الاهرامات
الهرم هو بناء قاعدته مُربّعة، وأوجهه الأربعة على شكل مُثلّث، وكثيرًا ما يُعتقد أنّ الموجودة هي فقط أهرامات الجيزة، ولكن هناك أكثر من سبعين هرمًا في مصر تمتدُّ على طول خطِّ وادي النّيل، وعلى رغم ارتباط الأهرامات حاليًّا بمصر، إلّا أنّ الشّكل الهرميّ كان موجودًا لأوّل مرّة في بلاد ما بين النّهرين القديمة في الهياكل الطّينية المعروفة باسم الزّقورات، واستمر استخدامها لاحقًا من قبل والرّومان.
بُنيت الأهرامات في وقت كانت فيه مصر واحدة من أغنى الحضارات وأكثرها قوّة في العالم، والأهرامات وخاصّة أهرامات الجيزة الكبرى، هي بعض من أروع الهياكل التي صنعها الإنسان في التّاريخ، ويعكس حجمها الكبير الدّور الفريد الذي كان يلعبُه الفرعون في المجتمع المصريّ القديم.
بدء بناء الأهرامات منذ بداية حتّى نهاية العصر البطلميّ في القرن الرّابع الميلاديّ، إلّا أنّ ذروة بناء الهرم بدأت مع زمن الأسرة الثّالثة المتأخّرة، واستمرّت حتّى القرن السّادس تقريبًا، واليوم بعد أكثر من أربعة آلاف عام، ما تزال الأهرامات المصريّة تحتفظ بالكثير من عَظَمتها.
كان يُعرف الهرم باسمِ (مير)، وهي مقابر ملكيّة وتُعتبر مكانًا لصعود روح الفرعون المتوفّى، وكان يُعتقد أنّ الرّوح سوف تنتقل إلى ما بعد الحياة في حقل القصب، وتخرُج من أعلى نُقطة في الهرم، ولهذا اختار الفراعنة المناطق السّهليّة لبناء الأهرامات. في وقت مُبكِّر كانت المصطبة البسيطة بمثابة قبر لعامّة النّاس والملوك على حدٍّ سواء، وهي مكان مرتفع عن الأَرض قليلًا، ولكن في فترة الأُسَر المبكِّرة (3150-2613) قبل الميلاد، بدأ تطوير التّصميم الهرميّ حتّى عهد زوسر من الأُسرة الثّالثة (2613-2670) قبل الميلاد.
أوّل هرم
قرّر المُهندس المعماريّ الرّئيسيّ زوسر بتجربة شيء لم يسبق لأحدٍ عمله من قبل، وبدأ ببناء نصب ضخم من الحجر كُليًّا، فبدلًا من المصطبة البسيطة، قام بتصميمٍ توضع فيه المصاطب المبنيّة من الطّوب الطّينيّ الجيريّ فوق بعضها البعض، وكُلُّ واحدة تقلُّ عن التي تحتها بمقدار بسيط، حتّى يكتمل شكلُ الهرم، وهذه السّلسلة من المصاطب الكبيرة الحجريّة المرصوفة بعنايّة بجانب بعضها، والتي بنيت بعناية في تصميم متدرّج، أصبحت أوّل هرم في مصر، وهو الهرم المدرّج الشّهير في سقارة، والمُهندس المعماريّ الذي أشرف على بنائه هو أمحوتب.
يرتفع هرم زوسر 204 أقدام ويساوي 62 مترًا، وطول قاعدته يساوي 125 مترًا، وعرضُها 109 أمتار، وأوجهه على شكل مُتدرّج. يقعُ هرم زوسر في وسط مجمَعٍ كبير من المعابد، وبين منازل الكهنة، وكانت المباني الإداريّة الفرعونيّة تُغطّي مساحة 40 فدّانًا، ومُحاطةً بجدار يبلغ ارتفاعُه ثلاثون قدمًا أي عشرة أمتار ونصف.
الهرم الأكبر
ظهر أوّل هرم بشكله المعروف اليوم، في عهد الأسرة الرّابعة في عهد الفرعون سنفرو الأوّل في هذه الأسرة، الذي أكمل اثنين من الأهرامات في دهشور، وقد استخدمت هذه الأهرامات طوبًا من الحجر الجيريّ، ونفس التّدرُّج لارتفاع هيكل الهرم، ولكنّ سطحه الخارجيّ أصبح أملسًا بدل الدّرجات، وذلك بملئ هذه الدّرجات بالحجر الجيريّ.
أبرز مثال على شكل الهرم الجديد هو الهرم الأكبر للفرعون خوفو في الجيزة، الواقعة على هضبة الضّفة الغربيّة لنهر النّيل، على مشارف ، وهو آخر ما تبقّى من في العالم القديم، وخوفو هو الفرعون الثّاني في عهد الأُسرة الرّابعة، وتتكوّن من ثمانية فراعنة. تبلُغُ قاعدة هرم خوفو ثلاثة عشر فدّانًا، وتتألّف من مئتي وثلاثين ألف كُتلة حجريّة، وعُرَف قديمًا بأُفُقِ خوفو.
