صلاح الدين الأيوبي
يعد قائداً عسكريا محنكا عاش إبان القرن الثاني عشر الميلادي، ويعد رمزا من رموز انتصار والمسلمين على الحملات الصليبية التي شنها المسيحيون خلال فترات متعددة، كما استطاع أن يوحد ومصر بعد أن قضى على الفاطميين، كما أن استرجاع القدس من يد الصليبيين يعد أهم إنجازاته كلها.
مولده ونسبه
ولد “صلاح الدين يوسف بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي”، الشهور باسم “صلاح الدين الأيوبي” في مدينة “تكريت” حوالي سنة 1138م، فقد كان والده “نجم الدين أيوب” واليا عليها، ويرجع “ابن الأثير” في كتابه “الكامل في التاريخ” أصل الأيوبيين إلى “أرمينيا” الواقعة في القوقاز بين تركيا وجورجيا.
طفولته وتعليمه
انتقل “نجم الدين أيوب” إلى “بعلبك”، ثم إلى “دمشق” التي تذكر النصوص التاريخية أن “صلاح الدين الأيوبي” قضى معظم طفولته بها، وذاك هو سر عشقه الشديد لبلاد الشام وخاصة “دمشق”، وتلقى تعليمه بها وبرع في دراسته، وقد وصفه العديد من المستشرقين على رأسهم “ليونز Lyons” و “جاكسون Jackson”، كما يذكر الدكتور عبد الوهاب بن منصور أن صلاح الدين الأيوبي كان أكثر شغفا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي وبالعلوم العسكرية، كما كان ملما بعلم الأنساب والسير وتاريخ العرب والشعر.
بدايات صلاح الدين الأيوبي في الجيش والمعارك
كان صلاح الدين الأيوبي في بدايات حياته العسكرية يبلغ من العمر ستا وعشرين سنة، و كان جنديا عاديا في فريق عمه القائد العسكري “أسد الدين شيركوه” الذي كان يحارب تحت لواء”أمير الدين زنكي” ملك الدولة “الزنكية”، وفي خضم صراعات سياسية شهدتها في سنواتها الأخيرة، أتى الوزير الفاطمي “شاور بن مجير السعدي” من مصر إلى دمشق هاربا وطالبا العون على الوزير “ضرغام” الذي هزمه وقتل ابنه في مصر، فلبى “نور الدين زنكي” نداء النجدة ليرسل معه القائد “أسد الدين شيركوه”، فذهب “صلاح الدين الأيوبي” الذي عينه عمه مقدم العسكر الذي سينقذ مصر، وبالفعل انتصروا على “ضرغام” الذي فر بعد أن أيقن بهزيمته، إلا أن “شاور بن مجير السعدي” لما تمكن من الوزارة غدر بأسد الدين وابن أخيه، حيث استنصر عليهم بالنصارى الذين حاصرو جند “أسد الدين” في مدينة “بلبيس” المصرية مدة ثلاثة أشهر (بن “الأثير”،كتاب “الكامل في التاريخ”)، فأُجبروا على الانسحاب بسبب قلة الجند والعتاد، إلا أن الملك “نور الدين زنكي” أعاده مع “” إلى مصر بجيش عرمرم قادمين من الشام، فتزامن وصولهم إلى مصر مع وصول النصارى اللذين تحالفوا مع الفاطميين ضدهم، فحمي الوطيس بينهم في أول معركة وهي معركة “الجيزة” التي سطع فيها نجم “صلاح الدين الأيوبي”، فقد استطاع أسر أحد قادة الجيش الصليبي، فكان أول انتصار ساحق لجيوش أسد الدين الذي سيتوجه بعد ذلك إلى مدينة “الإسكندرية” التي فتحت له أبوابها مرحبةً بقدومه بسبب كره أهلها للوزير الفاطمي “شاور”، وسرعان ما أعاد هذا الأخير بمعية الصليبيين إعادة ترتيب أوراقهما ليلحقا أسد الدين، فضربا حصارا على ، إلا أنه لم تدر بينهم معارك في الإسكندرية، حيث اتفق الجيشان على الهدنة شريطة خروج الجيوش “النصرانية” والجيوش “الشامية” من مصر، وبالفعل خرج أسد الدين من مصر بتاريخ 18 غشت سنة 1167م (ستيفن رونسيمان، كتاب”تاريخ الحروب الصليبية” الجزء الثاني). عاد أسد الدين إلى مصر مرة ثالثة، وذلك لأن النصارى أرادوا دخول مصر والاستيلاء عليها لتخلف وزيرها “شاور” عن دفع الإتاوة إلى الحامية الصليبية بمصر، فأرسل الوزير الفاطمي إلى أسد الدين يستنجد به فلبى، فخرجت الجيوش النصرانية من مصر، ليدخل أسد الدين القاهرة سنة 1169م، وألقى القبض على “شاور” الذي أَصدر الخليفة الفاطمي “العاضد لدين الله” أمراً بقتله، وعين مكانه أسد الدين كوزير (ابن “الأثير”،كتاب “الكامل في التاريخ”).
