اركان الوضوء

الوضوء

للطهارةِ أهميةٌ كبيرةٌ في الإسلام، سواء كانت طهارةً حقيقةً؛ كطهارة البدنِ والثوب، أم كانت طهارةً حكمية، وهي طهارةُ أعضاء الوضوءِ من الحدث، وقد جاء الاهتمامُ بالطهارةِ الحُكمية، لكونها دائمٌ لصحة الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليومِ والليلة، وبما أن الصلاة فريضةُ يؤديها المسلم بين يدي الله تعالى، فأداؤها بالطهارة تعظيمٌ لله وتبجيلٌ لعِظَمِ منزلة وقوف العبد بين يديه جلّ جلاله.

والطهارةُ الحُكميَّةُ تكونُ بالوضوء والغُسلِ والتّيمُّم، والذي يوجب الوضوء هو الحدث الأصغر، وما يوجبُ الغسل هو الحدثُ الأكبر، وأما التيممُ فهو بديلٌ عن الغُسل والوضوء، وأما ما سيأتي تفصيله في هذا المقال فهو الوضوء حيث أنه شريعةٌ مقصودةٌ للصلاة، فحكمهُ حكمُ الصلاة؛ أي أنه فرضٌ على المسلمين، ودليل ذلك ما جاء في قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).سورة المائدة، آية رقم، 6. ، وشرع الوضوء بمكة، ونزلت آيته في المدينة.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/359.

تعريف الوضوء

يُمكن بيان معنى الوضوء من خلال التعريفات والمصطلحات التالية:

  1. الوضوءُ لُغَةَ: وهو مأخوذٌ من الوَضاءة، وهي: الحُسن، والبَهجة، والنَّظافة، والوُضوء بالضمِّ: فِعل الوُضوء، وبالفَتْح: الماء المُعَدُّ للوضوء أي ماء الوضوء المُخصَّصِ له.ابن منظور، لسان العرب، 1/194.
  2. الوُضوءْ اصطلاحاً: هو غَسلُ أعضاءِ مخصوصةٍ من الجسم، بكيفيةٍ وصفةٍ مخصوصةٍ، بقصد التقرُّب لله سبحانه وتعالى.ابن عثيمين، الشرحُ الممتع على زادِ المستنقع، 1/183.

أركان الوضوء

والركنُ هو ما يكونُ ضمنَ ماهيةِ الشيء، فأركان هي ما لا يصح الوضوء بدونها، وتنقسم الأركان بين الفقهاء إلى قسمين، أحدهما متفقٌ عليه؛ وهي أربعةُ أركان وهو ما نصت عليه آية الوضوء، أما القسم الثاني فمختلفٌ فيها، وفيما يلي تفصيلُ ذلك:

قد يهمك هذا المقال:   أولو العزم من الرسل

أركان متفق عليها بين الفقهاء

أركان الوضوء المتَّفق عليها بين الفقهاء أربعةٌ، وهي:وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/366.

  1. غسل الوجه: وهو ركنٌ متفقٌ عليه كما أنّه ثابتٌ بنص الآية الكريمة الواردة في كتاب الله، والمقصود بغسل الوجه؛ إسالةُ الماءِ على الوجه، بحيث يتقاطر منه الماء، وحدود الوجه طولاً ما بين منابت شعر الرأس إلى آخر الذقن، وحدود الوجه عرضاً هو ما بين شحمتي الأذن.
  2. غَسلُ اليدين إلى المرفقين: وذلك لوروده في آية الوضوء، وللإجماعِ على كونه ركناً، والمرفق ملتقى عظم العضد والذراع، ويجبُ إدخال المرفقين في الغَسل لأن حرف “إلى” في الآية الكريمة، يُفيد انتهاء الغاية، ولأن المتعارف عليه أن اليد تشمل الكف إلى الذراع، ولكن حدَّدها الله تعالى بالمرفق فأسقط ما ورائها، وقد جاء في صفةِ وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه غسل مرفقيه في الوضوء، كما يجب إزالة ما يحول دون غسل اليدين ويمنع وصول الماء إلى الأظافر كالطلاء، ويُسن تخليل ما بين الأصابع، وتكرارُ الغسل أيضاً سنة.
  3. مسحُ الرأس: والمقصود بالمسح هو إمرار اليد المبتلة على الرأس، ابتداءً من منبت الشعر المعتاد من المقدمة فوق الجبهة إلى نقرة القفا، وهذا ما يُقصدُ بالرأس، وقد اختلفَ الفقهاء في القدر المجزئِ من المسح، فقال الحنفيةُ: الواجب مسح رُبع الرأس مرة، بمقدار الناصية، وأما المالكيةُ والحنابلة: فالراجح عندهم هو وجوب مسح جميع الرأس، وقال الشافعية: الواجب مسح بعض الرأس، ولو شعرةً واحدةً منه في حدِّ الرأس، ومسح الرأس لا يكون إلا مرةً واحدةً.
  4. غسل الرجلين إلى الكعبين: ويُقصدُ بالكعبين، العظمان البارزان من الجانبين عند مفصل القدم، ويجبُ غسل الكعبين مع الرجلين، ولا يُجزئُ المسح على القدمين في الوضوء بل يجب الغسل، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم بتخليل أصابع القدمين والرجلين، بالماء، وتكرار الغسل هنا سُنة.

