عقوق الوالدين
نهى عن جميع الأعمال والأخلاق السيئة، وأباح وشرع الأخلاق الحميدة بشتى أنواعها وأشكالها، وحذّر من خِصال وأمور عديدة لما فيها من إضرارٍ بالأفراد أو الجماعات، ووصف من يقوم بتلك الأفعال بأبشع الصفات، وكان من بين ما نهى عنه الإسلام وبشَّع من يقوم به ما يتعلَّق بعقوق الوالدين وعدم احترمهما وإساءة معاملتهما، وكان ذلك واضحاً صريحًا في كتاب الله -تبارك وتعالى- إذ يقول عزَّ من قائل: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۢ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)،سورة الإسراء، الآية: 23. فلم ينهَ الإسلام عن الإساءة للوالدين فحسب، بل نهى عن تعكير صفوهما ولو بكلمةٍ بسيطة كقوله لهما (أُف)، وقد حلَّل عُلماء والبلاغة واللغة هذه الكلمة، فأثبتوا أنه لا يمكن للابن أن يُسيء لوالديه بكلمةٍ أبسط من هذه الكلمة، ولو كان يوجد أصغر منها لذكرها القرآن، فهذه الكلمة التي هي أقلُّ ما يؤذي الوالدين من الكلام منهيٌ عنها، وعليه يكون ما فوقها أكثر نهياً وإثماً، وفي هذه المقالة تعريفٌ بعقوق الوالدين وحكمه الشرعي، وعقوبة من يعُقُّ والديه.
تعريف عقوق الوالدين
مصطلحٌ مكوَّنٌ من مُركَّبين -العقوق والوالدين- ولعلَّ الذي ينبغي بيان معناه منهما هو: العقوق، حيث إن كلمة الوالدين معلومٌ معناها للقاصي والداني، وفيما يلي بيان معنى العقوق في اللغة والاصطلاح: قاموس المعاني الجامع: تعريف ومعنى عقوق الوالدين
- العقوق في اللغة: العقوق في اللُّغة مُشتقٌ من الفعل عقَّ، وهو بهذا اللفظ يعني القطع، يُقال: عقَّ يعقُّ عقاً وعُقوقًا، فهو عاق، وعَقوق، والمفعول به؛ معقوق، وعقوق الابن عصيانه لوالديه وجحوده لما قدّماه له في حياته من أبواب الخير، العُقُق: قاطعوا الأرحام.
- عُقوق الوالدين اصطلاحًا: هو فعل أيِّ شيءٍ يوجب إيذاء الوالدين ويُلحق الضرر بهما، وقيل هو ترك الشفقة على والدين والإحسان لهما مع استحقاقهما لذلك، ومن التَّعريفات الشائعة لعقوق الوالدين عند العلماء كذلك أنه: فعل ما يستوجب ترك طاعتهما وعدم وصل أقاربهما وتلبية طلباتهما.
حكم عقوق الوالدين وحكم برِّهما
عقوق الوالدين محرمٌ شرعاً، بل هو كبيرةٌ من أعظم ، وقد نهى الإسلام عن تلك الكبيرة، وأمر باجتنابها، حيث جاءت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة تُشير وتدعو إلى ضرورة برِّ الوالدين واحترامهما والنَّهي عن الإساءة لهما أو عقوقهما بالقول أو الفعل أو حتى الإشارة، شبكة الألوكة: أقوال وكلمات عن عقوق الوالدين ومما يُدلِّل على أنَّ عقوق الوالدين من الكبائر ما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة -رضي الله عنه- حيث قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ)،رواه البخاري في صحيحه، عن أبي بكرة، حديث رقم: (2654)، ومسلم في صحيحه، حديث رقم: (87). ومن ذلك أيضاً ما رواه في صحيحه عَنْ الصحابي الجليل الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ).رواه البخاري في صحيحه عن المغيرة بن شعبه، حديث رقم: (5975).