على الرّغم من أنّ الفرعون خوفو حَكَمَ لمدَّة ثلاثة وعشرين عامًا (2589-2566 قبل الميلاد)، إلّا أنّه لا يعرف إلّا القليل نسبيًّا عن عهده، والسَّبب وراء عظمة هرمه. بجانب الهرم الأكبر تصطفُّ ثلاثة أهرامات صغيرة بنيت لملِكات الملك خوفو، وتمّ العثور على قبر في مكان قريب يحتوي على تابوت فارغ لأمّه الملكة حتب حرس، ومثل باقي الأهرامات الأخرى، تُحيط بالهرم الأكبر صفوف من المصاطب حيث دُفِن أقارب الفرعون أو حاشيَتُه، لمرافقته ودعمه في الحياة الآخرة.
الهرم الأوسط
بُنِي الهرم الأوسط في الجيزة للفرعون خفرع ابن خوفو(2558-2532 قبل الميلاد)، ومن أكثر السّمات التي تُميّز المَجمَع الذي بُنيَ فيه هرم خفرع، هو تمثال أبي الهول العظيم، وهو التّمثال المعروف المنحوت في الحجر الجيريّ، وله رأس رَجل وجسم أسد، كان أكبر تمثال في العالم القديم، ويبلغ طوله 240 قدمًا وارتفاعه 66 قدمًا.
في عهد السُّلالة الثّامنة عشرة، حوالي عام 1500 قبل الميلاد، كان أبو الهول يُعبد، وكان يُمثِّل صورة لشكل الإله حورس. أمّا بالنّسبة للهرم الجنوبيّ في الجيزة فهو للفرعون منقرع ابن خفرع (2532-2503 قبل الميلاد)، وهو أقصر من الأهرامات الأخرى، يبلُغُ طوله 218 قدمًا حوالي 66 قدمًا ونصف، وهو مقدّمة لبداية بناء الأهرامات الصّغيرة التي تمّ بناؤها في عهد الأُسر الخامسة والسّادسة.
قال المؤرّخ اليونانيّ القديم هيرودوت إنّ البناء استغرق عشرين عامًا، وتطلّب العمل أكثر من مئة ألف عامل، لكنّ الأدلّة الأثريّة في وقت لاحق أشارت إلى أنّ القوى العاملة رُبّما كانت في الواقع حوالي عشرين ألف شخص فقط، وتطلّب البناء ما يُقارب من مليوني وثلاثمئة ألف كُتلة حجريّة، يبلغ متوسّط وزنها جميعًا طُنّين ونصف الطُّنِّ تقريبًا، ثُمّ نقلُها تجميعها وبناء الهرم الأكبر.
تقول بعض النُّسخ الشّعبيّة للتّاريخ أنّ الأهرامات بُنيت من قبل العبيد أو الأجانب الذين أجبروا على العمل، ولكنّ الهياكل العظميّة التي تمّ استخراجُها من المنطقة، تُظهر أنّ العمّال كانوا من الفلّاحين الذين عملوا في البناء في الفترة التي كان فيها نهر النّيل يفيض على الأراضي المُحيطة بضفّتيه.
الأهرامات وعجائب الدّنيا السّبعة
تمّت كتابة قائمة عجائب الدنيا السبع من قبل فيلو البيزنطيّ، الذي عاش في القرن الثّالث قبل الميلاد، وقد سبق هذه القائمة عدد من القوائم الأخرى، معظمها كتبها مؤلفون يونانيون. يحتلُّ هرم خوفو الأكبر أوّل هذه العجائب، وهو الوحيد الذي ما زال قائمًا إلى الآن.
هذه القائمة هي عبارة عن كُتيّبٌ صغير مُكوّنٌ من ستِّ صفحات، يتألّف من مقدّمة يليها وصف للعجائب السّبعة، ولكنّ المشكلة هي أنّ الورقة الأخيرة قد ضاعت، لذلك هناك نهاية قصيرة فقط من وصف معبد أرتيميس، وجميع أوصاف ضريح هاليكارناسوس قد ضاعت. لم يُسافر فيلو البيزنطيّ لرؤية هذه العجائب، وإنّما نقل أوصافها من الكُتب التّاريخيّة لديه، ولا يوجد تفسيرٌ لماذا هي سبعة فقط، مع أنّها في وقت كتابتها لم تكُن السّبعة موجودة بالفعل، ولكن هناك خصوصيّة للرّقم سبعة عند اليونانيّين، فهو رقم أوّليّ ومحدّدٌ جدًّا، ويمكن استخدامه لتعيين مجموعة استثنائيّة من العناصر.