أركان مُختلف فيها بين الفقهاء

للوضوء أركانٌ أخرى اختلف حولها العلماء، وهي:وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/366.

  1. النية: والنيةُ هي عملٌ قلبيٌّ محض، فلا علاقةَ للسان به، ومحلُّها القلب، ويقصد بها هنا أن ينوي المتطهر، رفع الحدث، أو أداء الفرض، أو أن يستبيح ما تجب له الطهارة، واختلفَ الفقهاء في اشتراط النية، فذهب الحنفية إلى القول بعدم وجوبها وإنما يرون أنه يُسن ذلك للمتوضئ للحصول على الأجر والثواب، ويترتبُ على قولهم بعدم فرضيةِ النية، صحة وضوء المنغمس بالماء للسباحة، أو للنظافة وكذلك صحة وضوء المُتبرِّد وغيره، واستدلوا على قولهم بعدم ورودها في الآية، وقياساً على سائر أنواع الطهارة وقياسها على شروط الصلاة الأخرى فكما أن ستر العورة لا يوجب النية فالوضوء لا يوجب ذلك، ولأن الوضوء ليس مقصوداً لذاته بل هو وسيلةٌ للصلاة، والنيةُ شرطٌ في المقاصد لا في الوسائل. وقال المالكية والشافعية: النية فرضٌ في الوضوء، أما الحنابلة فقالوا: بأنها شرطٌ للوضوء، ويترتب على قولهم بذلك؛ عدم صحة الصلاة بالوضوء لغير العبادة، واستدلوا على قولهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)البخاري، صحيح البخاري، 1. فالعمل الذي يُعتد به شرعاً يحتاجُ للنبة، وأن النية تُحقِقُ الإخلاص بالعبادة، والوضوء عبادةٌ يجب إخلاص النية فيه لله تعالى لأن الإخلاص مكانه القلب وهو النية، واستدلوا أيضاً بقياس النية في الوضوء كاشتراطها في الصلاة وكما تشترط بالتيمم فهي شرطٌ للوضوء، ولأن الوضوء وسيلةٌ للمقصود الذي هو الصلاة، فحكمه كحكم المقصود، واجبٌ عند القيام للصلاة، من أجل ، فكان المطلوب غسل الأعضاء للصلاة وهو معنى النية، وما ينتهي إليه القول أن العلماء متفقين على وجوب النية في التيمم، واختلفوا في وجوبها في الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر على القولين السابق ذكرهما.
  2. الترتيب: وهو غسلُ الأعضاء، واحداً بعد الآخر كما جاء في الآية الكريمة، واختلف الفقهاء في وجوبها على قولين: فقال الحنفية والمالكية: أنه سُنّةٌ مؤكدة، ودليلهم بأن النص القرآني الوارد في تعداد ، استخدم حرف الواو في عطف المفروضات وهي تفيد الجمع وليس الترتيب، واستدلوا على ذلك أيضاً بآثار مرويةٍ عن علي وابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهم- مفادها عدم الترتيب، وقال الشافعية والحنابلة: الترتيب فرضٌ في الوضوء لا في الغُسل، واستدلوا بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله: (ابدؤوا بما بدأ الله به)مسلم، صحيح مسلم، 1218، ابن ماجه، 3074، أبو داود، 1905.، ولأن في آية الوضوء دلالةٌ على أنه أُريد بالآية الترتيب، فذُكر ممسوحاً بين مغسولات، والعرب لا تُفرِّق بين المتجانسين إلا لفائدة، وهي الترتيب، ولأن الآية بيان للوضوء الواجب، ولم يذكر فيها شيء من السنن، وقياساً على الترتيب الواجب في أركان الصلاة.
  3. الموالاة: هي متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها فاصل، فقال الحنفية والشافعية: أن الموالاة سنة، واستدلوا على ذلك بفعل النبي وبحديثٍ روي عنه -صلى الله عليه وسلم- :(إنه -عليه السلام- توضأ في السوق، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، فدُعي إلى جنازة، فأتى المسجد يمسح على خفيه وصلى عليها)النووي، المجموع، 1/455. وبما صَحَّ عن ابن عمر أنه فرَّق بينهما، وقال المالكية والحنابلة: المُوالاة في الوضوء فرض، بدليل (إنه صلّى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لُمْعة (بقعة) قدر الدرهم، لم يصبها الماء، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)أبو داود، سنن أبو داود، 173. ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة، واستدلوا أيضاً بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتوضأ إلا متوالياً، وأمر تارك الموالاة بإعادة الوضوء، وقاسوا الوضوء على الصلاة.
  4. الدلك الخفيف باليد: هو إمرار باطن الكف على العضو بعد صبِّ الماء قبل جفافه، فقال الجمهور إلا المالكية، بأنه سنة، لأن آية الوضوء لم تأمر به وقال المالكيةُ بأنه واجب، واستدلوا على ذلك، أن الغسل في آية الوضوء، لا يتحقق معناه إلا بالدلك، وقياساً على إزالة النجاسة التي لا تكون إلا بالدلك.
قد يهمك هذا المقال:   الصلاة للميت

مراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *