أعلى الله من شأن قيمة العمل لدى الإنسان، فحثّت وكافة الأديان السماوية المرء على ضرورة العمل وكسب الرزق بعمل اليد وامتهان الحرب لا بالاتكال على الآخرين والتواكل، يقول الله تعلى في كتابه العزيز: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” صدق الله العظيم، فمن خلاله يستطيع الإنسان أن يوفّر لنفسه ولأسرته كل ما يحتاجونه من مستلزمات معيشية دون أن يضطروا للاحتياج إلى الغير.
يقول النبي الأكرم في حديث رواه عنه : لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه، ويقول أيضًا: اليد العليا خير من اليد السفلى. وهو بهذا يشجع أتباعه على العمل خير تشجيع، وهو أمر لم ينقطع حتى على الأنبياء الذين بعثهم الله لرسالة سامية جليلة وهي هداية البشر وإرشادهم للحق والخير، وعلى ذلك فهم قدوة لهم يقتضون من سُننهم ما سيفعلونه لاحقًا ويسيرون على خطاهم، لذلك كان من حكمة الله عز وجل أن يجعل لكل واحد منهم مهنة يتكسّب منها رزقه برع فيها وأنفق منها على آله، علاوة على اجتهاده في العودة إلى عبادة الله عز وجل، نحاول استعراضها لك فيما يلي:
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
عمل أشرف الخلق قبل البعثة في رعاية الأغنام، وبعدها عمل في التجارة بعد زواجه بالسيدة ، والتي عهدت إليه بإدارة أموالها بسبب ما اشتُهر عنه من الأمانة و.
سيدنا نوح عليه السلام
أتقن نوح لذلك كان تكليفه بصناعة سفينته التاريخية أمرًا مناسبًا له ونجح فيه وأنجى نفسه وأهله ومئات المخلوقات من الغرق في الطوفان، يقول تاعلى في كتابه: “فأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فأسلك فيها من كل زوجين أثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون”.
سيدنا داوود عليه السلام
مارس مهنة الحدادة، ولم تكن مجرد وظيفة له وإنما كانت معجزة سخّرها الله له، فكان يعرف بأمر الله كيف يلين الحديد بين يديه ثم يشكله كما يريد، وذلك يصنع منها الأسلحة أو الدروع وغيرها من الأشكال.
سيدنا إدريس عليه السلام
عمل بالخياطة وحياكة الملابس للناس، وفي ذلك العصر كان البشر يصنعون الثياب من جلود الحيوانات، وفي ذلك الصدد قال تعالى في كتابه العزيز: “وعلمناه صنعه لبوس لكم لتحصنكم من باسكم فهل أنتم شاكرون” صدق الله العظيم.
وقيل أيضًا، إن ذات المهنة كانت من نصيب النبي إلياس.
سيدنا آدم عليه السلام
منذ هبوطه إلى الأرض مارس مهمته المقدسة في عمارتها وتعميرها، فمارس الفلاحة وكان يزرع الأرض وكانت زوجته حواء تعاونه، كما رُوي أنه كان يصنع بعض المعدات البدائية التي تعاونه في أداء هذه المهمة.
سيدنا إبراهيم عليه السلام
حُكي عنه أنه كان يعمل بنّاءً وكذا ولده إسماعيل، وهو ما كان ملائمًا للمهمة المقدسة التي كلفهما بها الله عز وجل برفع قواعد ، وزعم آخرون أن مهنة الأخير هي القنص أي الصيد .
سيدنا موسى عليه السلام
عمل راعيًا للأغنام، وأتى ذكر ذلك في قصته مع شيخ مدين العجوز الذي سقا لابنتيه الماء، فعرض عليه الزواج من إحداهما على أن يعمل لديه راعيًا 8 أعوام وإن زادها لـ10 فهو خير من عنده، فوافق موسى.
الحكمة من عمل الأنبياء
إيضاح أن الوسيلة المثلى لعمارة الأرض هي العمل والكد والكفاح، وليس التكاسل والخمول حتى لو كان ذلك من نصيب أفضل الخلق والأنبياء المصطفين من الله، كما أن عملهم أمام تابعيهم في هذه الوظائف ستجعلهم قدوة حسنة في استغلال قدراتهم التي منحها لهم الله كي يكسبون رزقهم بما صنعته أيديهم، وهي تجربة يتمكن من خلالها فهم المشاق التي يمر بها المرء في حياته، فتكون دعوتهم واقعة تستند إلى معرفة دقيقة بصعوبات الحياة.
الأنبياء ورعي الغنم
أما عن الحكمة من ضرورة عمل كل الأنبياء في رعي الغنم، مصداقًا للحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ” ما بعث الله نبيّا إلاّ رعى الغنم فقال أصحابه : وأنت؟ فقال : نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة”. رواه البخاري.
وعلى هذا الحديث يعلّق العلماء، بأن معناه أن جميع الأنبياء رعوا الغنم، لكنهم ليسوا جميعًا اتخذوها مهنة لهم، والحكمة من اختصاص هذه المهنة دون غيرها للأنبياء، يوضحها الحافظ في “الفتح” بقوله: لأنهم إذا صبروا على رعيها, وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها, وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة. بينما اعتبر ابن بطال في أحد شروحات على البخاري، أن الله جعل ذلك تمهيدًا وتدريبًا لتعريف كل نبي كيف يسوس العباد. ويضيف شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقًا على ذات الأمر: في ذلك للأنبياء حكمة بالغة, وتدريج من الله تعالى لهم إلى كرامته، وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خلقه بما سبق لهم من الكرامة في الأزل ومتقدم العلم بذلك.