الأدب هو وسيلتنا الممتعة للإبحار في عادات الشعوب وثقافاتهم، فإذا أردت أن تتعرَّف على بلدٍ اقرأ أدبه.
والأدب السوداني ليس وسيلةً لفهم المجتمع السوداني وثقافته فحسب، بل هو باب مفتوح لكلِّ من ابتغى اللذة الروحية والنشوة الفكرية.
ولننهل من هذا البحر الحلو، سنُلقي نظرةً على بعض أشهر الروايات السودانية:
بعض هذا القرنقل .. الأحلام والسياسة
“لا تلين، ولو سرقوا آمال السنين، وأداروا الكأس ليلًا، وتمايلوا على نتح الأنين.. لا تلين”. مُقتبَس من رواية للكاتب السوداني نور الدين صادق، يجعل القارئ يتنبَّأ بما ستدور حوله الرواية، فقد يتوقَّع أنها عن الأحلام والطموحات، أو الوطن والسياسة، أو تقاليد المجتمع، وفي الحقيقة.. تتحدث الرواية عنهم كلهم.
ففيها منى وطارق والدكتورة عزة رشيد، الذين جمعتهم الدراسة في جامعة الخرطوم، ومن بعدها فرَّقتهم الأحداث والأزمنة والأماكن، فذهبت عزة لنيل الدكتوراه من جامعة أكسفورد في وتعود بعدها بـ10 سنواتٍ لتجد طارق مقتولًا في حادثةٍ غامضة، فلم تسكُن، وأخذت تبحث وراء مقتله.
“الغربة عقد مقارنة بين وطنٍ سيئ تحبينه ومهجرٍ جيد تريدينه في وطنك، فلا المهجر سيأتي إلى الوطن ولا الوطن سيكون على مستوى المهجر، فالمقارنة تعني خياريَن، فأي ما اخترت فقد فقدت الآخر، وما أن يكون هناك إحساس بالفرق يعني أنك خسرت السعادة”.
رواية (بعض هذا القرنفل) رواية سلسة بسيطة في كتابتها ومفرداتها، ولكنَّ قصتها ذات حبكةٍ جميلة مشوقة، قال عنها الكاتب والمؤرخ على الفكي: “أبدع الكاتب فى الربط بين هموم وأحلام أبطال الرواية والأحداث الوطنية العامة، وبذكاءٍ مبهر استطاع أن ينقل القارئ من أحداثٍ شخصية إلى همومٍ وطنية، مستخدمًا إيقاعًا سريعًا للأحداث يجعل القارئ يلهث مع بطلة القصة عزة الرشيد فى البحث عن الحقيقة”.
عرس الزين .. بركة وحب
“يُولَد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ، هذا هو المعروف، ولكن يُروى أنَّ الزين -والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادته- أول ما مسَّ الأرض، انفجر ضاحكًا، وظل هكذا طوال حياته”.
تُعدُّ رواية (عرس الزين) للأديب السوداني الكبير الطيب صالح، المتوفَّى في عام 2009، من أشهر الروايات في الأدب السوداني، فهي اجتماعية كلاسيكية تأخذك إلى جوِّ القرية السائد وقت صدور الرواية عام 1969، حينما كانت القرى في شمال السودان متأثرةً بالتراث العربي والإسلامي.
وكان الزين هذا شابًّا سودانيًّا به من البلاهة والهدوء والغرابة الشيء الكثير، ما جعل أمه تظن أنَّ له كرامةً عند الأولياء، ليُعرَف بعدها في القرية بأنه من المبروكين أو “الدراويش”. وفوق طباعه الغريبة كان قبيح المنظر، وهو ما جعل عُرسه مضربًا للحكايات، فقد أحبَّته نعمة ابنة عمه، وهي فتاة جميلة جدًّا، وقور ولها شخصية قوية.
