علم التفسير
مّن الله عز وجل على الإنسان بنعمة العقل ليميزه عن بقية الكائنات الحية؛ فيصبح قادرًا به على البحث عن الحقائق والالتفات إليها والمضي قدمًا نحو طريق الهداية، وفي حال البقاء بغفلةٍ من أمره فإنه سيضل حتمًا، ومن ضمن الأمور التي يمكن للإنسان استغلال العقل بها التفسير؛ وهي عملية عميقة تعتمد على حزمة من القواعد والأصول للوصول إلى الحقائق والبحث عنها، وتعد هذه الأصول والقواعد بمثابةِ معالم أساسية للتعرف على المراد الإلهي من آيات الذكر الحكيم، ففي حال غفلة المفسر عنها سيكون غير مدركًا لأوامر الله سبحانه وتعالى؛ وبالتالي لا يصل إلى الحقيقة، وقد جاء في قوله تعالى في سورة الملك ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ الملك: آية 22، وفي توضيح مفهوم لغةً واصطلاحًا؛ فإنه لغةً يعود للفعل الثلاثي فسّر ومعناه الاستدلال على بيان الشيء وتوضيحه وإظهار المعنى المطلوب من اللفظ والمستوحى من الفسر، أما في الاصطلاح فإنه علم متخصص في توضيح معاني ومفاهيم القرآن الكريم وأوامره الإلهية مما يوصل الإنسان إلى معرفة أوامر الخالق عز وجل ونواهيه بالاعتماد على القدرات البشرية، كما أنه المحاولة العظيمة في تبديد الخفاء واستخراج دلالات المصطلحات والكلمات في الآيات القرآنية للوصول إلى مقاصدها، وبناءًا عليه فإن التفسير علم يطغى عليه الكشف والبيان والتوضيح للمفاهيم اللغوية الموجودة في رحاب الكريمة وتحقيق الترجمة الحرفية للألفاظ هناك، ومن خلال السياق يستدل بأن علم التفسير يتخذ موضوعًا محددًا هو المعاني والدلالات والمقاصد الواردة في النص القرآني أساسيات علم التفسير books.almaaref, 9/6/2020.
وقد أشار بعض العلماء إلى توضيح مفهوم علم التفسير ومنهم السيوطي بأنه علمٌ يدرس نزول الآيات الكريمة ويقف على أسباب ذلك وأقاصيصها وتوضيح مكان نزولها وتصنيفها ما بين مدنية ومكية، ويستكشف الأحكام والنواسخ والمسنوخات والخواص والعوام منها للوصول إلى تفسير واضح، كما أن علم التفسير مهتم بالدرجة الأولى بإبراز الحلال والحرام والأوامر والنواهي والأمثال والعبر والوعيد والثواب وغيرها من الأمور التي ينفرد بها القرآن الكريم بصفته كلام إلهي مقدس، ويعتبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرائد الأول في تفسير كتاب الله سبحانه وتعالى؛ فقد فسر للخلائق ما أنزل الله على قلبه من كلام مبين، وقد حظي بتسميته باعتباره متخصص بالكشف والتبيين والتوضيح، وهو علم منبثق من علوم البيان وأصول الفقه واللغة والنحو والصرف وغيرها نظرًا للحاجة الماسة له للوقوف على أسباب النزول والتعرف على المنسوخ والناسخ مقدمة في علوم القرآن الكريم – علم التفسير iid-quran, 9/6/2020.
مكانة علم التفسير وأهميته
يحطى علم التفسير بمكانةٍ مرموقةٍ بين مختلف العلوم الدينية، وذلك لاعتباره من أجل وأشرف العلوم على الإطلاق؛ فهو محيط من المعرفة وعلم ذو بركةٍ عظيمة نظرًا لتعطش الأمة الإسلامية والعالمين إليه، فقد مّن الله -سبحانه وتعالى- أهل التفسير وعلماؤه بمكانةٍ عظيمة وجعلهم المرجع الأول والمصدر الموثوق به لاستيعاب وفهم كلام الله تعالى والوقوف على المغزى والمراد منه، فيعلو شأن طالب علم التفسير ويُمّد بقوةٍ وجد واجتهاد، ومن أبرز فضائل علم التفسير:
- علم هام ومساعد في فهم ومعرفة أوامر ونواهي الخالق عز وجل وفهم كلامه عن كثب، والاطلاع على كل ما جاء به القرآن الكريم من خير.
- مفسر القرآن الكريم يصبح ذو علمٍ لا ينصب بحكم استخراجه الأمور المباركة من أعظم كتاب، وتتفاوت الآراء والتفسيرات في فهم القرآن الكريم؛ أي الاختلاف بالمراتب باستخراج حكم أو حكمين أو عشرة مثلًا من الآية الواحدة، بينما قد يقتصر استيعاب وتفسير البعض على اللفظ دون أي تنبيهات أو إشارات مثلًا.
- باب واسع جدًا أمام طالب العلم يتيح له الفرصة للخروج من غياهب الجهل والمضي قدمًا نحو النور حيث العلم والمعرفة، فعندما يتذكر الإنسان كلمة ويربطها بآية كريمة ويبدأ بالبحث عن مفهومها وموضعها فإن ذلك مرتبة عظيمة.
- غرس جذور المتعة في نفس القارئ للقرآن الكريم عندما يكون مطلعًا وعالمًا بالمقصود والتفسير الصحيح للآيات.
- الانشغال بتفسير القرآن الكريم يمنح الإنسان منزلة عظيمة فهو منصب على التعمق بأشرف وأعظم وأصدق الكلام الذي لا يشوبه الشك ولا الريبة ولا يأتيه أي باطل إطلاقًا، فتعم البركة على طالب العلم وأهله وماله.
- ارتفاع مكانة المفسرين ودرجاتهم؛ باعتباره العلم الأفضل والأجمع بين كافة العلوم، فمن يسعى للوصول إلى العلم الأفضل فما عليه سوى طرق أبواب التفسير والتدبر بالقرآن الكريم.
- العلم العميق بالأصول والأحكام الفقهية ومسائل العبادات والمواريث والأحكام وكافة تفاصيل حياة الإنسان، والتعرف على الأصول الإيمانية والاعتقاد السليم.
- الإبصار والاطلاع على علم الدعوةِ والمضي به في سبيل الله تعالى، فيصبح المسلم عالمًا بأهمية وأنواع مراتب الدعوة الإسلامية وأهم الصفات الواجب التحلي بها من قبل الداعي، والكشف عن طرق *التعامل مع المخالفين بغض النظر عن اختلاف مراتبهم.
- علم أسلوب هام في الوصول إلى تفاصيل السياسات الشرعية والمقاصد الشرعية والكيفية الواجب حكم ومراعاة الرعية وتربيتها بالقرآن الكريم.
- تنظيم شؤون حياة العبد وإيصاله إلى طريق الحق وسبل التخلص من شرور الشيطان والإنس والنفس وفتنة الدنيا، وجاء ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: آية 9
- الكشف عن طرق الهداية والابتعاد عن الضلالة، فيكون الاعتصام بالله عز وجل وكل ما يوصل إليه، فيوضح المفسر للناس كيفية الاعتصام بالله تعالى، وقد جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون». قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد اللهم اشهد. ثلاث مراتٍ» رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه