تاريخ مصر الحديث والمعاصر
مرَّ تاريخ مصر الحديث والمعاصر بأحداث كبيرة ومهمّة منذ أواخر القرن التّاسع عشر وحتّى نهاية الحرب العالميّة الثانيّة، مثل الاستعمار البريطانيّ، وتأسيس حزب الوفد والتّحوّل الدّيمقراطيّ، وفترة جمال عبد النّاصر، وأنور السّادات، وحسني مبارك، وهذه المقالة ستناقش عددًا من المراحل المهمّة التي مرّت على تاريخ مصر:
مرحلة الاستعمار البريطانيّ
قبل الحرب العالميّة الأولى كانت مصر تحت الحكم الإمبراطوريّ العثمانيّ، ولكنّ فعليًّا كانت مصر تحت سيطرة الإمبراطوريّة البريطانيّة، وبعد شراء حصّة كبيرة من قناة السّويس، أرسلت بريطانيا مسؤوليها إلى مصر ليس فقط لضمان تشغيل قناة السّويس بشكل صحيح ولكن أيضًا للتّأكّد من أنّ مصر كانت تدفع ديونها لبريطانيا، ومن هذه الفترة الزّمنيّة وصاعدًا، استخدمت بريطانيا مصر وتلاعبت بالفضاء السّياسيّ فيها حتّى تحميَ مصالحها المحلّيّة والدّوليّة.
تاريخ مصر بعد الحرب العالميّة الأولى
بعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، عمل البريطانيون على ضمان عدم فقدان مصالحهم في مصر؛ لذا قاموا بنفي كبار الشّخصيّات السّياسيّة مثل سعد زغلول وغيره، ممّن سعوا إلى تحرير مصر من الإمبرياليّة البريطانيّة، بالإضافة إلى ذلك، عندما منحت بريطانيا مصر استقلالها، كان استقلالًا بالاسم فقط، وفي الواقع كان من الواضح أنّ الحكومة البريطانيّة أنشأت مصر بطريقة تمنحها السّيطرة السّياسيّة عليها، مثلًا أعطى الدّستور المصريّ بعد الاستقلال صلاحيّات كبيرة جدًّا للملك فؤاد، ولم يكن حزب الوفد مستعدًّا لقبول أيّ شيء غير الاستقلال التّامّ، ولكنّ الملك فؤاد الأوّل كان على استعداد للحفاظ على الوجود البريطانيّ؛ لأنّ هذا يعني الحفاظ على حكمه، ونتيجة هذه الظّروف عانت الدّيمقراطيّة المصريّة في ذلك الوقت.
في عام 1936 كان هناك بعض الأمل في أن تحصل مصر على استقلالها الكامل من بريطانيا، وكانت بريطانيا على استعداد للعمل مع القادة المصريين فيما يتعلّق بإصلاح الدّستور، وهذا يعود جزئيًّا إلى المحاولات الإيطاليّة لاحتلال إثيوبيا، ولكنّ معاهدة عام 1936 ما زالت تسمح لبريطانيا بإدارة قناة السّويس، إضافة إلى ذلك فقد اتّفقت بريطانيا مع مصر على أنّه إذا تعرّضت مصر لهجوم يمكن لبريطانيا الدّفاع عنها عسكريًّا، ولم تكن هذه المعاهدة تختلف عن معاهدة عام 1922 إلّا بأنّها كانت مدعومة من حزب الوفد، وبعد هذا التّفاق لم يتغيّر على مصر شيء يُذكر، واستمرَّ الحكم الملكيّ، وبعد وفاة الملك فؤاد الأوّل، جاء الملك فاروق وكان لا يزال محافظًا على العلاقة مع بريطانيا، ولم يُنظر إلى حزب الوفد على أنّه قَبِلَ الوجود البريطانيّ في مصر.
تاريخ مصر بعد الحرب العالميّة الثّانية
خلال الحرب العالميّة الثّانية وبعدها أصبح يُنظر إلى حزب الوفد على أنّه راغب ببريطانيا، (وهو حزب سياسيّ شعبيّ، أُسّس في عام 1918، وكان الحزب الذي أنهى عهد الملكيّة، وحوّل مصر إلى جمهوريّة، ولم يعُد إلى نشاطه السّياسيّ إلّا بعد السّماح بالتّعدّديّة الحزبيّة في عهد أنور السّادات، وأصبح اسمه حزب الوفد الجديد، وهو حاليًّا حزب معارضة)، وذلك لأنّ بريطانيا لم تكن مرتاحة لرئيس الوزراء علي ماهر؛ لأنّه كان متعاطفًا مع ألمانيا ودول المحور الأخرى، وأرادت بريطانيا تثبيت حزب الوفد في الحكومة، فخيّرت الملك فاروق بالاستقالة أو تعيين حكومة جديدة تضمُّ حزب الوفد، فقام بتشكيل حكومة وفديّة، ومع أنّ حزب الوفد وصل إلى الحُكُم، إلّا أنّه كان على حساب سمعته في مصر.
