الدولة الاموية في الاندلس

الدولة الأموية في الأندلس

ترتبط في الأصل للغرب الإسلامي، ولا غرو، فقد لعبت أدواراً مهمة في نشر الدين الحنيف بهذه البقعة من البسيطة، إلا أن الحكم المركزي والسيطرة السياسية على الأندلس كانت تتغير من فترة إلى أخرى.

مرحلة التبعية إلى السلطة المركزية في دمشق

فتح الأمويون والأندلس بعد جهدٍ جهيدٍ في غضون أزيد من أربعين سنة من الحروب مع البيزنطيين بسواحل إفريقية (تونس)، وكذا مع الأمازيغ في المغربين الأوسط والأقصى، حيث بدأت تحركاتهم العسكرية تجاه هذه المنطقة منذ سنة 670م، ليتمكنوا من بسط سيطرتهم ونفوذهم عليها سنة 711م. وقد مرت الفتوحات الإسلامية للغرب الإسلامي (المغرب الأقصى والأندلس) من مرحلتين أساسيتين:

  1. المرحلة الأولى: قادها “عقبة بن نافع الفهري” الذي ولاه معاوية بن أبي سفيان واليا على إفريقية، وقد استطاع نظراً لتجاربه المتراكمة في الفتوحات من السيطرة على العديد من المناطق في المغرب الأدنى (ليبيا، تونس)، ثم أسس قاعدة عسكرية في مدينة “القيروان”.
  2. المرحلة الثانية: قادها “موسى بن نصير” واستطاع بحنكته العسكرية والسياسية أن يخضع سائر أقاليم المغرب الأقصى، واستمال إليه وجهاء ورؤساء القبائل، الشيء الذي يسر له قيادة حملة الفتح الأندلسي.

تأسيس دولة الأمويين بالأندلس ومراحلها

لما وصل إلى الحكم سنة 132هـ، حاولوا الحد من خطر الخوارج بالمغرب، و وجهوا اهتمامهم ناحية طرابلس والقيروان بصفة خاصة، كما أنهم طردوا كل الأمراء الأمويين بعد سقوط دولتهم، وقضوا على العديد منهم، إلا أن أحد هؤلاء الأمراء و هو المعروف تاريخيا باسم “عبد الرحمان الداخل” (عبد الرحمان بن معاوية) استطاع أن يفر من قبضة أعدائه ويتجه ناحية بلاد المغرب، وذلك لأنه كان يعرف أن هذه البلاد أصبحت خارجة عن سلطة العباسيين، لكنه لم يَلقَ الاستقبال المنشود من أهل المغرب، فاستقر فترة من الزمن بمدينة “سبتة”، وبدأ يخطط لإقامة إمارته بالأندلس التي كانت ظروفها جد مناسبة بالنسبة له، فقد استقر بالسهول المحاذية للبحر الأبيض المتوسط أغلب الدمشقيين الموالين للأمويين، علاوة على الصراعات التي شبت بين “القيسيين” و “اليمنيين”، فاستعان بالدمشقيين لمهاجمة قوات حاكم قرطبة “يوسف عبد الرحمان الفهري”، ليؤسس إمارة أموية مستقلة عن الحكم العباسي بالأندلس، وقد حكم “عبد الرحمان الداخل” مدة 34 سنة استطاع خلالها أن ينقذ إمارته من كل الأخطار المحدقة وأن يدعم نفوذه، فقد قضى معظم سنوات حكمه في تدعيم نفوذه والقضاء على خصومه، كما أن العباسيين عندما علموا بأمر دولته، خافوا من امتداد خطرها ناحية الشرق، فحاكوا العديد من المؤامرات ضده وتحالفوا مع الإمبراطور “شارلمان” (إمبراطور فرنسا أو الإمبراطورية الكارولنجية) للقضاء على النفوذ الأموي بالأندلس، لكن محاولاتهم باءت بالفشل لأن “عبد الرحمان الداخل” استطاع السيطرة على معظم الثغور والحصون العسكرية المحاذية لإمبراطورية “شارلمان”. هكذا، تأسيس دولتهم بالأندلس متخذا من “قرطبة” عاصمة لدولته، وسمى نفسه “عبد الرحمان بن الخلائف”، ويعد أهم عمل اشتهر به هو بناؤه لجامع قرطبة سنة 170هـ، والذي سيصبح في القرن الرابع الهجري من أعظم المساجد في العالم الإسلامي. وقد مر حكم الأمويين بالأندلس من عصرين أساسيين:

