مقدمة عن انهيار الدولة العثمانية
كانت أحد أقوى الإمبراطوريات الإسلامية عبر التاريخ، حيث أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، ومن المعروف حسب المصادر أنها استمرت قوية لما يقارب 600 سنة، ووصلت أوج قوتها ومجدها خلال القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين.
وصلت أراضي الدولة العثمانية للعديد من القارات منها أفريقيا وآسيا وأوروبا، ونجحت في السيطرة على أجزاء كبيرة من آسيا الصغرة وجنوب شرق أوروبا وشمالي أفريقيا وغربي آسيا الأمر الذي جعلها تمتلك 29 ولاية ودولة.
ونجحت الدولة العثمانية في فرض كلمتها وسيطرتها على الكثير من الدول لفترة طويلة إما بحكم أنها من الطراز الأول تتبع سلطان آل عثمان حامل اللقب “أمير المؤمنين” أو من الدول والبقاع التي أعلنت ولاءها.
وكان يُطلق على الدولة العثمانية الكثير من المسميات مثل: “الدولة العليّة” اختصارًا لاسمها الرسمي “الدولة العليّة العثمانية”. كذلك، “الدولة العثملية” والذي كان الاسم الأكثر انتشارًا بين مصر والدول العربية الأخرى، ويرجع السر وراء كلمة “عصملى – Osmanlı” التركية، التي تعني حرفياً “عثماني”، وأطلق عليها “الإمبراطورية العثمانية” كذلك يُطلق البعض عليها تسميات “السلطنة العثمانية”، و”دولة آل عثمان”، وذلك حسب الكتب التاريخية التي رصدت هذه الفترة التاريخية من المجد والسيطرة.
ولكن بعد فترة تعد طويلة نسبياً من السيطرة والهيمنة انهارت الدولة العثمانية، فما هي الأسباب؟ وكيف حدث ذلك؟ هذا ما يستحق العرض خلال الأسطر القليلة المقبلة في نظرة تاريخية سريعة على العوامل التي أدت إلى ضعف ومن ثم انهيار الدولة العثمانية.
بداية ضعف الدولة العثمانية
في عهد السلطان سليمان الأول الذي حكم منذ عام 1520م حتى 1566م نجحت الدولة العثمانية في التطور العسكري والسياسي، ونجحت العاصمة في هذه الفترة “” من لعب حلقة وصل رائعة بين العالمين الأوروبي المسيحي والشرقي الإسلامي.
ولكن بعد انتهاء عهد السلطان سليمان الأول حدث ما لم يكن في الحسبان، وبدأ انهيار الدولة العثمانية وفقدان الكثير من المبادئ والأشياء التي تم بناؤها في سنوات طويلة، وأصبح الإصلاح قاعدة شاذة وليس أساسًا كما كان معروفاً عن الدولة العثمانية.
نهاية الدولة العثمانية
بدأ انهيار الدولة العثمانية على المستوى السياسي في عام 1922م، وذلك قبل سنوات قليلة من توقيع معاهدة لوزان، لاحقاً قام معارضو السلطان عبد الحميد بإظهار اعتراضاتهم على أسلوب الحكم وطريقته في إدارة الدولة، ووصلت تلك الاعتراضات إلى أوجها وأقصاها في عام 1326هـ/1908م، حيث قامت عدة تمردات من تأثير تنظيمات ليبرالية مثل جمعية “تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي”، وشهد ذلك العام بالتحديد فقدان الدولة العثمانية لهيبتها وخسارة أولى أراضيها لصالح القوى الأوروبية.
في عام 1327هـ/1909م خرجت الأمور عن السيطرة بالنسبة للسلطان عبد الحميد، حيث قامت قوات متمردة بقيادة الجنرال محمد شوكت باشا بدخول العاصمة إسطنبول وعملت على ترجيح كفة القوى المناوءة والمعارضة للسلطان، وهو ما يعرف تاريخياً بأحداث 31 مارس.
أسباب انهيار الدولة العثمانية
مشاكل دينية كبيرة
أحد أبرز أسباب السقوط هو ضعف الالتزام بالدين الإسلامي وتعاليمه ومبادئه والكثير من أحكامه، الأمر الذي أجبر الكثيرين على فرط حبات القوة، وظهر التفكك والضعف وفقدان الترابط الثقافي. والبعد عن الدين الصحيح جعل الترابط بين الأقاليم ضعيف للغاية، ولم تعد الرقعة الجغرافية مساعد كبير على الاستمرار بعد توالي الضعف العسكري والسياسي أيضًا.