بالإضافة إلى البعد الاجتماعي للرواية، الذي يُصوِّر أفكار القرية السودانية وتقاليد الناس فيها ومشاعرهم، وانتشار الروحانية والبعد آنذاك، كان الكاتب يدعو فيها إلى عودة الحياة الصافية الهادئة، التي عاش بعيدًا عنها نتيجةً لاغترابه عن السودان.
والطيب صالح هو “عبقري الرواية العربية” كما أُطلِق عليه، وهو ليس من أشهر أدباء السودان فحسب، بل أحد أشهر الأدباء في الوطن العربي كله، كتب كثيرًا من التي نالت استحسان القرَّاء والنقَّاد، وتُرجِمت إلى الكثير من اللغات، ومن هذه الروايات: (موسم الهجرة إلى الشمال) و(عرس الزين) و(منسي) و(مريود)، وغيرها.
ونتيجةً لإسهاماته الأدبية الكبيرة، خُصِّصت جائزة في الكتابة والأدب تحمل اسمه، وهي جائزة الطيب صالح للكتابة الإبداعية.
أرض السودان .. الحلو والمُر
(أرض السودان ..الحلو والمُر) رواية لأمير تاج السر، وهو كاتب سوداني شهير، له أسلوب مبدع وبسيط، ساخر الحكي وبارع في تصوير النفس البشرية.
وفي روايته هذه يحكي تاج السر عن تاريخ السودان في فترة ثمانينيات القرن التاسع عشر، والعلاقة بين الشرق والغرب؛ فبطل الرواي شاب إنجليزي يذهب في زيارةٍ إلى السودان أيام الاستعمار، بعد أن تعلَّم العربية على يد إنجليزي آخر كان يقيم في السودان.
ومن خلال الأحداث يرصُد أمير تاج السر نظرة ذلك الغربي إلى الشرق، ومشاعره وأفكاره، كما يرصُد رؤيته للاستعمار والعبودية والأرض التي تنتهكها بلاده.
وهذه ليست الرواية الوحيدة التي تميَّز وتفرَّد فيها أسلوب أمير تاج السر، بل كان له الكثير من الأعمال الخلَّاقة في الأدب السوداني، مثل رواية (صائد اليرقات) التي ترشحت إلى جائزة البوكر العربية، ورواية (مهر الصياح)، وغيرهما من الروايات.
شوق الدرويش .. والثورة المهدية
“كل شوقٍ يسكن باللقاء لا يُعوَّل عليه”. بمقولة ابن عربي يفتتح الروائي السوداني حمور زيادة روايته الثانية (شوق الدرويش)، وهي مدخل لمن يريد أن يعرف أكثر عن تاريخ السودان المعاصر، لا سيما في عهد الثورة المهدية.
ففي الرواية يتناول حمور زيادة، بأسلوبٍ أدبي مشوِّق وطريقة سردٍ مغرية، الصراعَ الاجتماعي بين المهديِّين والمسيحيين في تلك الفترة بالسودان، كما يكشف الستار عن الآثار السلبية لتلك الثورة، التي كانت تقتل وتظلم باسم الله. “احذر الإيمان يا ولدي؛ فمنه ما يُهلك كالكفر”.
وتطرَّقت الرواية إلى المسكوت عنه في تلك الفترة، حيث أزمة اليقين والحب والحرب، من خلال رحلة معاناة بخيت منديل، الأسير السوداني الذي يسعى طوال الرواية إلى أخذ ثأر حبيبته ثيودورا ممَّن قتلوها ظلمًا.
صدرت (شوق الدرويش) عام 2014، ونالت -لجمال الحكي فيها- جائزة للأدب في العام نفسه، كما ترشحت إلى قائمة البوكر للرواية العربية، أما كاتبها حمور زيادة فهو صحفي وروائي سوداني صدر له عدد من الأعمال الأدبية، من أشهرها رواية (الكونج)، والمجموعة القصصية (النوم عند قدمَي الجبل).