تولي صلاح الدين الأيوبي مراكز القيادة
لم يعد للخلفاء الفاطميين خلال مراحل أفول دولتهم أي دور سياسي يذكر، فكان وزراؤهم يستأثرون بالسلطة، ولما تولى “أسد الدين شيركوه” الوزارة أصبح تسيير كل أمور البلاد بيده، وعندما توفي أسند الخليفة الفاطمي آنذاك الوزارة لصلاح الدين الأيوبي (“عماد الدين الأصفهاني، كتاب: “الفتح القسي في الفتح المقدسي”). إلا أن تولي صلاح الدين الأيوبي لهذا المنصب ولد العداء في قلوب بعض الجنود والأمراء الفاطميين اللذين حاولوا اغتياله فألقي القبض عليهم وقتلوا، بعد ذلك حاولوا أن يؤججوا خمسين ألف جندي من الزنوج ضد صلاح الدين الذي استطاع أن يكسر شوكتهم، فكانت تلك آخر انتفاضة ضد صلاح الدين في المدينة، إذ أصبحت مصر تابعة سياسيا للدولة الزنكية.
أخذ صلاح الدين يقوي مركزه ونفوذه في مصر بعد زوال الدولة الفاطمية، ويسعى إلى الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة للموالين له، ثم عزل القضاة الشيعة واستبدلهم بقضاةٍ ذوي مذهب شافعي، وأمر بأن يُذكر في خطب الجمعة كل الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، كما أسس مدرستين كبيرتين هما مدرسة “الناصرية” و المدرسة “الكاملية” تدرسان مذهب أهل السنة والجماعة، وتلقنان علوم الشريعة وفق المذهبين المالكي والشافعي السنيين.
تبعية مصر للدولة الزنكية واستقلالها
لم يستقل صلاح الدين الأيوبي بشكل تام عن الدولة الزنكية، إلا أن علاقته بالملك “نور الدين زنكي” لم تكن بالجيدة، فقد بدأت تتوتر منذ تولى صلاح الدين أمر مصر، وفي سنة 1174م قرر نور الدين زنكي جمع جيش ضخم والتوجه إلى مصر في محاولة منه لعزل صلاح الدين الأيوبي، إلا أن حملته تلك توقفت بسبب مرضه الشديد الذي أدى به إلى الوفاة سنة 1174م وهو في التاسعة والخمسين من عمره (تيسير بن موسى، كتاب: “نظرة عربية على غزوات الإفرنج من بداية الحروب الصليبية حتى وفاة نور الدين”)، هكذا استحال صلاح الدين الأيوبي سيداً على مصر مستقلا عن أية تبعية سياسية، مؤسسا بذلك الدولة الأيوبية التي ستوحد مصر والشام بعد معارك عديدة مع الزنكيين، كما حاربت الصليبيين نصرةً للإسلام.
أهم إنجازات صلاح الدين الأيوبي
تقول بعض المصادر التاريخية أن صلاح الدين الأيوبي بعد وفاة الملك “نور الدين زنكي”، انطلق إلى دمشق التي رحبت بقدومه، فتزوج من أرملة “نور الدين زنكي” معززا بذلك سلطته وشرعيته في الشام، ثم تمكن من فرض سيطرته على حلب والموصل، وإبان تعزيزه لنفوذه ببلاد الشام، قرر إعلان الهدنة مع الصليبيين سنة 1178م ريثما يسترجع جيشه قوته، إلا أنه أغار عليهم بعد عام وهزمهم في معركة “مخاضة يعقوب”، كما استطاع القضاء على الجيش الصليبي بشكل كبير في المعركة الشهيرة تاريخيا باسم “معركة حطين” سنة 1187م الموافق 583هـ، هذه المعركة التي ستفتح الباب على مصراعيه لاسترداد مناطق متعددة من الصليبيين، وأهم هذه المناطق “بيت المقدس” التي فتحها بعدما استطاع فتح كافة مدن الساحل الشامي، فَسُلِّمت مفاتيح القدس لصلاح الدين الأيوبي، فابتهج الناس بعودة القدس لحوزة المسلمين، ومن الأبيات التي أُنشدت في صلاح الدين الأيوبي:
- هذا الذي كانت الآمال تنتظر…… فَلَيوف لله أقوام بما نذروا
- هذا الفتوح الذي جاء الزمان به….. إليك من هفوات الدهر يعتذر
- تجل علياه عن دح يحيط به ……وصف وإن نظم المدَّاح أو نثروا
- لقد فتحت عصياًّ من ثغورهم…… لولاك ما هدَّ من أركانها حجر