حاطب بن أبي بلتعة
حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وكنيته أبو محمد، ولد عام 35 قبل ، كان رضوان الله عليه يعمل بتجارة الطعام؛ مما جعله من أثرياء قومه يمتلك المال والعبيد، جاء وصفه عند العرب بأنه خفيف اللحية، به حدب يميل إلى القصر غليظ الإصبع.
كان من المسلمين الأوائل فحسن إسلامه، هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب “” فكان من المهاجرين، وقد آخى بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخيلة بن خالد، كان حاطب من الرماة المشهود لهم بالحنكة والخبرة فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته، فكان رضوان الله عليه بدريًّا أي شهد بدرًا وجميع الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبلى أحسن البلاء، تُوفي عن خمس وستين عامًا ودفن بالمدينة.
حكيم من عند حكيم
رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك هي إحدى الدلائل القوية والحجج الثابتة على دحض دعوى أنَّ الإسلام انتشر بالسيف؛ حيث كان يدعو الملوك إلى الإسلام ويرغّبهم فيه، فلا يباغتهم ولا يهاجمهم على حين غفلة؛ بل يُنذر ويُنذر حتى يرفع راية . كان حاطب بن أبي بلتعة أحد سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الملوك، حيث أرسله الحبيب المصطفى في عام 6هـ إلى المقوقس عظيم مصر.
وهناك في حضرة المقوقس قدم حاطب كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فلما قرأه سأل حاطبًا: ما منع صاحبك إن كان نبيًّا أن يدعو على من أخرجوه من بلده – يعني مكة – فيسلط عليهم السوء؟ وهنا رد حاطب بكل تأدب ولباقة: وما منع عيسى أن يدعو على من تآمروا عليه ليقتلوه فيسلط الله عليهم عذابه؟ أُعجب المقوقس برد حاطب الذكي صاحب الفطنة سريع الرد، فقال له: أنت حكيم جئت من عند حكيم، وأرسل معه جاريتين هدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هما مارية القبطية التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأم إبراهيم ابنه، وأختَها سيرين.
رسالة حاطب إلى قريش
قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الثامن من الهجرة الموافق 630م غزو مكة، وذلك بعد أن انتهكت قبيلة قريش الهدنة بينها وبين المسلمين، وذلك بعد أن قدّموا المساعدة لبني الدائل بن بكر وهم حلفاء قريش في حربهم مع بني خزاعة وهم حلفاء المسلمين؛ وبذلك انتقضت المعاهدة فكانت الحرب هي الأمثل لردع عن ظلمهم وكفرهم، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه يخبرهم بما ينوي في حق قريش.
بعد سماع حاطب ابن أبي بلتعة لذلك الأمر قام على الفور وكتب كتابًا لقريش يخبرهم فيه بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم محاربًا، ثم أعطاه لامرأة من بني مزينة وأمرها أن تبلغه لقريش؛ فعقدت المرأة شعرها على الكتاب وانطلقت في طريقها، وما هي إلا لحظات حتى يأتي خبر السماء منبهًا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من أمر حاطب والمرأة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب و، وطلب منهما أن يلحقا بالمرأة لأهمية الأمر.
انطلق الفارسان حتى يلحقا بها، حتى أدركاها بمكانٍ يقال له حليفة بني أبي أحمد، فاستنزلاها عن رحالها وجعلا يبحثان فيه فلم يجدا شيئًا، فقال علي رضوان الله عليه بنبرة حازمة: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا، ولتخرِجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفَنّك، فلما رأت المرأة أن لا مفر من أمرها افتلتت شعرها وأخرجت منه الكتاب.
حاطب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما وصل كتاب حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل في طلبه يسأله عن السبب وراء فعلته، ولما حضر بين يديه قال: «يا حاطب ما حملك على هذا؟»، وهنا شعر حاطب بالخجل من فعلته، لكنه كان يمتلك الأسباب لفعل ذلك، فقال مدافعًا عن نفسه: “يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيّرت ولا بدلت، ولكنني كنت امرءًا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم” يعني أنه عندما هاجر خلّف وراءه أبناءه وأهله تركهم هناك وهو يخشى عليهم من الحرب.
فقال عمر بن الخطاب وكان أحد الحاضرين: ائذن لي يا رسول الله أن أضرب عنق هذا المنافق، وكانت المفاجأة أن عفا عنه رسول الله إذ قال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطّلع على أصحاب يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكـم» وهنا تتجلى الرحمة في ثوبها الفضفاض حين شملت حاطب ابن أبي بلتعة، فقد عفا رسول الله عن الخائن رغم أنه في قبضته وهو يأمر فيطاع، إلا إنه يعلم جيدًا أن حاطبًا صحابيٌّ ليس بمنافق؛ ولكن خدعه ذكاؤه فلم يحسن التصرف، وأنه لو كان استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبنائه كان سيجد منه الجواب الذي يشفي صدره ويريح قلبه.
وقد أيد القرآن الكريم موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وصف الله عز وجل في كتابه هذا الصحابي بالمؤمن حين قال: {يَـا أَيُّهَـا الَّذِينَ آَمَنُـوا لَا تَتَّخِـذُوا عَـدُوِّي وَعَدُوَّكُـمْ أَوْلِيَـاءَ تُلْقُـونَ إِلَيْهِـمْ بِالْمَـوَدَّةِ وَقَـدْ كَفَـرُوا بِمَـا جَاءَكُـمْ مِـنَ الْـحَقِّ} 1.
وفاة حاطب
تُوفي الصحابي الجليل حاطب ابن أبي بلتعة وهو يناهز الخامسة والستين من عمره، وذلك بعد سنوات طويلة من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع صحابته.
وقد ترك إرثًا لبنيه يقدر بـ 4000 دينار ودار وأحاديث رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواها عنه ولداه عبد الرحمن، ويحيى، والصحابي عروة بن الزبير رحمة الله عليهم جميعًا، وكان ذلك بالمدينة المنورة في عام 30 هـ، وصلى عليه خليفة المسلمين رضي الله عنه وأرضاه.