لم ينتبه المسؤولون في الدولة العثمانية في أواخر الأيام إلى أهمية نشر تعاليم في الدول التي نجحوا في ضمها، الأمر الذي ساعد في حدوث خلخلة واضحة وانفصال دام لسنوات طويلة.
المفاهيم الخاطئة
المشاكل اللغوية والدينية أدت إلى ظهور أزمات كبيرة في نشر المفاهيم الخاطئة التي وصلت إلى حد الانحراف بحسب الوصف، ومع الوقت تم زراعة الكثير من المفاهيم في المفاصل الامر الذي أدى إلى انهيار الدولة العثمانية وكان أحد الأسباب: فرق الشيعة والدروز.
أعداء الدولة العثمانية
لا يُمكن نسيان أعداء الدولة العثمانية الذين تسببوا في إحداث انهيار كامل من خلال الوصول إلى المراكز الحساسة في الدولة مثل الجيش العثماني مع انتشار التفرقة السياسية بسبب الأحزاب والحركات الانفصالية والحركات العنصرية العرقية كل هذه الأمور أحدثت مشاكل ضخمة في الدولة العثمانية.
وظهر ما يُسمى بـ “الجيش الانكشاري” والذي تمرد لفترة طويلة على كما تدخل في الكثير من الأمور المتعلقة بالشؤون الخاصة بالحكم، وقرر في بعض الأوقات أن يعزل وحتى يقتل بعض السلاطين العثمانيين، كما عمل على إثارة بعض حركات التمرد بهدف إضعاف الدولة.
ضعف اللغة العربية!
وعلاقة اللغة العربية بانهيار الدولة العثمانية يرجع إلى أن إهمال العربية تسبب في نشر تعاليم خاطئة للصغار، وأصبح لواء الدولة مُهددًا بالسقوط وهو ما حدث بالفعل مع توالي السنوات، ولم يعد هناك أي رابط لغوي قوي لفرض التعاليم التي تم نشرها قديمًا أثناء عصور القوة.
الفساد السياسي
كثيرًا ما تحدث الثورات في الدول خلال التاريخ الحديث عندما يتدخل العسكريون في الأمور السياسية ويفرضوا أنفسهم على الشعوب للحكم والظهور على المنصات، والأمر حدث بالفعل أيام الدولة العثمانية عندما قرر عدد من القادة العسكريين مد نفوذهم في أجهزة الحكم السياسي والتدخل في أمور الحكم وشؤونه.
الفساد الإداري
عانت الشعوب تحت سلطة الدولة العثمانية في أواخر الأيام من مشاكل اقتصادية كبيرة بسبب فساد السلاطين والحكام كما تم الترويج إلى أن زواج السلاطين من أجنبيات هي فكرة دخيلة حيث كان اعتقاد البعض بأن ولاء هذه الزوجات يبقى لدولها، وبالطبع فإن الأمور لم تعد كما كانت في السابق.
ظهرت الكثير من المكائد والمؤامرات التي ساعدت في انهيار الدولة العثمانية بسبب الدسائس من الزوجات الأجنبيات على الدولة في ذلك الوقت، وأصبحت الأمور أكثر سهولة للوقيعة بين مدن الدولة العثمانية وبعضها البعض.
الحروب الصليبية
من أسباب انهيار الدولة العثمانية الحروب الصليبية والحروب الدينية التي عانت منها، والتي كانت في المرتبة الأولى ضد الإسلام، ووصلت إلى حد 600 سنة من المحاولات، ولكنها زادت للغاية بعد فتح القسطنطينية وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار المؤامرات والفتن داخل ومن خارج الدولة العثمانية.
الحرب العالمية الأولى
جاء انهيار الدولة العثمانية القوي بعد هذه العوامل مع حدوث الحرب العالمية الأولى، وقد ظهرت حالة الضعف الكبيرة على الجيش والحكم ومفاصل الدولة من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
تم إطلاق لقب “رجل أوروبا المريض” على الدولة العثمانية في أواخر أيامها، وكلمة السر وراء هذا الضعف سيطرة مصطفى كمال أتاتورك على الجيش العثماني وإسقاط الخلافة العثمانية كما تحالف مع قوى معادية للخلافة العثمانية مثل إنجلترا.
وتم إجبار أخر خلفاء الخلافة العثمانية السلطان “عبد الحميد الثاني” لترك حكم الدولة، وتم عزله نهائيًا في عام 1924م وإعلان قيام دولة الحديثة على أنقاض الخلافة العثمانية، وكان المسار العلماني الأساس الأول لحكم تركيا.