الإقلاع عن التدخين
يعود عدد كبير من المدخنين إلى بعد مرور يوم واحد من التوقف، ويحتاج الأشخاص للإقلاع عن التدخين ملاحظة متى وأين يدخنون، بعد الوجبات، أو عند المرور بمواقف صعبة، أو في أماكن الانتظار والزحام المروري، وهي أمور تختلف من شخص لآخر، لذلك وجب الانتباه إليها وتحديدها لتوفير بدائل يمكن القيام بها في هذه الأوقات والأماكن.
ومما يساعد على الإقلاع عن التدخين في أماكن تحظر على الموظفين التدخين، أو معايشة تجربة شخص قريب أو صديق تسبب التدخين في إصابته بأمراض مميتة، وارتفاع تكلفة السجائر أو صعوبة شرائها، وإنجاب أطفال يخاف المدخنون من تأثير التدخين السلبي عليهم، وقبل ذلك كله امتلاك المدخنين للوعي وقوة الإرادة.
والإقلاع التدريجي عن التدخين يعتبر الأكثر صعوبة والأقل نجاحاً رغم أنه يتبع تفكيراً منطقياً مفاده أن تخلص الجسم من مادة تسبب الإدمان لا بد أن يتم بشكل تدريجي، فقد وجدت دراسة علمية أنه عندما يصل المدخن إلى الكميات القليلة فإنه سيقف عند هذه المرحلة دون أن يستطيع التوقف نهائياً، لأن ما بعد هذه المرحلة هو التوقف الحقيقي عن الإدمان الأمر الذي لن يتقبله جسم المدخن، وعادة ما يعود لمعدل التدخين الذي كان عليه.
السبب في التدخين
يساعد في تحديد المعتقدات التي تعيق تذكر السبب في التدخين أول مرة، وسبب الاستمرار في التدخين، ويمكن الحصول على هذه الإجابات بالدخول في حالة استرخاء بالعد العكسي من 60 إلى واحد مثلاً، فقد وجد أن العد العكسي يساعد الجسم على الاسترخاء، ويزيد من الاتصال بالأفكار اللاواعية.
ربما يكون سبب التدخين استجابة لرغبة الأصدقاء، أو رغبة في لفت الانتباه، أو تقليداً للوالد أو أحد الأقارب الكبار، أو رغبة في الشعور بالرجولة والنضج، أو غيرها من الأسباب، ويفيد في ذلك تذكر تفاصيل التدخين لأول مرة، مكانه، وهل كان بصحبة آخرين أم في الخفاء، وكيف كان المذاق، وكيف كانت ردة الفعل الشخصية على المذاق السيئ، وهل كان الشعور بعد ذلك بالسعادة والفخر أم بالذنب والاستياء، وهل إذا عاد الزمان سيتم الإقدام على تجربة الأمر أم لا.
أما سبب الاستمرار في التدخين فيتم التوصل إليه من خلال ملاحظة الحاضر، متى يتم الشعور بالرغبة في التدخين، وما هي الأماكن والمواقف التي تدفع إلى ذلك، وما هي الفوائد التي يتم الحصول عليها بعد تدخين سيجارة، فمن خلال معرفة الفوائد التي يعتقد العقل اللاواعي أنه يحصل عليها من التدخين يمكن وضع خطة أفضل للإقلاع عن التدخين توفر تلك الفوائد بطرق أخرى.
ويعمل التخيل الإيجابي المتعمد على التأثير على العقل الباطن، وذلك بأن يتخيل المدخنون أنفسهم بشكل متكرر وهم متواجدون في الأماكن والأوقات التي يدخنون فيها وهم لا يدخنون، عندما يتكرر هذا التخيل فإنه يوهم العقل الباطن بأنه حقيقة، ويجعل الأمر أسهل في التطبيق.
تصحيح المعتقدات عن التدخين
الإنسان كائن ، يستقي الكثير من أفكاره ومبادئه وآرائه عن ما هو صائب وما هو خاطئ من المجتمع حوله، فرؤية العديد من المدخنين في المجتمع يجعل التدخين أمراً مقبولاً، بل ربما رآه الطفل في والده وأقاربه ومعلميه فأصبح أحد مظاهر الرجولة لديه.
ويرى أن السبب الحقيقي لصعوبة الإقلاع عن التدخين ليس الآثار الجسدية لانسحاب النيكوتين، والتي لا تأخذ أكثر من ثلاثة أسابيع لتنتهي بالكامل، وإنما معتقدات العقل الباطن الذي يرى بأن التدخين أمر عادي، ولا يقتنع بارتباط الأضرار الصحية بالتدخين، ويرغب في الفوائد العاجلة التي يعتقد أن التدخين يوفرها له.
فالخطوة الأولى للإقلاع عن التدخين هي تحديد المعتقدات الشخصية الحقيقية المتعلقة بالتدخين، واستبدالها بأخرى صحيحة، وهو أمر مهم بالنظر إلى أهمية صحة الإنسان واستحقاقها لبذل بعض الجهد للمحافظة عليها.
