الأخلاق
حثَّ على العناية بالأخلاق، وجعل ذلك خير وسيلةٍ يتقرَّب بها العبد إلى الله، ويُوطِّد من خلالها علاقته بالناس، فكلما حَسُنت أخلاق الشخص، ألقى الله محبَّته في قلوب عباده، فقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ مجالسًا أحاسنُكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي في الآخرةِ أسوؤكم أخلاقًا، الثَّرْثَارُونَ المُتَشَدِّقُونَ المُتَفَيْهِقون)رواه أبو ثعلبة الخشني، صحيح: 1535.
إذن، ما معنى الأخلاق؟ وما القواعد الأخلاقيَّة؟ وكيف يُعرَف الشخص الخَلوق؟ وما الحكم المُتعلِّقة بالأخلاق؟ كل هذا سنوضحه في هذا المقال إن شاء الله.
تعريف الأخلاق
قبل الشروع في الحديث عن الأخلاق وحِكَمها، لا بد من تعريفها، لغةً واصطلاحًا: الدرر السنية: الأخلاق لغةً واصطلاحًا.
- الأخلاق لغةً: جمع خُلُق، وهو الدِّين، والطَّبع، والسَّجيَّة، والمروءة.
- الأخلاق اصطلاحًا: هي عبارة عن بُنيةٍ راسخةٍ في نفس الإنسان، تصدر منها الأفعال والتصرُّفات بيُسر، من غير حاجةٍ إلى الفكر والتَّخطيط، فإن كان الصادر منها الأفعال الحسنة كانت البُنية خُلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سُمِّيت البُنية، التي هي مصدر ذلك، خُلقًا سيِّئًا.
قواعد أخلاقيَّة
للأخلاق قواعد وأُسس عديدة، فإذا اتَّبعها العبد انعكست على شخصيته وأفعاله باللاشعور، وحينئذٍ سيُصبح شخصًا مثاليًّا ذا أخلاقٍ رفيعة بمجرَّد تطبيقه لبعض القواعد التي سنذكرها، ومن هذه القواعد:عمر المقبل، قواعد نبويَّة: 11-29، بتصرُّف.
- (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات): إن هذه القاعدة من أعظم قواعد الإسلام؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلها ميزانًا لأعمال العبد الباطنة، كما أنها أحد شرطَي قبول العمل عند الله، وهما: النية الخالصة، ومتابعة العمل. كما أن قبول العمل هو الغاية التي يسعى العبد إلى تحقيقها عن طريق إخلاص النية وجعلها لله وحده، وبما أن الإخلاص أحد ركنَي قبول العمل؛ حينها تكون العناية به من أهم المُهمِّات، والحرص على عدم ذهابه أو ضعفه من أَوْلى الأولويات وأوجبها، فثمرة الإخلاص هي الهدف الأسمى، لأنه لا شيء أخوف من حبوط العمل، فعند ذهاب الإخلاص يُحبَط العمل عند الله ولا يُؤجَر عليه، إذ يصبح كالهباء المنثور لا طعم له ولا أثر، كما قال الله تعالى: (وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰاهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا)الفرقان: 23..
- (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد): هذه القاعدة من جوامع الكلم، كونها من أعظم القواعد وأهمِّها، والالتزام بتطبيقها يؤدي إلى اتِّزان النفس واستقامتها بالحديث كما أُمِرنا، ومعنى هذه القاعدة أن الإحداث في العبادات والعقائد أمر مرفوض ومردود، ويجب ردُّه إذا بَدَرَ من أيِّ إنسان، لأنه ليس من أخلاق المسلم أن يبتدع في أمور الدنيا التي ورد في حكمها نصٌّ شرعي قطعي، وإغلاق هذا الباب خُلقٌ حميد لما له من رحمةٍ بالأمة بالسَّير كما أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم، وليس كما أمر أهل الأهواء، إذ يصبح العبد مثاليًّا كونه يصدُّ الآراء المُبتدَعة بتحقيق أمور الحياة ضمن إطار الشريعة الإسلامية، كما أن عدم إغلاق هذا الباب سيؤدي إلى تشتُّت الآراء؛ فتصبح الطاعات ثِقلًا على العبد. ومن معاني هذه القاعدة أيضًا، إذا تقرَّب العبد إلى غير الله ورسوله بالطاعات فعمله مردود، لذلك فإنَّ هذه القاعدة أيضًا مرتبطة بالنية كالقاعدة الأولى.
