حاتم الطائي
كما ورد عن ابن كثير في كتاب البداية والنهاية، هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن أبي أحزم، واسمه هو هرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وأمه هي عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم الطائية، وهو أحد أبرز شعراء الجاهلية الفرسان والشُّجعان، وهو من أهل نجد، وله زوجتان وهما النوار وكانت ممن يلوم حاتماً على جوده، وماوية بنت عفزر، وهي إحدى بنات ملوك اليمن، حيث تزوجها عندما وفد على الحيرة، وكانت ممن يُشجع حاتماً على الكرم، وتُحب فيه كرمه وسخائه، وقد كان لحاتم ثلاثة أبناء، عبد الله، وعُدي وسفانة، وكان يُكنى باسمها حيث إنها كانت أكبرهم.
لم يُعرف تاريخ ميلاد على وجه الدقة كما اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وفاته، ويُعتقد أنه عاش نحو 60 عاماً، وأن سنة وفاته هي 15 ق.هـ أي 607م، وأغلب الروايات المتفق عليها في تاريخ وفاته هي أنها كانت سنة 46 ق.هـ أي 577م، ويُقال أيضاً أنه توفي في العام الثامن من مولد الرسول -عليه الصلاة والسلام- ودُفن في تنغة في وادي حائل حالياً، وأياً كان تاريخ وفاته فقد أجمع المؤرخون على أنه توفي قبل بعثة وكان نصرانياً، أما ولده عُدي وابنته سفانة فقد أدركا الإسلام وأسلما.
شخصية حاتم الطائي
إن من يقوم بأي بحث عن شخصية حاتم الطائي يجد أنه كان معروفاً بكرمه وسخائه، وقد كانت أمه عتبة سخية جداً، حتى أن إخوتها حجروا عليها وأخذو مالها ليمنعوها من تبذيره، وقد نشأ ابنها حاتم مقتدياً بها في السخاء والكرم، ومن صفاته وأبرز سماته أنه كان إذا قاتل ظفر، وإذا سابق سبق، وإذا غنم أنهب، وإذا أسر أطلق، وكان إذا سُئل لم يبخل على السائل بالإجابة، وقد ورد عن أبي عبيدة أن أجواد العرب ثلاثة وهم حاتم الطائي، وهرم بن سنان وكعب بن مامة، كما وردت العديد من القصص والروايات في شجاعته، وعفته وكرمه، حتى أصبح يُضرب به المثل فيُقال: (أجْوَدُ من حاتم)، حيث إنه لم يكُن يخطُ خطوة إلّا تبعها بالإنفاق والجود، وتذكر الروايات أن أبنائه كانوا يسيرون على نهجه في الكرم.
وكان حاتم الطائي سيداً في قومه، كما كان طويل الصمت، وكان حافظاً لِلوُّد، ولم يكُن يظلم أحداً سواء كان قريباً أم بعيداً، كما كان يصدق قوله فعله، وكان يُعتبر صعلوكاً فذاً من الصعاليك، فكان يجمعهم ويعطيهم المال بسخاء ويرعاهم، ولم يكن حاتم ممن يكتفي باللباس وتناول الطعام وإنفاق المال فقط، وإنما كان يؤمن أن الإنسان أعظم من ذلك، وعليه أن يتحدى الصعاب ويسير نحو مطامحه وأن تكون له غاية عظيمة في الحياة، ومن صفات شخصية حاتم أنه كان شاعراً إيجابياً من الجانب الخُلقي، فكان يُعبِّر عن الإيمان بالحياة وحِكمتها في شعره، وكان يُوصف بأنه شاعراً بليغاً ومُتقِناً.
مواقف من كرم حاتم الطائي
تتعدد مواقف لما عُرف به من سخائه وجوده، ومن هذه المواقف ما روته زوجته، أنه في إحدى السنوات أصابهم الجفاف ولم يستطيعوا النوم من الجوع، حيث باتت هي وحاتم تلك الليلة وهما يلهيان أطفالهما بالحديث حتى ناموا وهم جِياع، وتظاهرت هي الأخرى بالنوم، وإذ بامرأة تطرق الباب على حاتم، تشكو إليه جوع أطفالها، ولم يستطع حينها أن يردها، وقال لها والله لأشبعنهم، وقام إلى فرسه، ثم نحرها، وأشعل النار وشوى لهم اللحم، فأكلت المرأة وأكل أولادها حتى شبعوا، وقيل أنه مرّ على جيرانه وأطعمهم أيضاً وبات تلك الليلة وهو يتضور جوعاً.
