لا يمكن أن تملَّ من أسلوب أديب البسطاء أنيس منصور في ؛ فهو من أمتعنا بكتبه وكتاباته اليومية في جريدة (الأهرام)، وكانت كلماته البسيطة التي حملت آراءه في القضايا المهمة، أو حكت أحداثًا طريفة حدثت معه، أو عرضت رأيه في الكتَّاب من أصدقائه ومواقفه معهم، من أكثر الكتابات التي أمتعتنا. وعلى الرغم من أثر كلماته الطيب، الذي خلَّده بين أهم الأدباء المصريين، إلا أنَّ له عددًا من المقالات التي لم تنَل إعجاب بعض أصدقائه، فأزعجتهم، واتهموه بإهانتهم فيها.
مقال لا يُهين العقاد
في بداية حياته الأدبية، عندما كان أنيس منصور لا يزال أديبًا شابًّا متطلعًا، جاء الأديب الإنجليزي العالمي سومرست موم إلى مصر في زيارته الأولى، وعندها حرص الأديب الشاب على لقائه وإجراء حوارٍ معه.
و بالفعل، كان اللقاء في الفندق الذي يُقيم فيه سومرست موم، وكان حوارًا قصيرًا ختمه أنيس منصور بعدة أسئلةٍ عن قراءات الأديب العالمي للأدب المصري؛ إذ سأله عن قراءته للعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم.
وكانت إجابة موم له أنه لم يحالفه الحظ أيٍّ من أعمالهم، فهو لم يقرأ من الأدب العربي إلا الملحمة الشهيرة (ألف ليلة وليلة). ونشر أنيس منصور لقاءه مع موم وحوارهما كاملًا في الجريدة.
بعدها بيومَين فوجئ أنيس منصور بمقالٍ لل يُهاجمه فيه، ويتهمه بتعمُّد سؤال موم عن قراءته للعقاد لإهانته، وليُؤكِّد للقرَّاء أنَّ لم يتجاوز حدود البحر أو العالم العربي.
يقول أنيس منصور في كتابه (عاشوا في حياتي) معلِّقًا على هذا الموقف: “أدهشني أن يفعل ذلك مع واحدٍ مثلي .. أي واحد من أشد المعجبين به والمترددين على صالونه بانتظامٍ لعشر سنوات. كان مقال العقاد صدمةً لي، فهو قد أساء فهمي، ولم يجد لي عذرًا”.
في مداعبة كامل الشناوي
كان الشاعر والصحفي كامل الشناوي من أقرب أصدقاء أنيس منصور، عملا معًا في الصحافة، ولهما حكايات ومواقف. وكان الشناوي خفيف الظل، ولكنه جارح النكتة.
ويحكي أنيس منصور عنه في كتاب (عاشوا في حياتي) قائلًا: “كان كامل الشناوي حادَّ اللسان جارح النكتة، وهو ضحية الناس، فهُم يريدونه أن يضحك، ويُثير ويهز ويُوجع، ولذلك أوجعنا بقدر ما أضحكنا”.
يذكر أنيس منصور أنه في مرةٍ من المرات راح يُداعب كامل الشناوي بأسلوبه، فكتب في مقال له: “إنَّ كامل الشناوي يُدغدغ أصدقاءه بسكين”. فكان هذا المقال سبب أول قطيعةٍ بين الصديقَين منصور والشناوي. وقد أشار أنيس منصور إلى تلك القطيعة، فقال: “أحزنني ذلك، مع أنني استعرت أسلوبه في مداعبة الناس، ولكنه لم يُطق أن يفعل به أحد ذلك”.
نشر أنيس منصور هذه الكلمات ومثلها قاصدًا بها المداعبة أو الملاحظة، لا يبتغي منها إهانة أحد. ولأنَّ الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، أزعجت كلماته بعض أصدقائه، بل كانت سبب الجفاء والقطيعة أحيانًا.
عاشوا في حياتي
أما عن كتاب (عاشوا في حياتي)، الذي ذكر فيه الأديب أنيس منصور تلك المواقف، فهو يحكي فيها عن تلك الشخصيات التي مرَّ بها خلال رحلته في الصحافة والفكر والأدب. وقد جاء الكتاب ثريًّا بأسماء الأدباء والفنانين والفلاسفة من العالمَين العربي والغربي، لذلك يُعدُّ مرجعًا قيِّمًا لمن يحب القراءة في قصص كبار مشهوري الأدب والفن.
وُلِد أنيس منصور في 18 أغسطس 1924 بمدينة المنصورة، وكان و وصحفيًّا، نال الكثير من الجوائز والتكريمات خلال حياته، منها الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة، وجائزة الدولة التشجيعية للأدب في مصر، بالإضافة إلى جائزة الفارس الذهبي، التي كرَّمه بها التلفزيون المصري، وتمثال صنعته له بلاده احتفاءً به.
وتُوفِّي في 21 أكتوبر 2011 عن عمرٍ ناهز 87 عامًا، بسبب تدهور حالته الصحية نتيجة إصابته بالالتهاب الرئوي، تاركًا خلفه كنوزًا من المقالات والكتب و وأدب الرحلات، والتي من أشهرها: 200 يوم حول العالم، وأرواح وأشباح، والذين هبطوا من السماء، وفي صالون العقاد كانت لنا أيام، وأيضًا مذكرات شابة غاضبة، ومذكرات شاب غاضب.
هذا بالإضافة إلى عموده اليومي في جريدة الأهرام (مواقف)، الذي بثَّ فيه بأسلوبٍ سلس بسيط وجذَّاب أفكاره ومواقفه من الأحداث المحيطة في مصر والوطن العربي، سواءً السياسية أو الاجتماعية أو الأخلاقية، وهو الإنتاج الذي أسهم في تخليد اسمه بعد وفاته.