- (الدِّينُ النَّصيحة): يقول النَّبي -صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصيحة، الدِّينُ النَّصيحة، الدِّين النَّصيحة)رواه مسلم: 55.، وتكرير عبارة (الدِّين النّصيحة)، يعني أن النصيحة -برُقيِّها ولينها- أمر مهم، وتُظهر أخلاق العبد من خلال طريقة طرحه للنصيحة على غيره؛ إذ يندرج تحتها الأسلوب الحسن في التعامل، وبهذا يظهر الخلق. ومن معاني هذه القاعدة أيضًا أنها ليست مقتصرةً على بيان الأخطاء فحسب، بل على التشجيع للخير والعطاء، ومراعاة حال المنصوح.
حكم عن الأخلاق
إن الأخلاق هي الأساس، وعنوان الشخص المُتَّزن، وقد أوردها الإسلام في الكتاب والسنة، من كفِّ الأذى ومباشرة الإحسان وطيب اللِّسان ومعاملة الناس بالخلق الذي يرضاه الله، بصرف النظر عن الخِصال التي يملكها، لذلك سنوضح بعض الحكم القيِّمة التي وردت في مكارم الأخلاق: مسعد محمد، حُسن الخُلُق: 183-236، بتصرُّف. كما أن الأخلاق فوق كل شيء، وهذا أمر نتفق جميعًا عليه، لكن إلى جانبه نجد أن هناك حكم حياتية في غاية الأهمية مثل ، ، ، ، ، ، ، ، إلى جانب عديدة، ولكن نستكمل الآن حديثنا حول الحكم عن الأخلاق:
- الجُود، علامة الخُلق الحسن، فالجواد يُوصَف بسعة صدره للإنفاق، والبخيل يُوصَف بضيق صدره لإمساكه أمواله والتقتير على نفسه وعياله.
- التواضع، وهو كنز الأخلاق؛ إذ يرفع الله المتواضع في الدُّنيا، ويرفع مكانته بين الناس، ويرفع من شأنه.
- الحياء، إذ يُفضي خُلُق الحياء بالعبد إلى التخلُّق بأخلاق الله بما أنه صفة من صفاته، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ لكلِّ دينٍ خُلُقًا، وإنَّ خُلُق الإسلام الحياء)رواه ابن ماجة: 4181..
- الصَّفح، هو رمز الأخلاق الرفيعة، وشعار النبيِّين، وزينة المُتَّقين، وهو من مستلزمات الإحسان، وأعلى درجات الإيمان.
- العفو، هو صفة من صفات الله، وبهذه الصفة يتميَّز الإنسان الخلوق، إذ يعفو عن المُسيء مع قدرته على الانتقام.
كيفية معرفة الشخص الخَلوق
بإمكان الشخص أن يُميِّز صاحب الخلق من غيره، بأفعاله وردَّات فعله، ولا شكَّ أن ذلك يظهر بالمواقف، لذلك ستبحث المقالة في هذه الفقرة كيفية معرفة الشخص الخلوق:عبد الله الهاشمي، الأخلاق والآداب الإسلامية: 10-100، بتصرُّف.
- إنَّ الشخص الخلوق يُعرَف عن طريق أقواله وأفعاله، فهي تكون مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة السليمة كما في الشريعة الإسلامية من القرآن والسنة، عوضًا عن التعامل بالحبِّ والودِّ مع جميع الناس.
- يُعرَف الشخص الخلوق عندما يكون مراقبًا نفسه دائمًا ومحاسًا لها، إذ يشعر أنه بحاجةٍ مستمرة إلى التغيير، ويتَّضح هذا في أثناء العمل.
- يُعرَف الشخص الخلوق عن طريق الصُّحبة الخَيِّرة التي يُجالسها.
- يُعرَف الخلوق من خلال محيطه الاجتماعي؛ إذ لا يُصادق إلا من هُم على شاكلته من أهل الأخلاق.
- يُعرَف من خلال انتقائه ما يقول من العبارات الحسنة، وخضوعه للحديث المُتَّزن في الأوقات المناسبة.
- يُعرَف من تقواه وحلمه، لقول سيِّدنا علي بن أبي طالب: (المُتَّقون هم أهل الفضائل، منطقهم الصَّواب، ولبسهم الاقتصاد…)علي بن أبي طالب، نهج البلاغة: 2/160.، وقال أيضًا: (إنَّ أفضل أخلاق الرجال الحلم)، وقال: (السخاء والحياء أفضل الخلق)الآمدي، غرر الحكم: 375..
- يُعرَف من خلال تعاونه مع الآخرين، ومدِّ يد المساعدة لهم.