أبرز علماء الفيزياء
علم الفيزياء أو علم الطبيعة، بمنظورٍ ما يمكن اعتباره حجر الأساس الذي تُبنى عليه العلوم الطبيعية الأخرى، ليس فقط لأنه العلم الذي يبحث عن فهم الكون بعمقٍ وبأكثر الصور تجريدًا، إنما أيضًا لأنَّ التقدم في علم الفيزياء ينعكس إيجابًا على جميع العلوم الأخرى، ويسهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في تطوُّر جميع العلوم النظرية والتطبيقية.
بحسب ذلك، يمكن القول إن أبرز هم الذين يسهمون في تطوُّر علم الفيزياء بما ينعكس بشكلٍ كبير على العلوم الأخرى، ومن ثمَّ على الفهم النظري للكون والتطبيقات الحياتية الناتجة من هذا الفهم.
فيما يلي، أربعة من أبرز علماء الفيزياء، مُرتَّبين وفقًا لتاريخ ولادتهم من الأقدم إلى الأحدث.
إسحاق نيوتن
فضلًا عن كونه أحد أشهر العلماء، يُعدُّ نيوتن من أبرز علماء الفيزياء وأكثرهم تأثيرًا على الإطلاق.
وُلِد نيوتن بشرق إنجلترا في مقاطعة لينكونشاير عام 1642. درس في كلية الثالوث بجامعة كامبردج أعمال الفلاسفة السابقين، مثل أرسطو وديكارت، كما تعلَّم الرياضيات والفلسفة الطبيعية (الفيزياء حاليًّا).
قدَّم نيوتن إسهامات عديدة شديدة الأهمية في الفيزياء، مثل قانون الجذب العام وقوانين الحركة، كما ابتكر حساب التفاضل والتكامل المستخدم في جميع المجالات العلمية الحديثة، وهو من الأهمية التي جعلت البعض يعدونه أساس العلوم الحديثة، وهو ما زال يُدرَّس (التفاضل والتكامل) في الجامعات حتى العصر الحالي، جنبًا إلى جنب مع الفيزياء الكلاسيكية التي وضع نيوتن لبناتها الأولى، والتي يُطلَق عليها اسم “ميكانكيا نيوتن”، وهي ما زالت تُستخدَم حتى الآن في تطبيقات كثيرة ومتنوعة، مثل إطلاق الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة.
عمومًا، يمكن اعتبار إسهامات نيوتن في الفيزياء إسهاماتٍ ثورية؛ إذ إنها أحدثت ثورةً علمية حقيقية في مجال الفيزياء، من خلال إعادة النظر إلى الظواهر الطبيعية باعتبارها قوانين علمية وحوداث حتمية متصلة تخضع لقواعد محددة، بدلًا من اعتبارها ظواهر اعتباطية منفصلة تُؤوَّل بأشكال وقواعد مختلفة وتُفسَّر باستخدام مفاهيم مغلوطة أو أو غير قابلة الإثبات.
أدَّت إسهامات نيوتن إلى إعادة تكوين رؤية العلماء للكون وحثَّتهم على اتخاذ نهج مماثل باعتبار أن الكون يمكن تفسيره بشكلٍ رياضي أو حتمي وموضوعي؛ فسعى الكثير من العلماء إلى اتخاذ رؤية نيوتن للكون وتطبيقها على علوم أخرى. يُقاس على ذلك، مثلًا، إسهامات كلٍّ من تشارلز داروين في علم الأحياء، وإيمانويل كانط في الفلسفة.
جيمس كلارك ماكسويل
فيزيائي إسكتلندي وُلِد في مدينة إدنبرة عام 1831. يعده الفيزيائيون من أبرز في مرتبةٍ لا تقل عن نيوتن وأينشتاين، كما يُعدُّ فيزيائي القرن التاسع عشر لأهمية إسهاماته في علم الفيزياء وعمقها.
اشتهر ماكسويل بمعادلاته الأربع المعروفة باسم “معادلات ماكسويل”، التي أمكن من خلالها فهم طبيعة الكهرباء والمغناطيسية بشكلٍ واضح وعميق، بالإضافة إلى حساب سرعة الضوء والموجات الكهرومغناطيسية عمومًا في الأوساط المختلفة (مثل الماء والهواء والفراغ)، فضلًا عن أهميتها البالغة في فهم القوى الفيزيائية وتوحيدها.
كما أنتج فهم معادلات ماكسويل تطبيقات عديدة؛ فهي تُعدُّ اللبنة الأساسية في الهندسة الكهربائية، والأساس النظري لمجال الاتصالات اللاسلكية. ولذلك تُدرَّس حتى العصر الحالي في الجامعات والكليات العلمية، خصوصًا في كليات الهندسة والفيزياء.
إن أهمية نظريات ماكسويل في الكهرباء والمغناطيسية ومعادلاته تكمن في توضيح طبيعة القوتين وتفسيرها وإثبات مدى تقاربهما، إلى درجة تنتج فكرة توحيد القوتين في قوة واحدة تُسمَّى الكهرومغناطيسية. تتضح أهمية ذلك بشكلٍ أفضل عند معرفة أن الفيزيائيين يعتقدون أن عدد القوى الموجود في الطبيعة يساوي أربعة، وهي قوة الجاذبية، والقوة النووية القوية، والقوى النووية الضعيفة، والكهرومغناطيسية. أي إن إسهامات ماكسويل ثورية لكونها تُقدِّم فهمًا نظريًّا محكمًا لأحد القوى الفيزيائية الأربعة.
