترًا، ويزن ما بين 25 إلى 30 طنًّا.
يشتهر هذا الحوت بالاستعراضات التي يؤديها عند خروجه من تحت سطح الماء للتنفُّس، مما يجعله كثير الشعبية بين مراقبي الحيتان، كما أنَّ ذكوره تُصدِر أصواتًا وأغاني مُعقَّدة قد تستمرُّ لفتراتٍ تتراوح بين عشر دقائق إلى 20 دقيقة، والتي تتكرَّر لساعاتٍ طويلة، والهدف منها لا يزال غير معروفٍ للعلماء.
يمتاز الحوت الأحدب بشكل جسده المُميَّز؛ إذ إنَّ له زعانف طويلة وانتفاخًا في ظهره يُشبِه السنام وجلدًا أسود تسهُل ملاحظته.
حوت العنبر
حوت العنبر هو أكبرُ أنواع الحيتان المُسنَّنة المفترسة في العالم، وكذلك أكبر حيوانٍ مفترس على وجه الأرض، وهو النوع الوحيد في مجموعته.
يعيش حوت العنبر في المحيطات بجميع أنحاء العالم، ويهاجر موسميًّا بحثًا عن الغذاء وسعيًا إلى التزاوج. وثمة القليل من الحيوانات في الطبيعة القادرة على قتل حوت عنبر ذكر بالغ، إلا أنَّ الحيتان القاتلة تستهدفُ صغاره عادةً.
يبلغ متوسط طول الذكر البالغ 16 مترًا، وقد يصل إلى أكثر من 20 مترًا، وثلث هذا الطول الهائل هو لرأس الحوت وحده.
يُعدُّ حوت العنبر الثاني بين جميع أنواع الثدييات من ناحية العمق الذي يصل إليه عند الغطس؛ فهو قد يتغذَّى على مسافة 2,250 مترًا تحت سطح الماء، حيث يستعمل الصدى وارتدادات الصوت للعثور على طرائده، التي يُعتقَد أن أحدها هو الحبَّار العملاق. ولهذا الحوت أكبر دماغٍ بين جميع الحيوانات المعروفة على الأرض، إذ يزن خمسة أضعاف . ويمكن لهذه الحيتان أن تعيش لأكثر من 60 عامًا.
حياة الحيتان
الحيتان هي ثدييات مائية ليست لها خياشيم بل رئتان مثل الإنسان، ومن ثمَّ لا يمكنها تنفُّس الأكسجين سوى من الطلق، ولتحقيق هذا فإنَّ الحيتان تخرج من سطح الماء بانتظامٍ للتنفُّس، ومن ثم تحبس نفسَها لأوقاتٍ طويلة؛ إذيستطيع حوت العنبر البقاء تحت الماء لساعةٍ ونصف تقريبًا، إلا أن معظم الأنواع لا تحبس نفسَها لأكثر من ساعة. وللحيتان فتحة تنفُّسٍ على قمَّة رأسها تستخدمها لنفثِ الهواء (الزفير) عند الصعود إلى سطح الماء.
الحوت -مثل بقية الثدييات- حيوان ذو دمٍ حارّ، أي أنه يستطيع الحفاظ على حرارة جسده داخليًّا. وللحوت طبقة كثيفة من الدهون لحمايته من تقلُّبات الطقس، وله زعنفتان جانبيتان يمكنه دفع الماء بهما للسباحة بسرعة عشرين عقدة، إلا أن الحيتان تبقى غير مرنة الحركة بقدر الفقمات وأمثالها. وتنتج الحيتان فئةً كبيرة جدًّا من الأصوات التي تستعملها للتواصل فيما بينها.
تنتشر الحيتان في جميع أنحاء العالم تقريبًا، إلا أن معظم أنواعها تفضل المياه الباردة حول القطبين الشمالي والجنوبي، وهي تسافر إلى منطقة خطِّ الاستواء بين الحين والآخر لتلد صغارها في المياه دافئة. وتستطيع الحيتان الزرقاء والحَدْباء أن تسافر لآلاف الكيلومترات (عند حاجتها إلى الولادة خصوصًا) دون الحصول على أي طعام. وعادةً ما يتزاوج ذكر الحوت مع إناثٍ كثيرة في كل عام، بينما لا تتزاوج الإناث سوى مرَّة واحدة كل سنتين أو ثلاث سنوات. تُولَد صغار الحيتان في الربيع أو الصيف، وتبقى مع أمها لفترة سنةٍ أو سنتين حتى تصبح قادرةً على الحياة اعتمادًا على ذاتها.