عبد الله بن عباس صحابي جليل، حَبْر الأمة وفقيه العصر، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1660 حديثًا، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل». تربطه صلةُ قرابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، وابن عم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. نال عبد اللهُ بن عباس شرفَ صحبة رسول الله ثلاثين شهرًا بات فيهم يحرسه ويعمل على خدمته؛ فنهل من فيض علمه وتفقه على يد الحبيب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وتحققت فيه دعوته، فكان إمام وفقيه العصر.
من هو عبد الله بن عباس؟
هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، من بني هاشم بن عبد مناف، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين في عام 618م، أمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث، وزوجته هي شميلة بنت أبي حناءة، وأولاده هم: (العباس – علي – الفضل – محمد – عبيد الله – لبابة – أسماء)، تمتع بالشكل الحسن والمقام العالي، ونال شرف صحبة رسول الله فظل معه ما يقرب من ثلاثين شهر ملازمًا له فنهل من فيض علم النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم على يده علم القرآن وتفسيره، مات عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في العاشرة من عمره.
عاش عبد الله بن عباس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على منهاج النبوة؛ فكان أكثر الصحابة اتباعًا لسنة ، وهو ما شهد به أزواج النبي رضي الله عنهن، فقد كان ورعًا خلوقًا وسخيًّا. وكان يمتلك ذاكرة قوية، وفطنة بالغة، وحجة نافذة، وعلمًا غزيرًا، عاصر الأربعة، وتُوفي رضي الله عنه وعمره 69 عامًا بالطائف في عام 68 للهجرة الموافق 687 م.
ترجمان القرآن وفقيه الأمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمَ الدعاء لابن عباس، يدنيه منه ويربت على كتفه ويدعو له بالصلاح والعلم والتفقه في الدين؛ فكان يقول صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» الإمام أحمد، وكان يقول في شأنه: «إن حَبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس»، وكان دائمًا ما يوصيه صلى الله عليه وسلم ومن وصاياه: يقول ابن عباس: أُهدِيَ إلى النبي بغلةٌ، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا ثم التفت فقال: «يا غلام؟ قلت: لبيك يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد مضى القلم وهو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإن الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر».
حبر الأمة وإمام المفسرين
يقول رضي الله عنه: «سلوني عن التفسير فإن ربي وهب لي لسانًا سؤولًا، وقلبًا عقولًا»، ويقول عنه مجاهد: إذا رأيت عبد الله بن عباس يفسر أبصرت على وجهه نورًا، وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس رضي الله عنه مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرًا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق، وعن الأعمش قال: حدثنا أبو وائل قال: خطبنا ابن عباس وهو أمير على الموسم فافتتح سورة النور فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثل هذا، لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت.
عبد الله بن عباس ورؤيته لجبريل
كان عبد الله بن عباس في صحبة أبيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلا عليه رأوا منه إعراضًا، فخرجا مرة أخرى، فحدَّث العباسُ ابنَه بما رآه من ابن أخيه، فأبلغه عبدُ الله أن رسول الله كان مع رجل يناجيه، فاستنكر العباس لأنه لم يشاهد أحدًا؛ ولكن عندما عاد، سأل رسول الله عن الرجل الذي كان معه فعلم رسول الله أن العباس رآه وأخبرهما أنه كان جبريل عليه السلام.
عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كالمعرض عن أبي، فخرجنا من عنده، فقال: ألم تر ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه، قال: أو كان عنده أحد؟ قلت: نعم، فرجع إليه، فقال يا رسول الله هل كان عندك أحد؟ فقال لي: «هل رأيته يا عبد الله ؟ قال: نعم، قال: ذاك جبريل فهو الذي شغلني عنك» أحمد في مسنده.
المراجع
- كتاب سير أعلام النبلاء، المؤلف محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.