من جهة أخرى، يمكن القول أن جلَّ أعمال نيوتن هي عمله على قوة الجاذبية، وقد عُدِّل عمله على يد العالم ألبرت أينشتاين، بينما أهم أعمال ماكسويل هي توحيده للقوتين الكهربائية والمغناطيسية في قوة واحدة (الكهرومغناطيسية) ووضع الأساس النظري لها، ولم يُعدَّل على فهمه لطبيعة القوة الكهرومغناطيسية كما حدث مع نيوتن، بل إن معادلاته ساعدت أينشتاين في النظرية النسبية الخاصة.
يُذكَر أن أينشتاين كان يضع صورة ماكسويل على أحد جدران غرفته، إعجابًا بعمله وتوقيرًا له.
ماكس بلانك
فيزيائي ألماني، وُلِد بشمال ألمانيا في مدينة كيل عام 1858.
من الصعب نسبيًّا اعتبار اسهامات بلانك في الفيزياء ذات أهمية كبيرة مماثلة لأهمية إسهامات نيوتن وماكسويل وأينشتاين، وذلك لعدم شمولها وكمالها مثل إسهاماتهم. لكن مع ذلك، تُعدُّ شديدة الأهمية كونها الشرارة الأولى لإطلاق نظرية الكم أو ميكانيكا الكم التي تُعدُّ أحد أهم الفروع العلمية على الإطلاق، بل وإطلاق الفيزياء الحديثة بالكامل عدا فيزياء النسبية.
تمكَّن بلانك من خلال فروضه الأساسية، التي بُنِيت عليها نظرية الكم، من حل عدد من الظواهر وتفسيرها، والتي لا يمكن تفسيرها بواسطة الفيزياء الكلاسيكية، مثل إشعاع الجسم الأسود، والمشكلة الناتجة من الفهم الشائع في زمانه لطبيعة الموجات والطاقة، والتي أدت إلى ظهور مشكلة أُطلِق عليها اسم “الكارثة فوق البنفسجية”. كما تمكَّن علماء آخرون من تفسير ظواهر أخرى بالاعتماد على فروضه ونظريته الكمية؛ مثل تفسير ألبرت أينشتاين لظاهرة التأثير الكهروضوئي الذي حاز عبره جائزة نوبل، وتفسير نيلز بور للطيف الخطي في ذرات الهيدروجين. كما تُنسَب إلى بلانك عدة ثوابت فيزيائية مهمة، مثل ثابت بلانك وزمن بلانك.
حصل بلانك على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1918 عن إسهاماته في الفيزياء عمومًا، ونظريته الكمية خصوصًا.
وبالنظر إلى الأعمال المبنية على إسهامات بلانك في الفيزياء، خصوصًا إنجاز القرن العشرين الأكثر أهمية (ميكانيكا الكم)، لا يمكن الشك أو التردد في اعتبار ماكس بلانك أحد أبرز علماء الفيزياء في القرن العشرين.
ألبرت أينشتاين
أحد أنبغ العلماء على مرِّ العصور، وأحد أبرز علماء الفيزياء، ويعده البعض العالم الفيزيائي الأبرز على الإطلاق.
وُلِد أينشتاين في مدينة أولم الألمانية عام 1879. وفي السادسة والعشرين من عمره أنهى رسالة الدكتوراه ونشر ثلاث أوراق بحثية أخرى، تضمنت إحداهم النظرية النسبية الخاصة، وتضمنت ورقة أخرى تفسير التأثير الكهروضوئي، نال عنها جائزة نوبل عام 1921، وورقة بحثية عن الحركة البراونية.
وبعد عشرة سنوات تقريبًا، نشر أينشتاين نظريته النسبية العامة، ليُغيِّر بذلك الفهم الأكثر أساسيةً ورسوخًا في الفيزياء أو الحدس العام عن طبيعة الزمان والمكان، وينتقل به إلى فهم أكثر عمقًا وشمولًا من أي فهم فيزيائي آخر.
ولا تقتصر إسهامات أينشتاين على نظرية النسبية فقط، بل قدَّم أيضًا إسهامات عديدة مهمة في فيزياء الكم، وفيزياء الطاقة العالية، وفي جميع فروع الفيزياء تقريبًا، بعدد أبحاث يصل إلى 300 بحث.
إن اسهامات أينشتاين في الفيزياء النظرية والفيزياء الحديثة بالغة الأهمية، ومدى عمقها جعلها مهمةً كذلك على المستوى التطبيقي؛ إذ أنها الأساس النظري لتطبيقات مؤثِّرة مثل المفاعلات وإمكانية تحويل الكتلة البسيطة إلى طاقة هائلة، وتتعدى ذلك إلى التطبيقات الممكنة في المستقبل البعيد مثل السفر بسرعاتٍ عالية؛ بالإضافة إلى أهميتها في صياغة النظرية النهائية أو النظرية الفيزيائية المُوحَّدة. كما تتعدى حدود الفيزياء لتكون ذات أهمية كبيرة في التفكير الفلسفي و العلوم وعدة مجالات علمية أخرى.