صحراء الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية
، هيبة تثير الرعب والخوف والوحشة، تَمَلك ذكره قلوب الناس، فلا يكاد يذكر الربع الخالي إلا وتحضر معه حكايات المغامرة والتيه والعطش و الموت، و مع ذلك تبقى تلك البقعة الجغرافية جاذبة فاتنة ساحرة، ومغرية لكل محبٍّ للمغامرة وعاشق للاكتشاف. وقد سمي الربع الخالي بهذا الإسم لأن خالٍ من النشاط البشري، ولا يقطنه إلا قلةٌ من الرعاة على أطرافه، إلا أنه مليء بالموارد والثروات الطبيعية السطحية والباطنية، وقد أسماه “ابن فضل الله العمري” في كتابه “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” باسم “الفج الخالي”.
موقع صحراء الربع الخالي
تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لمنطقة شبه الجزيرة العربية، وتمتد على جغرافيا أربع دول في الخليج العربي وهي: ، الإمارات العربية المتحدة، اليمن، سلطنة عمان. وتعد هذه الصحراء هي الثانية في العالم من حيث المساحة، إذ تمتد على 650 ألف كلم²، وتحده التضاريس من كل الاتجاهات، فمن الشرق تحده جبال عُمانَ، و غربا توجد “مرتفات عسير” و “جبال الوجيد الرسوبية الرملية” و كذا “الجزء الجنوبي من سلسلة جبال طويق” ، أما جنوباً فتحده “هضبة حضرموت”، ومن الشمال هضبتا “الصمان” و “نجد” (سلسلة أبحاث قسم الجغرافيا في “جامعة القصيم”).
جيولوجيا صحراء الربع الخالي
يعد الربع الخالي حوضا رسوبيا واضح المعالم، تشكل إبان حقب الحياة الحديثة، وقد كانت المنطقة تشغل خلال حقب زمنية قديمة مياهً مالحة، والأمر غير مستبعد أن تكون مغمورة بمياه البحر خلال عصور جيولوجية قديمة، فقد غمرت حوضَ الربع الخالي خلال فتراتٍ متباينة مياه الخيج العربي وانحصارها في فترات أخرى نتيجة لعمليات من الارتفاع والانخفاض، مما أدى إلى تكوين تتابعات طبقات من رسوبٍ صخرية مختلفة (هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، كتاب”الربع الخالي..بحر الرمال العظيم”)، لكن ما توصل إليه علماء الجيولوجيا هو وجود بحيراتٍ مالحة، والدليل على هذا الأمر كما يقدمه الدكتور “أحمد الدغيري” عند دراسته الميدانية لمنطقة الحديدة والمشهورة باسم “نيزك الوبر” هو وجود مادة “الجبسيوم” (صخور) وكذا الرسوبيات البحرية بشكل كبير جدا، إلا أنه خلال فترات لاحقة تغير الوضع الهيدروجي فأصبحت مياه البحيرة مياه حارة جدا تفوق درجة الغليان مما أدى إلى تحول صخور الجبس إلى صخور جبس تكسوها طبقة سوداء. وعلى العموم فإن صحراء الربع الخالي تكسوها الكثبان الرملية المتعددة الأشكال المصنفة علميا (النجمية، الهلالية، المستعرضة) كما كذلك كثباناً رملية غير واضحة المعالم وغير مصنفة علميا ومن بينها المشهورة بأسماء (السَّوَاحِب، الدِّكَاكَة، السَّنَام…)، ويعزى التنوع في لون وشكل هذه الإرسابات الرملية إلى الرياح القديمة التي كانت تهبُّ في هذا الجزء من الجزيرة العربية، ، تكون إما ذات لون أحمر أو برتقالي مشوبٍ بالحمرة، والغالب أنها ذاتُ مصدرٍ قاري. كما تضم هذه الصحراء كذلك كثبانا ذات ألوان بيضاء وصفراء شاحبة، وترجح الدراسات أنها ذات مصادر بحرية (سلسلة أبحاث قسم الجغرافيا في “جامعة القصيم). وقد استفاد سكان شبه جزيرة العرب منذ القدم من هذا التنوع الجيولوجي الذي تتميز به صحراء الربع الخالي، وذلك في التقسيم الجغرافي وتيسير التعرف على الموقع والمسار داخل الصحراء.