التدخين والتركيز
يعتقد المدخنون أن التدخين يجعلهم أكثر سعادة، وهي الحقيقية، ويزيد من تركيزهم وقدرتهم على مواجهة الضغوط، فهل هذا صحيح؟ إن ماء الشرب مهم وأساسي للحياة، فهل سيقوم الإنسان بوضعه في مكان يجعله لا يستطيع الحصول عليه إلا بالقيام بأمور معينة أو دفع مبلغ معين! هذا ما يقوم به المدخن، فباستطاعة أي شخص التركيز لأداء أعماله دون أي وسيط، ولكن المدخن باختياره أن يصبح مدخناً يجعل عملية التركيز لديه أصعب، فلا يستطيع التركيز بشكل جيد ما لم يشتري سيجارة، ويتواجد في مكان يسمح بالتدخين، ويدخنها لترتفع احتمالية إصابته بالأمراض لخمسة أضعاف، فالتدخين لا يساعد على التركيز وإنما يجعل عملية التركيز أصعب وتستلزم تكلفة عالية هي الصحة.
يشبه ذلك ما يقوم به البعض من تناول هرمونات من مصدر خارجي لإنقاص الوزن، يتحقق نزول الوزن لفترة ثم يعود بعد توقف تناول الهرمون ليصبح أسوأ، وذلك لأن تناول هذه الهرمونات من مصدر خارجي جعل الجسم يتوقف عن إنتاجها بشكل طبيعي، فيصبح الشخص أمام خيارين، مداومة تناولها مدى الحياة معرضاً نفسه لمضار العلاج الهرموني على الجسم والتكلفة العالية، أو أن يصبر فترة على مضاعفات سحب العلاج إلى أن يستعيد الجسم قدرته على إنتاج هذه الهرمونات بشكل جيد.
فعقل الإنسان قادر على التركيز بشكل كامل دون محفزات، الأمر الذي يفقده بوجود النيكوتين والذي يصبح هو مصدر التركيز، إلا أنه بمجرد التوقف عن التدخين لفترة كافية سيستعيد العقل قدرته على التركيز وحده، فالتدخين يعبث بقدرة العقل على التركيز الطبيعية ويشلها، وليس العكس.
ومن الناحية العلمية فالتدخين قد يجعل عملية التركيز أصعب لتقليله لمستوى الأكسجين في الجسم، ولذلك ينصح لزيادة التركيز أن يقوم الشخص بتمارين التنفس لأنها تزيد من مستوى الأكسجين، الذي يزيد بدوره من نشاط الجسم وتركيزه، إذن ما الذي يفسر عدم قدرة المدخنين على التركيز دون التدخين؟ إن الاعتقاد بأمر يجعله حقيقة، فاعتقاد المدخنين أنهم لا يستطيعون التركيز دون التدخين، يجعلهم غير قادرين على التركيز بدونه.
التدخين والسعادة
ويشبه ذلك اعتقاد المدخنين أن التدخين يمنحهم السعادة، والحقيقة أنهم قد حرموا أنفسهم السعادة البسيطة التي يحصل عليها الناس من الالتقاء بالأصدقاء، أو تناول طعام لذيذ، أو مشاهدة برنامج مفضل، ففي هذه الأوقات يشعر المدخنون برغبة في التدخين، ثم يرتبط لديهم شعور السعادة الذي عايشوه في تلك اللحظات بالتدخين، فلو نظر المدخنون للأمر من الناحية المعاكسة سيعرفون أنهم قد جعلوا سعادتهم مربوطة بالتدخين حتى في أكثر اللحظات كمالاً وجمالاً، فأصبحت السعادة لديهم تحتاج إلى مكمل لا بد منه وإلا فإنها ستظل ناقصة، فالتدخين يجعل السعادة أصعب وليس أسهل.
التدخين وزيادة الوزن
يجد بعض المدخنين أن الإقلاع عن التدخين قد سبب زيادة في أوزانهم، ويرجع ذلك لرغبة المدخنين في فترة الإقلاع الأولى شغل أنفسهم عن التدخين، فكلما رغبوا في التدخين تناولوا طعاماً أو شراباً، كما تتسم هذه الفترة بالتوتر والضغط النفسي نوعاً ما ويميل الناس إلى تناول الطعام لتبديد القلق والتوتر، والأمر المهم أن التدخين يفسد حواس الشم والتذوق بشكل جزئي، فعندما يقلع المدخنون عن التدخين يستطيعون تدريجياً استعادة مذاق الأشياء والاستمتاع بالوجبات اللذيذة مما يتسبب في زيادة أوزانهم، وليس لأن التدخين يساعد على تقليل الوزن ويؤدي عند التوقف منه إلى زيادة الوزن!
ولذلك يحتاج المقلعون عن التدخين تنظيم عاداتهم الغذائية، وإدراج المشي وغيرها من الرياضيات في برنامج حياتهم، ولذلك فوائد تجمع بين المحافظة على الوزن الصحي، وتحسين الصحة العامة بالإقلاع عن التدخين، واتباع عادات غذائية وحياتية صحية، وتحقيق الانشغال الضروري في فترة الإقلاع الأولى.
المراجع
- آلن كار، الطريقة السهلة للإقلاع عن التدخين، مكتبة جرير.
- هاري ألدر و كارل موريس، لا تتوقف عن التدخين حتى تقرأ هذا الكتاب، دار الفاروق للنشر والتوزيع.