يوم الجمعة
فَضَّلَ الله -سبحانه وتعالى- يوم الجمعة على سائر الأيام في الأسبوع وجعله الله تعالى عيداً للمسلمين، وبارك الله لهم فيه، وذكره الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز، بل إن سورةً من الكريم قد سُمِّيت باسمه؛ وهي تدليلاً على مكانته، وجعلَ الله فيه ساعة استجابةٍ يُستجاب فيها الدعاء للمسلمين، فهو يومٌ مَيَّز به الله هذه الأمة كما فرض الله تعالى على عباده صلاة الجمعة وجعلها من الأمور اللازمة في الإسلام، وسيأتي تفصيل حكم صلاة الجمعة في هذا المقال.
فضل يوم الجمعة
ليوم الجمعة فضائل كثيرة ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- منها:
- فضل عظيم من الله للأمة الإسلامية، فقد ثبتَ في الأحاديث النبوية الشريفة، أن الله تعالى ميزَ هذه الأمة بأن هداها ليوم الجمعة، فجعل يوم السبت لليهود والأحد للنصارى، وأضلهم الله عن يوم الجمعة وهدى إليه أمة -، فكانت هي الأولى وهم بعدها، رغمَ أنهم أوتوا الكتب قبل المسلمين.
- يومُ الجمعة خيرُ يومٍ تطلع عليه الشمس، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم أن يوم الجمعة خير يومٍ تطلع فيه الشمس لأن آدم -عليه السلام- خُلق فيه، وأُدِخلَ الجنة فيه، وأنزله الله تعالى من الجنة في يوم الجمعة، وأن الساعة تقوم يوم الجمعة.
- أن يوم الجمعة سيد الأيام وأفضلها وأعظمها عند الله -سبحانه وتعالى-، حتى إنه أعظم عند الله من يوم عيد الأضحى، ومن يوم ، وأخبر -صلى الله عليه- وسلم بلفظٍ صريح أن أفضل أيامنا هو يوم الجمعة.
- الجمعة عيدٌ للمسلمين، ويومُ المزيد لأهل الجنة، أي اليوم الذي يُوفَّيهم الله -سبحانه وتعالى- ما وعدهم من الزيادة.
- جعل الله -سبحانه وتعالى- في يوم الجمعة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه)مسلم، صحيح مسلم، 852. وقد اختلف الفقهاء في تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة، حتى أن الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني ذكر في كتابه فتح الباري أن هناك ثلاثة وأربعين قولاً في ذلك، لكن أظهر الأقوال اثنان: القول الأول، أنها من ساعة جلوسِ الإمام على المنبر حتى انتهاء الصلاة، ومن قال بذلك استدلوا بحديثٍ لعبد الله بن عمر، والقول الثاني: أنها آخر ساعة بعد العصر، وبقية الأقوال غيرَ هذين القولين لا دليل عليها.
- أن الله سبحانه وتعالى جعل فضائل متعددة خاصة في صلاة الجمعة، ومنها أن التبكير إلى صلاة الجمعة صدقة وقربة عظيمة لله تعالى، وأن من يلتزم بآداب صلاة الجمعة يغفر الله له عشرة أيام، ويكتب الله له بكل خطوةٍ أجرَ عمل سنة صيامها وقيامها، والجمعة للجمعة كفارةٌ لما بينهما إذا اجتُنبت الكبائر وغير ذلك.د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة الجمعة، 1/23.
تعريف الجمعة
- الجمعة لغةً: جمع الشيء وضمه إلى بعضه، وسُمِّي يوم الجمعة بهذا لاجتماع الناس فيه.أحمد بن فارس الرازي، معجم مقاييس اللغة، 1/480.
- الجمعة اصطلاحاً: هو يومٌ من أيام الأسبوع، فيه صلاةٌ خصَ الله بها المسلمين وهي صلاة الجمعة.
- : هي صلاةٌ خاصةٌ بيوم الجمعة، ولا تؤدى بغيره، يؤديها المسلم في وقت صلاة الظهر، لكنها تخالفُ صلاة الظهر في أنها صلاة جهرية، وتخالفها في العدد، والخطبة، وفي شروط صلاة الجمعة المعتبرة لها.د. سعيد بن علي القحطاني، صلاة الجمعة، 1/7.
