بر الوالدين
حث الدين الإسلامي على في حياتهما وبعد مماتهما طاعةً لله سبحانه وتعالى وطلبًا لمغفرته ورضاه، وظهر ذلك جليًا في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي بينهت المكانة العالية لبار الوالدين وجزاؤه العظيم في الدنيا والآخرة، وقد أوجب الله تعالى على المسلمين بر الوالدين وطاعتهما والإحسان لهما وبذل الجهد والمال في سبيل إسعادهما وجعل ذلك مقرونًا بعبادته سبحانه وتعالى وذلك دليلًا على عظم هذه العبادة المفروضة على المسلمين قال تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”.
البر في اللغة هو الخير وجمعه أبرار، أما في الإصطلاح الشرعي فهو طاعة الوالدين والإحسان لهما واحترامهما وإظهار الحب لهما، وبذل المال والجهد من أجلهما وفعل الخيرات لهما لنيل رضاهما ورضا الله تعالى، وبالمقابل فقد جعل من أكبر الكبائر وأعظمها التي يعاقب عليها الله تعالى في الدنيا والآخرة وجعله بالمرتبة التالية بعد الشرك بالله وذلك يدل على عظم هذا الذنب وسخط الله وغضبه على فاعله، وسيتضمن هذا المقال عرض بحثٍ عن بر الوالدين بما في ذلك أهمية بر الوالدين وحقوقهما وعن بر الوالدين بعد مماتهما وبعض الأدلة الشرعية على وجوب بر الوالدين في القرآن والسنة النبوية.
أهمية بر الوالدين
إن لبر الوالدين في الدين الإسلامي فضل عظيم وأهمية كبيرة وهو مفتاح الخيرات كلها للمسلم في الدنيا والآخرة ومن ذلك أن بر الوالدين يحقق المنافع التالية:
- بر الوالدين سبب أساسي لدخول الإنسان المسلم الجنة، ويُستدل على ذلك الحديث النبوي: “عن أبي هريرة عن النبي قال: “رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة”.
- بر الوالدين يفرّج الكروب والهموم والمصائب عن المسلم ويحقق الأمنيات ويجعل الدعاء مستجابًا لصاحبه، وهو طريقة لذهاب الهم والغم والحزن عن المسلم.
- بر الوالدين من أحب الأعمال أو العبادات إلى الله بعد ومقدّمٌ على الجهاد في سبيل الله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “أقبل رجل إلى النبي فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال : “هل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: “فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: “فارجع فأحسن صحبتهما”.
- بر الوالدين من رضا رب العالمين وسخطهما من سخطه، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي قال: “رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين”.
- بر الوالدين يحفظ للمسنين كرامتهم ويجنبهم المكوث في دور المسنين.
- بر الوالدين يحقق التكافل الإجتماعي ويسهم في تطور المجتمع ونشر الرحمة والخير بين الناس.
- بر الوالدين يحقق البركة للمسلم البار في رزقه وولده وزوجته ويشعره بالراحة والإستقرار والسعادة الداخلية ويزرع فيه حب الخير والعطاء.
حقوق الوالدين
من أبرز مظاهر بر الوالدين والحقوق الواجبة على الأبناء تجاه والديهما ما يلي:
- طاعة الوالدين ووصلهما وتنفيذ أوامرهما والإنفاق عليهما عند الحاجة.
- معاملة الوالدين برفقٍ ولين والتواضع لهما وتقديمهما على النفس في المشي والكلام والجلوس إكرامًا لهما.
- خفض الصوت عند الحديث معهما وعدم الصراخ في وجههما أو انتقادهما أمام الناس أو الإنتقاص من كلامهما.
- الحدبث معهما بلطافة وأدب وانتقاء أجمل العبارات أثناء الحديث معهما.
- الإحسان لهما وعدم الشعور بالضيق والغضب من أسئلتهما أو تدخلهما أو طلباتهما المتكررة خاصة عند مرحلة الشيخوخة.
- عدم مجادلة الوالدين أو الكذب عليهما والدعاء الدائم لهما.
- تخصيص الأم بمزيد من الحب والإهتمام والرعاية عن الأب وذلك لجهدها وتعبها وسهرها على الإبن في جميع مراحله العمرية منذ الحمل و والرضاعة إلى التربية حتى أصبح شابًا.
- شكر الوالدين والامتنان لهما على عطاءهما، وتفضيلهما على النفس والولد والزوجة.
- مجاهدة النفس على رضاهما في الأمور المباحة في الشريعة حتى لو كانا غير مسلمين.
بر الوالدين بعد الممات
بر الوالدين لا ينتهي بموتهما بل يمتد لما بعد الموت عن طريق أداء بعض الأمور التي تكمّل مظاهر البر والطاعة لهما حتى بعد الممات ومنها: لهما بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة في معظم الأوقات، والإستغفار لهما وتنفيذ عهدهما، وإكرام أصدقائهما ووصل أقربائهما. يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، و صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما”.
أدلة شرعية على بر الوالدين
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية عدد كبير من المواضع التي تدل على وجوب طاعة الوالدين والإحسان لهما في الحياة وبعد الممات ومن بين هذه الأدلة:
أدلة من القرآن الكريم:
- من سورة البقرة: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ”.
- من سورة الأحقاف: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ”.