مظاهر عُقوق الوالدين
يظهر عقوق الوالدين من أبنائهما من خلال ترك مجموعةٍ من الأفعال، أو من خلال القيام بعدد من الأمور، وفيما يلي بيان بعض مظاهر عقوق الوالدين: طريق الإسلام: عقوق الوالدين
- أن يُقسما عليه بفعل شيءٍ أو تركه فلا يبرُّ بقَسَمِهما أو قَسَمِ أحدهما ما دام ذلك في شيءٍ لا معصية لله فيه، مع وجود القدرة لديه على الإبرار بذلك القَسَم. وبذلك يكون قد عقَّهما بأن قام بعكس ما طلباه منه، وترك ما أقسما على فعله أو عدم فعله.
- أن يأمره أحدهما أو كلاهما بفعل شيءٍ أو تركه فلا يستجيب لهما، أو يقوم بفعل ما يُعاكس ما طلباه منه، مع قدرته على القيام بما طلباه منه، أو ترك ما نهياه عنه ما دام طلبهما له ليس في معصيةٍ أو منكر.
- ألا يُجيب على أسئلتهما أو أسئلة واحدٍ منهما إن لم يكن في معصية، مع قُدرته على الإجابة على أسئلتهما.
- أن يخون ما ائتمناه عليه بالقول أو الفعل، كإفشاء سرِّهما، أو ما يقع تحت معنى الخيانة على هذا النحو.
- أن يخرج إلى الجهاد في سبيل الله أو يُسافر سفراً طويلاً دون أخذ إذنهما أو رأيهما، ما لم يكن سفره واجباً كالسَّفر لأداء فريضة ، ما دام سفره يُضرُّ بهما أو بأحدهما.
- أن يغيب عنهما أو عن أحدهما ممن كان حيًا، بحيث يؤثِّر غيابه عليهما أو على من كان حيًا منهما، ما لم يكن غيابه في مصلحةٍ مهمةٍ له أو لعياله أو لطلب علمٍ نافعٍ، أو لكسب قوته وقوت عياله ونحو ذلك من الأمور اللازمة لاستمرار حياته العملية.
- الإساءة لهما أو لأحدهما بالقول أو الفعل كأن يسُبَّهما، أو يسُبَّ أحدهما مباشرةً أو بأن يسب والد أو والدةٍ أحدٍ فيسبَّ الآخر أباه أو أمَّه، وهذا النوع من أبشع أنواع العقوق.
- أن يعبُس في وجه أحدهما أو في وجهيهما، مهما كان سبب العبوس، ولو كان بسببهما أو بسببٍ خارجٍ عنهما، ولو لم ينطق أمامهما بأيِّ كلمة بل وأطاعهما عابساً، فجميع ذلك يُعتبر من العقوق المنهيِّ عنه شرعاً.
- أن يستثقل فعل ما يطلباه منه، أو يطلبه منه أحدهما، كأن يُظهر التَّضجُّر منهما عند طلبهما منه، أو أن يتأفَّف من طلباتهما ولو قام بها على هذا النحو يكون عاقاً لهما.
- أن يمتنع من النفقة عليهما أو على أحدهما، ولو إلى حدِّ الكفاية من خلال تأمين ما يكفيهما.
- أن يُظهر عدم احترامهما ولو أطاعهما في فعل ما يطلباه منه، كأن يجلس ووالده أو والدته قائم، أو يتكلم دون إذن والده، أو يمشي أمامهما، أو يناديهما بأسمائهما، أو ينظر إليهما بنظرات مُبهمة، أو يفعل أيّ فعلٍ يدلَّ على عدم توقيره واحترامه لهما، قال عروة بن الزبير: (ما برَّ والده، من شدَّ الطرف إليه).
- ألا يدعو لهما أحياءً، أو لا لهما إذا ماتا أو لمن مات منهما، أو يُخصِّص وقتاً لبرِّهما بعد موتهما بالدعاء أو فعل ما يصل به الأجر لهما.
- ألا يصل أرحامهما وأصدقائهما ولا يزورهم ولا يسأل عنهم.
- ألا يقضي ديونهما بعد موتهما مع قدرته على ذلك مادياً، مع العلم أن ديونهما يمكن أن تكون ديون مادية -أموال- أو ديون معنوية.