قيام الدولة المرابطية
على يد “يوسف بن تاشفين”، إلا أنه قبل عشرين سنة كان الهدف من لَمِّ الجند المرابطي هو نشر الصحيح وإزالة الكفر والبدع من المغرب، وما فتئ المرابطون ينشرون الدين الحنيف بمختلف المناطق المغربية على عهد الأمراء المؤسسين للحركة، حتى بلغ نفوذهم مبلغا عظيما، وعلى الأخص عند تولية الأمير “يوسف بن تاشفين”، فقد امتدت دولته من نهر “شلف” بالجزائر إلى المحيط الأطلسي، ومن الأندلس شمالا حتى تخوم أدغال السينغال والنيجر جنوبا، “فكان يدعوا له الناس على أكثر من ألفي منبر”أبو عبيد البكري ـ المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، لكن المرابطين لم يبلغوا هذا السلطان والنفوذ إلا بصدق نيتهم وصفاء سريرتهم، علاوة على حنكتهم السياسية وصلابة شكيمة رجالهم.
التوسعات المرابطية في المغرب
تمكن للمرابطين على عهد الأمير “يحيى بن عمر اللمتوني” أمر الصحراء المغربية وبلاد الغربي (السينغال)، ثم توجهوا بعد ذلك شمالا في اتجاه “سجلماسة” التي راسله أهلها مستغيثين من جور حكامها “الزناتيين”، فضموها إلى حوزتهم، ليتوجهوا بعد ذلك على عهد الأمير “أبي بكر بن عمر اللمتوني” صوب مدينة “أغمات” التي كانت معقلاً لقبائل “برغواطة” النصرانيةد.سعدون عباس نصر الله ـ دولة المرابطين في المغرب والأندلس، ليحاصرها قائد الجند المرابطي “يوسف بن تاشفين” ويظفر بها خلال فترة وجيزة، ليتوجه بعد ذلك ناحية بلاد “تامسنا” التي كانت تحت سيطرة قبائل “برغواطة” المجوسية، وانتصر كذلك، إلا أن الزعيم الروحي للمرابطين “عبد الله بن ياسين” استشهد سنة 1059م عقب هذه المعركة.
ولما جاء عهد “يوسف بن تاشفين”، أكمل الزحف نحو باقي المناطق والمراكز الحساسة بالبلاد، إلى أن ظلت مدينتا “سبتة” و “طنجة” فقط خارجتين عن نفوذ المرابطين، آنذاك وصل مرسول بخط يد “المعتمد بن عباد” ملك “إشبيلية” يستنجد به ضد ملك قشتالة “ألوفنسو السادس”، فوعده بتلبية النداء فور الانتهاء من أمر “سبتة” و “طنجة”.
المرابطون في الأندلس
سقطت مدينة “طليطلة” في يد ملك “قشتالة” “ألفونسو السادس” سنة 1085مابن الكردبوس ـ تحقيق أحمد مختار العبادي ـ الإكتفاء في أخبار الخلفاء، الجزء الخاص بالأندلس ، فانفرجت الطريق أمام المسيحيين لتطويق المسلمين والاستيلاء على بلادهم، فكان لزاماً على ملوك الطوائف أن يوحدوا رايتهم أو على لأقل أن يتحالفوا فيما بينهم لدحض الزحف الصليبي، لكن العكس هو ما حدث، فقد رضوا بالذل والوهن وإرضاء ألفونسو مقابل تأمين حوزتهم، فتنافسوا في إرسال الهدايا والأعطيات تقربا منه، كما أذعنوا للجزية التي فرضها عليهمابن الكردبوس ـ تحقيق أحمد مختار العبادي ـ الإكتفاء في أخبار الخلفاء، الجزء الخاص بالأندلس .
وفي خضم هذا الوضع المرير، راسل علماء و وجهاء الأندلس “يوسف بن تاشفين” لنجدتهم، يقول العلامة عبد الرحمان بن خلدون: “وكاتبه أهل الأندلس في كافة من والخاصة، فاهتز للجهاد”عبد الرحمن بن خلدون ـ العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ويذكر “بن أبي زرع” أن وفداً من الأندلس على رأسهم “المعتمد بن عباد” قدم إلى مراكش يصف حال الأندلس وما تعيشه من ظلمٍ، فقال له يوسف بن تاشفين: “ارجع إلى بلدك وخذ في أمرك، فإني قادم عليك في أثرك إن شاء الله”ابن عذارى المراكشي ـ البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، الجزء الرابع.
