علم التفسير
في اللغة العربية مأخوذٌ من الفسر وهو الإيضاح والبيان والكشف، والتفسير أو علم التفسير في الاصطلاح هو العلم الذي يبحث بفهم القرآن الكريم المنزل على سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- وفهم وبيان معاني القرآن واستخراج الحِكم والأحكام والاعتماد في تفسيره على علوم اللغة العربية والنحو والتصاريف وعلوم البيان وأصول الفقه الإسلامي وعلم القراءات وما يحتاجه من فهمٍ للقرآن من أدوات كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الرياض: مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1987م، ج2،ص492.
نشأة علم التفسير وتطوره
كانت البدايات الأولى لظهور علم التفسير منذ بدايات نزول على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُفسِّر للصحابة الكثير من الآيات القرآنية التي تنزل إليه من خلال بيان المقصود بالغامض منها، وكان الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- يسألون النبي عن كل ما يختلفون في تفسيره، ولأن الصحابة كانوا أهل فصاحةٍ وبلاغةٍ بقي الأمر كذلك حتى الكريم -صلى الله عليه وسلم- بل حتى بعد وفاته؛ فكان الصحابة يُفسِّرون القرآن الكريم إذا أرادوا تفسير آيةٍ شابها غموضٌ من خلال الرجوع أولاً إلى كتاب الله تعالى، فيُفسِّرون القرآن بالقرآن من خلال جمع آيات كتاب الله تعالى المتعلقة بنفس الموضوع، وحمل المطلق منها على المقيد، وحمل العام على الخاص، وبذلك يربطون بين آيات الله تعالى للوصول إلى فهم القرآن الكريم وتفسيره من خلال تفسير القرآن بالقرآن.
وكان الصحابة إذا لم يجدوا مجالاً لتفسير القرآن بالقرآن رجعوا إلى السنة النبوية المطهرة، فيُفسِّرون القرآن الكريم من خلال ما ورد في السنة النبوية من تفسير الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- للكثير من الآيات القرآنية الكريمة، ثم إذا لم يستطيعوا تفسير آيات القرآن الكريم بالاستعانة بالقرآن أو السنة؛ كان الصحابة يُفسِّرون القرآن بالاجتهاد من خلال فهمهم؛ فهم البارعون باللغة العربية وهم أهل الفصاحة والبلاغة.
وأما التابعون فبالإضافة لتفسير القرآن الكريم بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة، فقد كان لديهم حصيلة لا بأس بها من تفاسير الصحابة الذين عاشوا معهم وتعلموا على أيديهم، ومن أشهر المشتغلين بالتفسير من التابعين: سعيد بن المسيب، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم.
وبعد عصر التابعين بدأ تدوين التفسير، ولا يمكن معرفة أول كامل لتفسير القرآن الكريم، إلا أن بدايات التدوين كانت بتدوين التفسير منقولاً بدون أسانيد، ثم بدأ بعد ذلك تدوين التفسير بإسناد كل قولٍ أو تفسيرٍ إلى صاحبه، وتنوعت التفاسير بعد عصر التابعين تبعًا لتنوُّع المناهج في التفسير كالتفسير بالمأثور، والتفسير باللغة، والتفسير بالرأي.د. محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الطبعة الثانية، 1976م، ج1، ص37 وما بعدها
الحاجة إلى التفسير
تظهر الحاجة إلى ، بأنّ الله سبحانه وتعالى قد خاطب الناسَ بما يفهمون ويدركون؛ ولذلك فقد أرسل للناس رسلاً من أنفسهم يحدثونهم بلغتهم التي يتقنونها، وفي علم التفسير فائدةٌ عظيمةٌ؛ فالقرآن لِقوَّتِه وفصاحته فإنّه يجمع المعاني الدقيقة بأوجز الألفاظ، وبناءً عليه فما يمكن أن يُشكل فهمه من دقائق المعاني، وما خفي منها يمكن شرحه وبيانه وتوضيحه بالتفسير، كما أنّ اللفظ في اللغة العربية يحتمل معاني متعددة، مثل الألفاظ المشتركة التي تدل على عدّة أشياء، أو تشترك مع مجموعة أمور بنفس اللفظ المشترك.جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الرياض، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1987م، ج2، ص492-493.
العلاقة بين القرآن والسنة
ترتبط السنة النبوية المشرفة بالقرآن الكريم ارتباطاً وثيقاً، ويظهر هذا الارتباط من عدة أوجه على النحو الآتي:د. محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الطبعة الثانية، 1976م، ج1، ص55-57.
- بيان السنّة لمجمل القرآن الكريم، فقد جاءت في القرآن الكريم مُجملةً بدون تفصيل، وجاءت السنة النبوية فبينت وفصَّلت مواقيت الصلاة، وعدد ركعاتها، وبيان كيفية الصلاة، كما وضّحت السنة ما أَشكل من القرآن الكريم، ومثال ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- فسّر الخيط الأبيض والخيط الأسود الوارد في قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر )سورة البقرة: الآية178 ففسّرها الرسول بأنها سواد الليل وبياض النهار، ومن بيان السنَّة تخصيص عام القرآن ومثال ذلك تخصيص الظلم الوارد في قوله تعالى: (الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)سورة الأنعام : الآية 82 فالصحابة الكرام فهموا لفظ الظلم على عمومه، ففسّر الرسول المقصود بالظلم وأنّه هنا الشرك، ومن بيان السنّة للقرآن تقييد المُطلق؛ مثل تقييده -عليه الصلاة والسلام- اليد الواردة في قوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما)سورة المائدة: الآية 38 حيث قيدها باليد اليمين.
- جاءت السنّة لبيان معنى اللفظ القرآني أو بيان متعلقه، وذلك مثل بيان المغضوب عليهم الوارد في سورة الفاتحة بأنّهم اليهود، والضّالين بأنّهم النصارى.
- بيان السنّة لأحكام زائدة: فإضافةً لما جاء في القرآن الكريم حيث وردت هذه الأحكام في السنّة ولم ترد في القرآن الكريم، مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج.
- من بيان السنّة بيان النسخ في القرآن الكريم، من خلال بيان الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن الكريم.
- بيان التأكيد، ويُقصد ببيان التأكيد أنّ من السنّة ما يأتي موافقًا لما جاء في القرآن الكريم لتأكيد الحكم الوارد في القرآن وتقويته.
أشهر التفاسير
اشتهرت في تفسير القرآن الكريم الكثير من التفاسير وفيما يأتي بعض هذه التفاسير على سبيل المثال لا الحصر: الألوكة: مناهج المفسرين
- تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، يهتم هذا بتصحيح الروايات الواردة فيه وتضعيفها، كما يهتم بإيراد الآثار بأسانيدها، ويعتمد على التفسير بالقرآن والسنة وفهم سلف الأمة، ولا يورد الإسرائيليات بدون أن يشير إلى أنها من الإسرائيليات.
- تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، وفي هذا التفسير يتم ذكر الروايات بأسانيدها ولكنه يتركها دون أن يحكم عليها من حيث الصحة أو الضعف، ويورد الأقوال الفقهية مع الترجيح بينها، ويهتم بإيراد القراءات والاستفادة منها في التفسير، ومن الجدير بالذكر أنه يورد في تفسيره الإسرائيليات فينبه على بعضها ويترك التنبيه على بعضها الآخر.
- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، وفي هذا التفسير يورد القرطبي الأحاديث بدون إسنادٍ في الغالب، مع اهتمامه بالمسائل الفقهية والترجيح بينها بالدليل دون أن يتعصب لمذهبه حيث أنه مالكي المذهب.