عالم السحر هو عالم خفي مليء بالأساطير و الغريبة التي تتحدى جميع الظواهر الطبيعية، يقوم فيه الساحر بالاستعانة بالجن وتسخيره للرضوخ على رغباته وتحقيقها، فكيف تناول العلماء تعريف ذلك العلم؟ ومن هم هاروت وماروت؟ وما هي حقيقة الطلسمات والفرق بين والدجل والشعوذة؟ وهل يعد الدجل والشعوذة من السحر؟ وما هو حكم الساحر في ؟ وأثر السحر على المجتمعات؟ وما هي أغرب الطقوس والممارسات التي يقوم بها السحرة؟ فلنبدأ هذه الجولة مع ذلك العالم الخفي للتعرف عليه.
ما هو تعريف السحر؟
لم يتوصل العلم إلى تفسير أو تعريف محدد لمجموعة الظواهر الخفية التي تتنافى مع قوانين الطبيعة ولكن وجدت بعض المحاولات لتعريف السحر فمثلًا عرف علماء السحر بأنه كل أمر يخفى سببه، ويُتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وقيل هو إخراج الباطل في صورة الحق، أو استخدام القوى الخارقة بواسطة الأرواح والاستعانة بالشياطين لتحصيل ما لا يقدر عليه، وقيل هو كل أمر أو عمل يزعم أنه خارق للعادة والطبيعة ولا يعرف سببه ويقصد به التمويه والخداع.
يقول ابن خلدون في مقدمته عن تعريف السحر: ويرى بعض الدارسون والباحثون من ذوي الاختصاص أن السحر هو عبارة عن قدرة تتوفر لدى بعض الناس يستطيعون من خلالها بذكائهم الإيحائي من السيطرة على نفسية غيرهم، وآخرون يرون فيه ظاهرة من الفن لها أبعادها ومؤثراتها وأكثر العلماء يرون في السحرة إمكانية أو قدرة عالية من النفوذ الإنساني يصل بها الساحر ليسلط إيحاءه ليسيطر بها على تفكير وتصور المحيطين بهم.
هاروت و ماروت ملكين علما الناس السحر
هاروت وماروت هما ملكان هبطا من السماء على الأرض في صورة بشر، وذلك في زمن اشتهر فيه تعلم السحر على أيدي المردة والشياطين الذين أشاعوا بين الناس أن علم وملكه قام على السحر، فعلم الغيب هو ما كان شاغلهم الشاغل في ذلك الوقت وساعدهم على ذلك استراق الشياطين للسمع وإخبارهم بكل ما هو غير مرأي، ولما هبط الملكين أكدا للناس أن ذلك كفر من عمل الشيطان، وأن سليمان عليه السلام برئ منه وأن السحر الحقيقي إنما هو فتنة للبشر بينما ما أتى به سليمان كان معجزات، يقول الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]
ما هي حقيقة الطلسمات والشعوذة؟
يرى ابن خلدون أن الأمور الخارقة للطبيعة تعود إلى التنوع في نفوس البشر وخصائصها ومميزاتها فالأنبياء مثلاً يوجد لديها استعداد وتأهيل نفسي للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة والتأثير في الكون وذلك عن طريق المدد الإلهي، وعلى النقيض تمامًا تجد الكهنة في رحلة بحث دائمة عن الغيب وكل ما هو خفي وغير معلوم عن طريق استخدام القوى الشيطانية ونفوس السحرة والكهنة لها ثلاثة مراتب:
- الأولى السحر: وهو التأثير بالهمة الذاتية.
- الثانية الطلسمات: التأثير بمزاج الأفلاك والعناصر والأعداد.
- الثالثة الشعوذة: التأثير عن طريق الخيال والإيحاء والمحاكاة.
وهو ما سبق أن أوضحناه أن الشعوذة هي طريقة للتأثير على المحيطين من خلال استخدام الخيال والإيحاء والمحاكاة وخفة اليد، وعلى الرغم من أن القائم بها يلقبه الناس بالساحر، إلا أن الحقيقة أن الشعوذة والدجل ليست من أنواع السحر، لأن السحر هو عمل يضمر في مكنونه صناعة الشر من أجل التأثير على الهمة الذاتية للمسحور وسلبه روحه وتدميره.
بينما الشعوذة والخدع قد يقوم بها البعض على سبيل الترفيه، أو لفت الانتباه وإظهار الغير مألوف، ومنها ما يدخل في إطار النصب والاحتيال ويعرف بالدجل وذلك من أجل الاحتيال على الناس في سلب أموالهم، وتحتاج الشعوذة إلى سرعة بديهة عالية من الساحر حيث يقوم باستخدام بعض الأساليب النفسية عن طريق لفت انتباه الحضور إلى شيء ما عن طريق الكلمات والإيحاءات بينما يقوم هو في سرعة بالعمل في اتجاه آخر حتى يقوم بمفاجأة الناس بما هو غير متوقع وفي حقيقة الأمر لو قام الساحر بنفس الفعل دون هذه الإيحاءات لفطن الناس إلى ما يفعله ولما أصبح هناك أي اندهاش بين الحضور.
الدجل وأثره في تدمير المجتمع
لا يخفى على الكثيرين منا انتشار الدجالين والمشعوذين خاصةً في الوطن العربي الذين يستغلون تلهف الناس وحاجتهم إلى معرفة كل ما هو خفي عنهم ورغباتهم في تحقيق كل ما هو في علم الغيب بشكل أسرع، ويقومون بفعل أعمال الدجل والسحر والشعوذة، وقد نهى الإسلام عن جميع هذه الممارسات فالسحر وهو أشدهم حتى أن جمهور العلماء كفرو الساحر مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} بينما الدجل يكون في صورة الذهاب للدجال من أجل التعجيل بحصول أمر غيبي مثل الزواج أو الإنجاب أو الشفاء من علة وفيه يقوم الدجال بالتعامل مع شياطين الجن لاستراق السمع وإيهام مريديه بأنه يعلم الغيب مما يلقى قبولًا عندهم ويجعلهم تحت طاعته، حتى يحصل منهم على الأموال وهذا أيضًا والعياذ بالله يدخل في إطار الكفر وذلك للاعتقاد في وجود الإرادة والفعل المغاير لإرادة الله، وكذلك للاعتقاد بأنه يوجد من يعلم الغيب غير الله وقد قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59.
أغرب طقوس و ممارسات السحرة
يوجد الكثير من الطقوس الغريبة التي يعتمدها السحرة في أعمالهم السفلية والتي يقوم فيها البعض بالاعتماد على الحيوان أو النبات أو حتى الإنسان، إلا أنها لا تمت للعقل بصلة، حتى تظل هناك حلقة فارغة بين العلم وتقبل العقل لما يقوم به السحرة من طقوس لا يوجد لها أي أساس أو دليل علمي فمثلا:
- في إيران يقوم السحر باستخدام طقس غريب ومشهور عندهم يعتمدون فيه على أنثى القنفد حيث يبحث الساحر عن أنثى قنفد حديثة عهد بالولادة ولها صغار، ويترقبها الساحر حتى تقوم هذه الأنثى بالخروج لإحضار الطعام لهم وفي هذه الحالة يقوم الساحر بقتل الصغار ودفنهم وتلطيخ الأرض بدمهم، وعند عودة الأم تفزع لمقتل صغارها فتموت همًا وكمدًا على ما جرى لهم وأثناء خروج الروح منها تخرج معها عن طريق الفم كرة بيضاء متلألئة بعدها تموت، ويقوم الساحر باستخدام هذه الكرة في إلقاء التعاويذ السحرية.
- مغارة دانيال بالمغرب هي مغارة تدور حولها الكثير من الأساطير، يقال أن حراسها من الجن، يذهب إليها الساحر لتعلم السحر و تسخير الجن و لا يتزود معه سوى بالقليل من والملح و الجاف، و بمجرد وصوله لتلك المغارة تُغلق عليه و لا تفتح إلا بعد تسعة أشهر وفي هذه الفترة يكون الساحر قد اكتسب خبرة كبيرة في عالم السحر و تسخير الجان لتنفيذ جميع رغباته.