الموارد الطبيعية بصحراء الربع الخالي
يحوي الربع الخالي كميات كبيرة من الثروات المائية الكامنة تحت كثبانه الرملية، إذ تتربع هذه الصحراء على بحار من المياه الجوفية، وتوجد بجامعة القصيم العديد من الخرائط الجيولوجية التي توضح هذه التكوينات الجوفية الحاملة للمياه، وعددها كما يقول الدكتور “إبراهيم الحميدي”: تسعُ تكوينات جوفية متراكبةٍ بعضها فوق بعض، وتمتد من الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية إلى الشمال الشرقي داخل حدود العراق. وتوجد في العديد من المناطق داخل صحراء الربع الخالي العديد من العيون والآبار المائية المتدفقة على السطح فوَّارةً وذات حرارة عالية جدا ومشبعة بالكبريت، والتي يمكن استخدامها بعد تبريدها و فصل المركبات الكبريتية عنها. كما تتواجد بالربع الخالي العديد من البحيرات، من بينها بحيرة “أم الحيش” القديمة البائدة، وهي عبارة عن سبخة ملحية واسعة تزينها كثبانٌ رملية نجمية عالية متفردة وغير متصلة، وقد كانت تشهد حياة نباتية وإحيائية ومائية عامرة إبان فترات الرطوبة التي شهتها شبه الجزيرة العربية قبل آلاف السنين، وهذا أمرٌ أكدته العديد من الدراسات الجيولوجية والبيولوجية، فقد كان هذه الجزء من بحراً متلاطم الأمواج لا صحراء خالية، ولأن الأنشطة البشرية، والمشاريع الزراعية والاستيطان البشري بعيدٌ جدا عن تكوينات المياه الجوفية في صحراء الربع الخالي، فقد ساعد ذلك على استقرار منسوب المياه في خزاناته الجوفية عند وضعها الطبيعي، لذا فإن هذه المياه قريبة جدا من سطح الأرض ويمكن استخراجها من عمق متر أو مترين، وهي مياه جوفية ـ سطحية مالحة جدا، خاصة تلك التي تقع في شرق الربع الخالي، لهذا تُرى العديد من العيون والآبار تتدفق منها المياه من دون تدخل بشري، وبعضها ذات مياه حارة وكبريتية. ويذكر الدكتور “عبد الرحمن الدخيّل” أنه هذه الصحراء تضم كذلك غطاءً نباتيا متنوعا يتميز بصبره وتحمله للجفاف لما ينيف عن ثلاث سنوات، كما يتكيف مع المناخ القاسي للربع الخالي والذي يتميز بشتائه قارس البرودة (تصل حرارته إلى ما يقارب 0°)، وأما صيفه فشديد الحرارة (نحو 50° في الظل) (“محمد بن أحمد الراشد” و “عبد الله بن صالح العنيزان”، كتاب”الربع الخالي..بحر الرمال العظيم”). كما تعتبر صحراء الربع الخالي مجالاً جغرافيا مهما للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة (الريحية والشمسية).
خرافات وأساطير حول صحراء الربع الخالي
غُموض صحراء الربع الخالي جعل الناس منذ القدم ينسجون قصصا وأساطير حول تلك المنطقة، فمنهم من ذهب إلى القول بوجود مملكة عظمى للجن بها، ومنهم من قال باستيطان الوحوش الضارية لها، ومن أشهر القصص الخرافية حول هذه البيداء، قصة ساحرٍ يمني يدعى “عبد الله الحظرد” الذي قيل أنه عَمَّرَ في الربع الخالي مع ملوك الجن والعفاريت، مسخراً إياهم لخدمته، وقد لقي حتفه بها في صراعٍ مع مخلوق غير معروف ذا شكل غير مألوف، وهناك قصة أخرى لمدينة كانت في ما مضى ذات قوة وسطوة وغنى، وقد طمرتها رمال الصحراء. تلك القصص وغيرها بطبيعة الحال خرافية أسطورية من نسج الخيال فقط، فكل غامض مُخيفٌ لبني البشر.