حكم صلاة الجمعة
إن الأصل في وجوب صلاة الجمعة، جاء من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، وبيان ذلك فيما يلي:
- في القرآن الكريم: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)سورة الجمعة، آية رقم، 9. فقد أمرت الآية الكريمة بالسعي إلى الصلاة؛ والسعي لا يكون إلا على أمرٍ واجب، ونهت عن البيع لكي لا ينشغلَ أحدٌ عن الصلاة.
- من السنة النبوية: ومن ذلك ما رواه الصحابيان الجليلان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما-عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لينتهينَّ أقوام عن وَدْعهم الجُمُعاتِ أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين)مسلم، صحيح مسلم، 865. والودع في الحديث يعني الترك.
- من الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب صلاة الجمعة.ابن المنذر، الإجماع، 44.
على من تجب الجمعة
صلاة الجمعة واجبةٌ على من توفرت به الشروط الآتية:د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة الجمعة، 1/10.
- الإسلام: فالكافر لا تقبل منه صلاةٌ ولا عبادة، والكافر أيضًا هو مخاطب بفروع التعاليم الإسلامية مثل ما هو مخاطب بأصولها، ولكن لو عمل الكافر بفروع الشريعة الإسلامية ولم يدخل في دين الإسلام فلا تقبل منه تلك الفروع حتى يدخل في دين الإسلام، فلو أدى الكافر صلاة الجمعة مثلاً فلا تقبل منه.
- البلوغ: فقد أخبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصبي مرفوعٌ عنه القلم ولا تجبُ عليه الصلاةُ بالمجمل، حتي يحتلم.
- العقل: فالمجنون غير مكلف بالعبادة، ومرفوعٌ عنه القلم حتى يعقل.
- الذكورية: انعقد إجماع المسلمين على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء.
- الحرية: لأن النبي صلى الله عليه أخبرَ أن الجمعة واجبةٌ على كل مسلم واستثنى العبد المملوك.
- الاستيطان: أي أن يكون مقيماً بمكانٍ يشمله اسمٌ واحد، كاسم البلد أو القرية، ويستوطن به، أي أنهم ليسوا ممن يتنقلون وبيوتهم معهم، كأهل الخيام، وأهل البادية، وكذلك من كان في سفر فالمسافر لا جمعة عليه.
- سماع النداء: فذكرت الآية في وجوب الجمعة النداء لصلاة الجمعة فكان سماع النداء شرطٌ لوجوب الصلاة، فمن سمع النداء لصلاة الجمعة وجبت عليه.
- انتفاء الأعذار: والأعذار هي وجود شيء مخالف للشروط المذكورة آنفاً.
سنن صلاة الجمعة
- غُسل الجمعة، يُعد الغُسل يوم الجمعة، سنة مؤكدة كما قال كثيرٌ من أهل العلم، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين يوم الجمعة، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة.
- التطيب و لصلاة الجمعة، فهذا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر به.
- الدهن لصلاة الجمعة، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتطهر والتطيب للصلاة وأمر أيضاً بالدهن والمقصود بذلك إزالة شعث الرأس به، أي أن يرتبَ الرجل شعرهُ، وهذه إشارةٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التزين يوم الجمعة.
- أن يلبس لصلاة الجمعة أفضل الثياب التي يجدها.
- أن يستقبل الإمام بوجهه أثناء الخطبة، فكان الصحابة -رضي الله عنهم إذا جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر استقبلوه بوجوههم.
- أن يُبكرَ لصلاة الجمعة: ويذهب لصلاة الجمعة مشياً على الأقدام، لكن إذا كان منزله بعيداً ويصعُب عليه المشي إلى المسجد، أو كان ضعيفاً أو مريضاً، فالأولى ألا يشق على نفسه، فالمشقةُ تجلب التيسير.
- القراءة في صلاة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون، تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
- الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والإكثار من الدعاء وقراءة سورة الكهف.
- أن لا يُفرِّقَ بين اثنين عند دخوله المسجد، وأن لا يتخطى الرقاب، وأن لا يُقيم أحداً من مجلسه ويجلس فيه، فكُلها أمور نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن لا يجلس المصلون بحلقات قبل الصلاة.
- صلاة ركعتين عند دخول المسجد، وإن كان الإمام يخطب، والاستماع بإنصاتٍ لخطبة الجمعة، وأن يُغير بجلسته إذا جاءه شيء من النعاس أو يُغير مكانه.د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، صلاة الجمعة، 1/54.