  1. عصر الإمارة (138هـ ـــ 300هـ): حاول الأمراء الأمويون من أسرة عبد الرحمان بن معاوية (الداخل) أن يحافظوا على قوة وهيبة الحكم المركزي بقرطبة، بكيفية تضمن الاستقرار والأمن، والجدير بالذكر أن معظمهم سعى في رعاية مصالح الأمة الإسلامية بالأندلس والدفاع عنها و رد الأخطار الخارجية وإخماد الثورات والفتن الداخلية التي كانت تنشب من حين لآخر، كما سعوا لإقامة العدل والرفق بالرعية، ولا غرو في ذلك، فقد استفادوا من أخطاء بني أمية في الفترة الأخيرة لدولتهم بالمشرق الإسلامي. و من بين أبرز الأمراء الأمويين بقرطبة “هشام الأول” (ابن عبد الرحمان الداخل) الذي أدخل المذهب المالكي السني إلى الأندلس، وأعلنه مذهبا رسميا للإمارة.
  2. عصر الخلافة (300هـ ـــ 422هـ): أينعت الحضارة الإسلامية الأندلسية خلال هذه الفترة، وبلغ الحكم المركزي لقرطبة أوج عزه وقوته ونفوذه وامتداده، وقد تميز هذا العصر كذلك باتخاذ الخلفاء الأمويين لقب “أمير المؤمنين” ابتداءً من عهد الخليفة “عبد الرحمان بن محمد” (الملقب بالناصر، و هو الحفيد السادس لعبد الرحمان الداخل) ، و يقول في هذا الصدد “ابن أبي دينار” في كتابه “المؤنس في ذكر أخبار إفريقية وتونس”: “… وجاء عبد الرحمان بن محمد، فتلقب بالناصر لدين الله وجلس مجلس الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين”. وتتجلى عظمة الخلفاء الأمويين في هذا العصر في منشآتهم العمرانية بكل من “قرطبة” و “الزهراء”، وكذا في ضخامة جيوشهم وأساطيلهم البحرية ويقول “المقري” في كتاب “نفح الطيب”في هذا الصدد:”… وتوفرت له الجيوش والأموال، عرض بظاهر قرطبة خيله ورِجله، و قد جمع من أقطار البلاد ما ينهض به إلى قتال العدو و تدويخ بلاده، فَنِيفَ الفرسان (قرب عددهم) على مئتي ألفٍ، والرَّجَّالة على ست مئة ألف”، علاوة على انتصاراتهم وفتوحاتهم التي مكنتهم من بسط سيطرتهم على المغرب الأوسط والمغرب الأقصى والأندلس، ويذكر “أبو عبيد البكري” أن الخليفة “عبد الرحمان الناصر” فرض على ملوك الإسبان المسيحيين في شمال إيبيريا نفوذه، وكنتيجة لهذا الملك الواسع ، غدت قرطبة تستقبل وفودا وبعثات دبلوماسية من ملوك أوروبا المعاصرين للخليفة الناصر (الدكتور “إبراهيم القدري بوتشيش” ـ سلسلة محاضرات “تاريخ أوربا”).
قد يهمك هذا المقال:   معركة ذي قار

فترة انهيار دولة الأمويين بالأندلس

يقول الأستاذ “أنس حموتير” في كتاب “الفتح المبين في أخبار دولة المرابطين”: “كان التلاحم الاجتماعي هو السر الأساسي في قوة المجتمع الأندلسي على الرغم من تعدد مكوناته إبان العهد الأموي، وذلك لانصهار مختلف العناصر فيما بينها، فتناسوا أصولهم مقابل ارتباطهم بهويتهم الأندلسية التي كانت تعرف آنذاك إشعاعاً وازدهارا في شتى المجالات”. وسيكون للمجتمع الأندلسي ذات الدور في ضعف السلطة المركزية للأمويين بقرطبة، فبعد استقدام عناصر جديدة للأندلس، برزت النعرة الطائفية العرقية، مما أحدث تصدعا وشرخاً بارزا في كيان المجتمع الأندلسي، لينفجر الصراع بين مختلف الطائف التي أضحت تكونه، لينتج عن ذلك توزع الطوائف حكم البلاد، ومن ثمة سقوط بقرطبة سنة 422هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *