مكانة الصلاة في الإسلام
إنّ من أعظم العبادات التي فرضها الله تعالى على عبادة ، وتأتي منزلتها بعد منزلة الشهادتين؛ وبذلك تكون دليلاً واضحاً على سلامة الاعتقاد وصحّته، ودليلاً على صدق ما استقرّ في القلب، وتصديقاً له، وتتضح هذه المكانة والمنزلة عند الله تعالى في عدة أمور: الألوكة: الإسراء والمعراج دروس وعبر
- أنها عمود الدين الذي يقوم عليه وينهدم بتركه: فعن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد) أحمد، مسند أحمد، تتمة مسند الأنصار، حديث معاذ بن جبل، تحت رقم: (22068)، (36/387)، الترمذي، سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم (2616)، (5/11). فدلَّ هذا الحديث على أن عمود الدين الذي يقوم عليه ويعتمده هو الصلاة، كما أن عمود البيت هو الذي يقيمه.
- أن الصلاة فرضت على النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته في السماء بلا واسطة: فلم ينزل بفرضيتها ملك من السماء مثل ما فرضت باقي الفرائض، ولكن فرضها الله عز وجل على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فكانت هذه خاصية وميزة لفريضة الصلاة عن غيرها من سائر الفرائض.
حكم الصلاة
الصلاة من أعظم الفرائض في الدين، أوجبها الله تعالى على عباده خمس مراتٍ في اليوم والليلة، ودلَّ على وجوبها وفرضيتها الكتاب، والسنة، والإجماع، وبيان ذلك على النحو التالي: الألوكة: الصلاة أسرار وحكم
- الدليل من الكتاب: فقد وردت مشروعية الصلاة في آيات كثيرة، من هذه الآيات قول الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيّمَةِ)سورة البينة: الآية 5 فأمر الله تعالى بعبادته بإخلاص، كما أمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر هنا يُفيد الوجوب، فتكون الصلاة واجبة.أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري، الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، المحقق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة:1419 هـ، 1999م (2/3). ومنها: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)سورة النساء: آية103. فأوجب الله تعالى الصلاة على عباده، وأوجب عليهم فعلها في أوقاتها، ومنع من تأخيرها وتقديمها، إلا لسببٍ مشروع كالسفر، وغيره، من الأسباب التي تبيح التقديم، والتأخير.
- الدليل من السنة: فما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).متفق عليه: البخاري، صحيح البخاري،كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (1395)، (2/104)، مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19)، (1/50). وهذا إخبارٌ من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله تعالى جعل من الأمور الواجبة على عباده الصلاة، وأنها خمسٌ في اليوم والليلة، ولفظ افترض الوارد في الحديث يدل على هذا الوجوب.
- الدليل من الإجماع: فقد أجمعت الأمة قديما وحديثا على وجوب الصلاة وفرضيتها على المسلم في كل حال، وأنه لا يحل للمسلم تركها، أو التهاون فيها. الألوكة: وجوب الصلاة وحكم تاركها
حكم تارك الصلاة
إن من أعظم ما ابتليت به الأمة في هذا الزمان، هو تضييع الصلاة، والتهاون فيها من غير عذر، فكم من شاب، وكم من كبير يتركها، وكم من مسلم يتهاون في أدائها، مع أن الله تعالى أخبر عن مثل هؤلاء، وأخبر عن عاقبتهم، فقال: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)سورة مريم: الآية 59. ومن أجل ذلك كان التحذير عظيماً في حق من يتركها أو يتهاون فيها، ولا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من غير عذر من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، بل هو أشد من أي ذنب آخر، أياً كان هذا الذنب، فترك الصلاة أعظم عند الله من السرقة والزنا، وغيرهما، لما ذكره الله من عظم العقوبة المترتبة على هذا الذنب. وقد تكلم العلماء في حكم ، وقسموا الأمر إلى قسمين، تارك الصلاة عمداً، وتارك الصلاة تكاسلاً.أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، الناشر: مكتبة القاهرة الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1388هـ، 1968م(2/329).
تارك الصلاة عمداً
المسلم الذي يترك الصلاة عمداً، منكراً لوجوبها، لا خلاف بين أنه كافرٌ، خارجٌ عن ملة الإسلام، فيؤمر بالصلاة وإلا قتل، بعد استتابته ثلاثاً ورفضه الصلاة، ويكون ماله للمسلمين كمال المرتد، قال الله تعالى: (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ)سورة التوبة: الآية 11 فقد اشترط الله تعالى في الآية لثبوت الأخوة بين المسلمين شروط عدة، من هذه الشروط: إقامة الصلاة، فإن أقاموها فهم إخواننا، وإن تركوها فهم خارجون عن الإسلام. ويُستثنى من هذا الحكم: من يجهل حُكم الصلاة وفرضيتها، كأن يكون حديث عهدٍ بالإسلام، فإنّه لا يحكم بكفره؛ لأنه معذورٌ بالجهل، فيعرف بحكمها وكيفيتها، ثم يؤمر بها.أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، الناشر: مكتبة القاهرة الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1388هـ، 1968م(2/329).
تارك الصلاة تكاسلاً
المسلم الذي يترك الصلاة تكاسلاً، وهو مُعتقدٌ بوجوبها: فهذا يؤمر بالصلاة، فإن صلى ترك، وإن أصر على تركها تكاسلاً، فقد اختلف العلماء في حكمه إلى ثلاثة أقوال:أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري، الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، المحقق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، سنة:1419 هـ، 1999م (2/525) أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني، الناشر: مكتبة القاهرة الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1388هـ، 1968م(2/329). وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، دار الفكر، الطبعة الرابعة، 1996م، المجلد الأول، صفحة502-504
- القول الأول: ذهب المالكية والشافعية إلى القول بأن تارك الصلاة بلا عذر حتى لو كان تركه للصلاة لفرضٍ واحدٍ فقط فإنه يُعامل معاملة المرتد ويُستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب؛ اعتبروا أنّ دمه يكون مباحًا، ويجب قتله، حَدَّاً لردته لا كفرًا.
- القول الثاني: ذهب الحنفية إلى أنّ من يترك الصلاة يكون فاسقًا ويجب حبسه وضربه ضرباً شديداً حتى سيلان الدم ويستمر على هذا الحال حتى يتوب ويُصلي أو يموت في سجنه وقال الحنفية بأنّ تارك الصلاة لا يقتل إلا إذا تركها جاحداً كافراً بها، واستدل الحنفية بما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا يحل دم امريءٍ مسلمٍ يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المُفارق للجماعة)رواه البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم (6878) ، والحديث صحيح والحنفية يقولون بإسلام تارك الصلاة إذا كان يصلي في الوقت مع جماعة، أو يؤذن في وقت الأذان، أو يسجد عند سماع آية فيها سجود تلاوة.
- القول الثالث: ذهب الإمام أحمد إلى القول بأن تارك الصلاة يُقتل كفراً، فاعتبر الإمام أحمد تارك الصلاة كافر واعتبروه كالجاحد بفرضية الصلاة، فيُقتل، وتجري عليه أحكام الردة، وقد استدل الإمام أحمد بما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (بين الرجل وبين الكفر: ترك الصلاة)رواه مسلم، في صحيح مسلم، حديث رقم (82)، والحديث صحيح