العمرة
تُعرَّف في اللغة بأنها؛ القصد للشيء، وهي كذلك تعني الزيارة، وأما العمرة شرعاً فهي التعبد لله -سبحانه وتعالى- بزيارة الكعبة المُشرَّفة في بيت الله الحرام، وأداء نُسُكها وهي الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير، ثم التحلل من الإحرام،سعيد بن علي القحطاني، مناسك والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، 1/10. وقد اعتمر النبي -صلّى الله عليه وسلم- أربع عُمَر، كلهن في ذي القعْدة إلا التي مع حِجَّته، وكانت العمرة الأولى من الحديبية سنة ست من ، أما الثانية فكانت في سنة سبعٍ للهجرة النبوية، وهي عمرة القضاء، والثالثة سنة ثمانٍ للهجرة وهو عام فتح مكة، والرابعة وقعت مع حجته حيث اعتمر وأدى مناسك الحج في السنة العاشرة من الهجرة النبوية الشريفة، وكان إحرامه لتلك العمرة في ذي القعدة أما أعمالها فوقعت في ذي الحجة،وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 3/2066. والعمرةُ تُكفِّر الذنوب وتُطهِّر النفس من المعاصي، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)البخاري، صحيح البخاري، 1773، ومسلم، 1349.، وأركان العمرة ثلاثة، وهي الإحرام، والطواف، والسعي. وفي هذه المقالة بيان حكم وشروط العمرة بشكلٍ عام.
حكم العمرة
العمرة سنةٌ مؤكدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي مسنونةٌ على المستطيع، وتسقط بأدائها مرة واحدة في العمر، وهذا قول كلٍ من الحنفية والمالكية، وقد استدلوا على قولهم هذا بأن الأحاديث المشهورة الثابتة التي وردت في تعداد فرائض الإسلام لم يذكر منها العمرة، كالحديث الذي رواه ابن عمر: (بني الإسلام على خمس) فإنه ذكر الحج وحده ولم يذكر العمرة، واستدلوا أيضاً أن أعرابياً جاء إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، فقال: (يا رسول الله، أخبرني عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خيرٌ لك)الترمذي، سنن الترمذي،931، وأحمد 3/316. وقيل أولى لك، وكذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصف العمرة بأنها تطوع، وقال الشافعية والحنابلة أن العمرة فرضٌ كالحج، واستدلوا بقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)سورة البقرة، آية رقم، 196. أي ائتوا بهما تامتين، ومقتضى الأمر في الآية هو الوجوب، واستدلوا كذلك بأن عائشة -رضي الله عنها- عندما سألت النبي -صلى الله عليه وسلم إذا كان على النساء جهادٌ أم لا فأجابها بأن الجهاد الذي أُمرن به هو الحج والعمرة.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 3/2066.
شروط العمرة
وأما شروط العمرة فهي:سعيد بن علي القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، 1/94.
- الإسلام: فلا تجب العمرة على الكافر، لعدم أهليته لأداء العبادة، ولا تصح منه العمرة ولو أدّاها، ومحالُ أن يجب ما لا يصح، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)سورة التوبة، آية رقم، 28.، فقد أوضحت الآية الكريمة أن المشركين لا يدخلون الحرم، وذلك لنجاستهم، فليس عليهم عمرةٌ ولا حج، وقد جاء في عددٍ من الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مضمونها أنه لا حج للمشركين، ولا عمرة لهم.
- التكليف: أي العقل، فلا تجب العمرة على المجنون، كسائر العبادات إلا أن يفيق؛ ولا تصح منه كذلك، للحديث الذي جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القلم مرفوعٌ عن المجنون، وهو غير مُكلفٍ بالعبادة، وغير مطالبٍ بالأحكام الشرعية، ولو اعتمر المجنون فلا تصح منه العمرة، لأنه ليس أهلاً للعبادة.
- البلوغ: فلا تجب العمرة على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث الذي ذكر أن الصبي والمجنون غير مكلفين بالعبادة، ولكن لو اعتمر الصبي صح منه ذلك ولكن لا يجزئه عن حجة .
- الحرية: فلا يجب الحج أو العمرة على المملوك أو على العبد، ولكنه لو حج فحجه صحيح ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن العبد إذا حج ثم عُتق بعد ذلك فعليه حجةٌ أخرى غير الحجة التي أداها قبل حريته، فلا يجب الحج على العبد؛ لأنه عبادةٌ تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، وتُشترط لها الاستطاعة بالزاد والراحلة، وبذلك تضيع حقوق سيده المتعلقة به، فلم يجب عليه كالجهاد.
- الاستطاعة: لقول اللَّه تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)سورة آل عمران، آية رقم، 97. وقد جاء في تفسير هذه الآية أن المقصود بالاستطاعة، الزاد والراحلة، وقيل القدرة على الوصول إلى ، وجاء في القرآن الكريم والسنة النبوية أن العمرة والحج إنما هو واجبٌ على المستطيع، ومناط الوجوب ليكون العبد مكلفاً وواجباً عليه ذلك هو وجود المال والقدرة الجسدية عليه، فمن وجد المال وجب عليه العمرة أو ، ومن لم يجد المال فلا يجب عليه أداء العمرة أو الحج.
- وجود المحرم: وهو شرطٌ خاصٌ بالمرأة، وذلك للأحاديث الكثيرة المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجب على المرأة أن تسافر للحج، ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوجٍ أو ذي محرمٍ لها كأخٍ أو أبٍ أو ابن، لكن لو حجت المرأة بغير محرمٍ أجزأتها الحجة عن حجة الفرض مع وقوع الإثم والمعصية عليها.
أقسام شروط وجوب العمرة
شروط وجوب الحج والعمرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:سعيد بن علي القحطاني، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، 1/103.
- القسم الأول: شرطان للوجوب والصحة، وهما: الإسلام، والعقل، فلا تجب العمرة على الكافر، ولا على المجنون، ولا يصح منهما؛ لأنهما ليسا من أهل العبادات والتكليف.
- القسم الثاني: شرطان للوجوب والإجزاء، وهما: البلوغ، والحرية، وليسا شرطاً للصحة، فلو حج الصبي والعبد صَحَّ حجهما، ولم يجزئهما عن حجة الإسلام إن بلغ الصبي بعد ذلك، أو عتق العبد.
- القسم الثالث: شرطٌ للوجوب فقط، وهو الاستطاعة، بملك الزاد والراحلة، ووجود المحرم للمرأة، فلا يجب الحج ولا العمرة على غير المستطيع، ولا على امرأةٍ ليس لها محرم، ولو تحمل غير المستطيع المشقة، وسار بغير زادٍ وراحلةٍ، فحَجَّ كان حجه صحيحاً مجزئاً، والمرأة التي ليس لها محرم لو حجت فحجها صحيح مجزئٌ، لكنها تأثم؛ لسفرها بدون محرم كما سبق بيانه.