وقيل أيضاً أن أحد قياصرة الروم وصلته أخبار عن كرم حاتم، فاستغرب منها، وعَلِم أن لِحاتم فرساً عزيزة، فأرسل رسولاً إليه ليطلبها منه، وعندما دخل الرسول إلى بيت حاتم استقبله على أحسن وجه، ولم يكن يعلم أنه رسول من القيصر، ولم يجد ما يُطعم ضيفه حينها إذ كانت المواشي في المرعى، فخرج إلى فرسه ونحرها وأشعل النار عليها، ثم دخل إلى البيت ليحادث الضيف، فطلب الرسول منه الفرس، فاستاء حاتم وقال له: لو أنك أخبرتني بذلك قبل الآن، فقد نحرت الفرس إذ إني لم أجد جزوراً غيرها، فتعجب الرسول من كرم حاتم، وقال له أنه قد رأى منه أكثر مما سمع.
شعر حاتم الطائي
كان حاتم الطائي شاعراً حسناً، فقد ورد عن ابن الأعرابي أن حاتم شاعراً جواداً يُشبه شعره كرمه، وكانت له أشعار كثيرة ضاع أغلبها وبقي منها ديوان مطبوع، ومعظم شعر حاتم الطائي كان يدور حول العطاء والجود، والحفاظ على ، وكان شعره ينبع من مواقفه في الحياة ومن قيمه بها، وكان شعر حاتم مرادفاً للفروسية، كما كانت ألفاظه وتراكيبه فصيحة وسهلة، كان من أغراضه الفخر بكرمه وعفته، كما ذكر فيه شيئاً من الحماسة والحِكمة، وقد غلبت على شعره الصفة النفسية بدلاً من الصفة الفنية، وذكر فيه الهموم البشرية، وعبّر فيه عن حدسه المُباشر، ويُقصد بذلك أنه كان شعراً بديهياً ويغلب عليه الطبع وليس التطبع.
ومن شعره الذي يفخر فيه بنفسه ويذكر فيه الفقر والغنى:
أماويّ، إن المال غاد ورائح
:::ويبقى من المال الأحاديث والذكر.
أماويّ، إني لا أقول لسائل
:::إذا جاء يوما: حلّ في مالنا نزر.
أماويّ، ما يغني الثراء عن الفتى
:::إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر.
أماويّ، إن يصبح صداي بقفرة
:::من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر.
ومن شعره الذي يترفع فيه عن الدنيا:
كريمٌ، لا أبيت الليل ، جاد
:::أعدِّدُ بالأنامل ماوزيت.
إذا مابت أشرب فوق ري
:::لسُكرٍ في الشَّراب فلا رويتُ.
إذا مابِتُّ أختِلُ عِرس جَاري
:::لِيُخفيني الظَّلامُ فَلا خَفيتُ.
أأفضَحُ جارَتي وأخُونُ جارِي
:::معاذ الله أفعلُ ماحييتُ.
ومن شعره في شرفه وحِكمته:
ولستُ، إذا ما أحدَثَ الدّهرُ نكبَة ً
:::بأخضع ولاّج بيوت الأقاربِ
ولا أشتري مالاً بِغَدْرٍ عَلِمْتُهُ
:::ألا كلّ مالٍ، خالَطَ الغَدْرُ، أنكَدُ
إذا كانَ بعضُ المالِ رَبّاً لأهْلِ
:::فإنّي، بحَمْدِ اللَّهِ، مالي مُعَبَّدُ
يُفّكّ بهِ العاني، ويُؤكَلُ طَيّباً
:::ويُعْطَى، إذا مَنّ البَخيلُ المُطَرَّدُ
كلوا الآن من رزق الإله، وأيسروا،
:::فإنّ، على الرّحمانِ، رِزْقَكُمُ غَدا
وإنّي لعَبْدُ الضّيفِ، ما دام ثاويا
:::وما فيّ، إلاّ تلكَ، من شيمة ِ العَبدِ