أرسل “يوسف بن تاشفين” أمراً بتزويده بالعُدَّة والعتاد من الصحراء، ثم أصدر أمره بالجواز إلى الأندلس سنة 1086محمدي عبد المنعم محمد حسين ـ التاريخ السياسي والحضاري والأندلس في عصر المرابطين، فركب البحرَ ودعا الله قائلاً: “اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيراً وصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه”ابن أبي زرع ـ الأنيس المطرب روض القرطاس، في أخبار ملوك المغرب ومدينة فاس، فنزلت الجيوش بالجزيرة الخضراء التي كانت تابعة لابن عباد فأخلاها لهم حتى يستقروا بها و ينظموا صفوفهم.
في هذه الأثناء كان “ألفونسو” محاصراً لمدينة “سرقسطة”، فلما سمع بقدوم بن تاشفين اضطر إلى فك الحصار عن المدينة وعاد إلى “طليطلة”، وكاتب ملوك وأمراء النصارى يستنجدهم لوقف الزحف المرابطي، فوفد إليه المدد والفرسان من ولايات فرنسا الجنوبية، ليلتقي الجمعان في معركة “الزلاقة” الشهيرة يوم الجمعة الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 1086مد.دندش عصمت عبد اللطيف ـ دور المرابطين في نشر الاسلام في غرب إفريقيا، هذه المعركة التي تعد حدثا مهما في تحديد مآل الوجود الإسلامي بالأندلس.
معركة الزلاقة
عسكر الجيش المرابطي بقيادة يوسف بن تاشفين خلف الجيش ، يفصل بينهما تل بغرض تمويه جيوش ألفونسو، ثم أرسل بن تاشفين كتابا يعرض فيه على ألفونسو و من معه الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب ، فرد عليه ألفونسو: “لا تتعب نفسك، أنا أصل إليك”الناصري، الاستقصا، في أخبار المغرب الأقصى، الجزء الأول. حاول ألفونسو خداع المسلمين، فأرسل إلى يوسف بن تاشفين في تحديد يوم المعركة: “إن بعد غد الجمعة لا نحب مقابلتكم فيه لأنه عيدكم، وبعده السبت يوم عيدٍ لليهود، وهم كثيرٌ في محلتنا، وبعد الأحد عيدنا، فنحترم هذه الأعياد ويكون اللقاء يوم الاثنين”، فكان جواب يوسف “اتركوا هذا اللعين و ما أحب”مجهول ـ الحلل الموشية في أخبار الدولة المراكشية، إلا أنها كانت مجرد خدعة خبيثة، فقد عاد بعض الفرسان اللذين بثهم المعتمد بن عباد إلى معسكر المسلمين يخبرونهم بأن النصارى يستعدون للمعركة.
هكذا التقى جنود الصليبيين بجيش المعتمد بن عباد، فحمي الوطيس بينهم، و في أصيب بن عباد بالعديد من الجروح في رأسه و بدنه، وفي تلك اللحظات تذكر ابنا صغيرا له كان قد تركه بإشبيلية اسمه “أبو هشام” فقال:
- أبا هشام هشمتني الشفار……فلله صبري لذاك الأوار
- ذكرت شخيصك تحت العجاج…..فلم يثنني ذكره الفرار الناصري، الاستقصا، في أخبار المغرب الأقصى، الجزء الأول
وفي لحظات الدفاع تلك، ظهر يوسف بن تاشفين “وطبوله قد ملأت الجو”الناصري، الاستقصا، في أخبار المغرب الأقصى، الجزء الأول، فذهل ألفونسو من قوة السيل المرابطي الذي احتل معسكر النصارى و سقط من جنده أزيد من “عشرة آلاف قتيل”ابن الكردبوس ـ تحقيق أحمد مختار العبادي ـ الإكتفاء في أخبار الخلفاء، الجزء الخاص بالأندلس . فالتقى بن تاشفين بالصليبيين وقتل منهم خلقاً كثيرا، وفرَّ ألفونسو مصابا في فخذه بجرحٍ تسبب له فيه أحد حراس يوسف بن تاشفين.
بعد انتصار المسلمين في معركة الزلاقة، عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعدما أعاد رص صفوف المسلمين في الأندلس وأصلح ذات بينهم، إلا أن ألفونسو عاد يتهدد الشرق الأندلسي مرة أخرى كما أن ملوك الطوائف عادوا للتناحر فيما بينهم، فجاز الأمير المرابطي نصرة للمسلمين للمرة الثانية، ولما أيقن من تهاون ملوك الطوائف عاد إلى مراكش و استفتى فقهاء المشرق والمغرب في المسألة وعلى رأسهم الإمام “الغزالي” والإمام “الطرطوشي”ابن الكردبوس ـ تحقيق أحمد مختار العبادي ـ الإكتفاء في أخبار الخلفاء، الجزء الخاص بالأندلس ، وبدعم معنوي من الخلافة العباسية في بغداد جازَ يوسف بن تاشفين إلى الأندلس للمرة الثالثة، وهناك قضى على ملوك الطوائف نهائيا، وألحق الأندلس بحوزة المرابطين.