تاريخ مصر الحديث
لم يكن النّظام السّياسيّ في مصر في حالة فوضى وحسب، بل أصبح المواطنون المصريون مستاءين بشكل متزايد من اتجاه البلاد، وكيف كان قادتهم السّياسيون يوجّهون مصر؛ وذلك لأنّ سياسات النّظام كانت موجّهة نحو مصالح النّخبة والمصالح البريطانيّة، وكان القادة السّياسيون بعيدون عن السّكان لقبولهم الكامل للقيم الأوروبيّة ومحاولاتهم لفرضها على المجتمع المصريّ، بالإضافة إلى أنّ العديد من النّخب السّياسيّة تدافع عن هذه القيم بينما تتجاهل عناصر الثّقافة والمجتمع المصريّة والعربيّة والإسلاميّة الدّاخليّة.
الهوية الثّقافيّة في تاريخ مصر الحديث
بالنّسبة لبعض المفكّرين والسّياسيين بين الحربين العالميّتين، تطلّب مسار مصر الجديد نحو الحداثة إعادة تشكيل هويّتها الثّقافيّة، وكان بعضهم حريصًّا على تصوير التّراث الثّقافي في مصر على أنّه مستمد من التّقاليد اللّيبراليّة في أوروبا، مثلًا قلّل كُتَّاب مثل طه حسين (1889-1973)، الذين حصلوا على درجة متقدّمة من جامعة السّوربون، من قيمة التّراث العربيّ والإسلاميّ في مصر لصالح الرّموز التي تمّ استخراجها من التّاريخ اليونانيّ والفرعوني، ونتيجة لذلك أصبح نهر النّيل رمزًا رئيسيًّا للقوميّة الإقليميّة المصريّة مثلما كان أيّام الفراعنة والحضارة الغنيّة في مصر قبل وصول الإسلام، وهذا مثال بسيط على تقليل قيمة الثّقافة الإسلاميّة آنذاك.
ظهور جماعة الإخوان المسلمين
في أعقاب التّحدّيات المستمرّة ضدَّ العادات والتّقاليد والدّين، كان العديد من المصريين يبحثون عن شخص أو جماعة ما يُمكنها الدّفاع عن الثّقافة الإسلاميّة، وأحد أهمِّ هذه الحركات كانت جماعة الإخوان المسلمين، التي نشأت في مصر في أواخر العشرينيّات من القرن الماضي، ولم تنشأ هذه الجماعة فقط لمحاربة الفساد والانتهاكات السّياسيّة للسّلطة، ولكنّ رسالتهم بُنِيَت بوضوح على أفكار الإسلام والثّقافة المصريّة العربيّة، وكان أوّل زعيم للإخوان المسلمين حسن البنّا.
اعتَقَدَ البنّا أنّ الإسلام هو العمود الفقريّ لمجتمع مصر السّليم الحديث، لذلك دعا إلى تطبيق الشّريعة الإسلاميّة، ولكنّه في المقابل لم يتبنَّ الإسلام السّلفيّ أيّ أنّه لم يرغب في محاكاة الظّروف الدّقيقة لحياة النّبيّ محمد صلّ الله عليه وسلّم، مثل الحركات التي كانت موجودة في أجزاء من الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدلًا من ذلك كان حسن البنّا يؤمن بأنّ الشّريعة الإسلاميّة وضعت في الأصلّ لتتوافق مع ظروف تاريخيّة محدّدة، وبالتّالي كانت نتاجًا للعقل الإنسانيّ المستنير، وكان ينظر إلى الشّريعة على أنّها تخضع للتّفسير ممّا يجعلها متوافقة مع احتياجات المجتمع الحديث.
ما زال تطبيق المبادئ الإسلاميّة لحلِّ المشاكل الاجتماعيّة يُشكِّلُ تعلُّقًا رئيسيًّا في موقف الإخوان المسلمين، ولكنّه يُشكِّل تناقضًا صارخًا مع الحركة العلمانيّة المبكّرة في تاريخ مصر الحديثة، ولطالما أراد الإخوان المسلمون أن يوضّحوا لهم أنّه لم يكن هناك أيّ خطأ في الإسلام، منذ أواخر عشرينيّات وثلاثينيّات وأربعينيّات القرن العشرين فصاعدًا. بل إنّه سيكون ككتلة أساسيّة من شأنها أن تحسِّن علل المجتمع المصريّ.