بحث عن الكذب
الكذب عكس ، ويعتبر شكلاً من أشكال نقض العهد الذي يتعامل به الناس مع بعضهم، فالكاذب يقول شيئاً مخالفاً للحقيقة رغم علمه بها، بينما يظن من يستمع إليه أنه يقول الحقيقة.
والنوع الوحيد المستحيل من الكذب، هو الكذب على الذات، فليس بوسع الإنسان خداع نفسه وإخبارها بخلاف الحقيقة أو إخفاء أشياء عنها، إضافة إلى أنه غالباً ما يكون وراء الكذب نية التلاعب بالآخرين أو خداعهم أو إلحاق الضرر بهم، الأمر الذي يستحيل أن يريده الإنسان لنفسه.
ويرتبط الكذب بمعرفة الشخص للحقيقة وتزييفه لها عن عمد، لذلك فهو يختلف عن الخطأ، فربما قال الشخص كلاماً خاطئاً ولكنه يظن أنه الحقيقة، فلا يمكن اعتباره كاذباً لانتفاء القصد، فليس الكذب مرادفاً للخطأ، وليس الصدق مرادفاً للحقيقة.
ويعتبر تعريف الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين السكوت شكلاً من أشكال ، حيث يشمل جميع أشكال الإخبار بغير الحقيقة سواء كان ذلك بالقول أو الإشارة أو السكوت.
ويعتبر علماء الميتافيزيقيا أن الكذب هو ابتكار لأشياء لم تحدث في الحقيقة وإنما هي خيال محض، إلا أنهم اعتبروا أن مجالات مثل والخيال والموروثات الشعبية لا يمكن تصنيفها بمقاييس الصدق والكذب، لأنه لا يمكن معرفة ما إذا كانت حقيقة أم لا.
ويقوم الأدب في شكله العام على الخيال المطلق الذي يضم داخله الكثير مما لم يحدث، تقول أحلام مستغانمي في رواية ذاكرة الجسد (الحب هو ما حدث بيننا، والأدب هو كل ما لم يحدث، يمكنني اليوم بعد أن انتهى كل شيء أن أقول: هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن، فما أكبر مساحه ما لم يحدث. إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب)، وقديماً قال العرب (أجمل الشعر أكذبه).
أما التاريخ فعل الرغم من ما يحظى به من تقدير فقد تأثر بالفترات التي كتب فيها، وميول الباحثين لبعض الاتجاهات دون بعضها، الأمر الذي أدى لتشويه بعض الحقائق، مثل تشويه سيرة عدد من الخلفاء العباسيين والأمويين بحسب الفترة التاريخية، فالخليفة العباسي كان يغزوا عاماً ويحج عاماً، ولم يسلم من أن يكتب عنه الكثير من القصص التي يختلط فيها الواقع بالافتراء.
وقد اعتبر العالم (روسو) أن من الكذب ما هو بريء وهو ما لا يلحق بالآخرين أي ضرر ويعتبره مجرد تخيلات، ومنه التدليس وعادة ما يرتبط بالشهادة واليمين التي يقطعها الشاهد بأنه يقول الحقيقة، ومنه الافتراء وهو أسوأ الأنواع جميعاً لتلفيقه للآخرين ما لم يقوموا به، بينما يعتبر آخرون مثل (كانت) أن التخيلات أيضاً تعتبر كذباً ما دامت إخفاءً للحقيقة حتى لو لم يتضرر من ذلك أحد، وهو الأمر الذي اختلفت فيه الآراء.
فيرى بعض الباحثين أن الكذب الذي لا يؤدي إلى ضرر شخص واحد فإنه يؤدي لضرر البشرية بشكل عام، لأنه خرق لقيمة الصدق والثقة المتبادلة التي تدعوا إليها الشرائع والأديان، وتبنى عليها العلاقات الاجتماعية السليمة بينما يرى آخرون أن الإلزام المطلق بقول الحقيقة، حتى في الحالات التي يكون فيها للكذب غرض مفيد كالإصلاح بين الناس أو الحديث بين الزوج وزوجته؛ يجعل من المستحيل نشوء مجتمع، ودوام العلاقات بين بعضه البعض.
والكذّاب هو من يميل إلى الكذب دائماً كخيار أول، وتصبح تلك سمته، ففي الحديث الشريف: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور ليهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)،
التطور التكنولوجي يساعد على الكذب وكشف الكذب
مع التطور التكنولوجي أصبح بإمكان الباحثين التلاعب بالرسوم البيانية لأبحاثهم لتبدوا أكثر توافقاً مع فرضياتهم، فبتوسيع الفئات أو تضيقها يمكن جعل النتيجة ذات دلالة إحصائية أو العكس، وبإمكان برامج تحرير الصور والفيديوهات صنع نشاطات متعددة لشخص لا يقوم بأي منها، وإزالة بعض الأجزاء من اللقاءات التلفزيونية التي قدمت فيها الشخصيات تصريحات تتعارض مع ما تود القناة في نشره.
وفي المقابل أصبح بالإمكان كشف الكذب بشكل أسهل، فالملفات النصية على سبيل المثال تحمل اسم منشئها وكل من تداولها وعدّل فيها وما قام به من تعديل، وهو أمر يمكن لمن وصل إليه الملف أخيراً أن يعود إليه فيعرف إن كان المكتوب يعود إلى المصدر الذي يظنه أم لا؟ وكذلك فإن البيانات المحذوفة من والسعات التخزين الخارجية كالفلاش يمكن استعادتها حتى لو قام صاحبها بحذفها، وتستخدم الجهات الرسمية كاميرات المراقبة وسجلات المكالمات الهاتفية للتأكد من صحة ما يدعيه المتهمون من عدمه.
لغة الجسد والكذب
يربط علماء النفس بين الكذب ونقص الثقة بالنفس، فالكاذب لا يستطيع مواجهة المواقف بشكل مباشر، ويخشى اهتزاز صورته أمام الناس، وعادة ما يعاني من القلق وتأنيب الضمير بعد كل تزييف للحقيقة يقوم به، ويقسمون الكذب إلى أنواع بحسب أهدافه فهناك الكذب الادعائي، والكذب الوقائي، والكذب التجاري، والكذب الإعلامي، والكذب السياسي، والكذب السيكوباتي أو المضاد للمجتمع، وهو الذي يقوم به صاحبه بغرض الإيذاء، ولا يرافقه أي شعور بالذنب أو الندم.
وتربط لغة الجسد بين النظر لجهة اليسار والكذب، فالنظر لليمين خاص بالتذكر، بينما النظر لليسار خاص بالتخيل، وبشكل عام يحاول الكاذب عدم التواصل بالعين مع محدثه خوفاً من أن ينكشف كذبه، وترتبط بعض الأساليب اللغوية بالكذب، فعندما يقوم الشخص بنفي شيء لم يتم اتهامه به فعادة ما يكون قد فعله، كأن يسأل محدثه هل تظن أنني أكذب عليك؟ ولم يكن محدثه قد قال له ذلك، أو أن يأخذ وقتاً طويلاً للإجابة، فيجيب على السؤال بسؤال أو أكثر إلى أن يتمكن من صياغة رده بشكل جيد، أسئلة مثل لماذا تريد أن تعرف؟ أو ماذا تقصد بالضبط؟
وتتسبب نظريات لغة الجسد المرتبطة بالكذب في أن يشك الناس في بعضهم، نتيجة سلوكيات ترجع أحياناً إلى التوتر أو دون أن يكون صاحبها في تلك اللحظة كاذباً.