صلاة الاستخارة
يعرض للعبد في حياته العملية الكثير من الأمور التي تدعوه إلى الحيرة وتُشكل عليه، وفيها الكثير من الخيارات التي لا يستطيع تقييمها أو إدراك مدى صوابها أو نفعها له أو مدى خطورتها وضررها عليه، وتحتاج منه إلى قرارات حاسمة بشأنها؛ ، والسفر، وشراء سيارة والانتقال من مكان إلى مكان آخر، وغيرها الكثير، فيلجأ إلى الله سبحانه وتعالى؛ رافعاً إليه يديه يسأله ويرجوه أن يهديه إلى طريق الصواب، وإلى القرار المناسب، وأن يوفقه إلى خير ما يصبو إليه، وأن يدفع عنه الشر إن كان فيما يقصده ضررٌ عليه، فتحصل له بذلك طمأنينةٌ في النفس، وراحةٌ في البال، فما هي صفة صلاة الاستخارة وما هي كيفيتها، وما حكمها الشرعي؟ هذه المسائل وغيرها ستبحثها هذه المقالة.
معنى صلاة الاستخارة
لفظٌ مًركَّب، حيث يتكون من كلمتين هما؛ ، والاستخارة، ولكي يتم الوصول إلى معناها، لا بد من معرفة معنى كلا الكلمتين، وفيما يلي بيان لهما:
- الصلاة في اللغة: هي اسم، مأخوذ من الفعل؛ صلّى، يصلّي، صلاة، وتجمع على؛ صلوات، وتطلق الصلاة في اللغة على؛ الدعاء، ، والرحمة، والدين والعبادة، يُقال: صلّى الشخص، أي؛ أدى الصلاة، وصلّى فلان، أي؛ دعا. موقع المعاني: تعريف ومعنى الصلاة
- الصلاة في الاصطلاح: أما الصلاة في الاصطلاح فهي قيام العبد بأداء عبادةٍ خاصة، من خلال أداء مجموعةٍ من الأقوال والأفعال بطريقة خاصة، يبدأها بتكبيرة الإحرام وهي لفظ (الله أكبر)، ويختتمها بتسليمتين عن يمينه وشماله. تعريف الصلاة: موقع نداء الإيمان
- الاستخارة في اللغة: هي اسم، مأخوذ من الفعل؛ استخار يستخير استخارةً، والاستخارة؛ طلب الإنسان للخير في الشيء، واستخار الشيء، أي؛ انتقاه واصطفاه. موقع المعاني: تعريف ومعنى الاستخارة
- الاستخارة في الاصطلاح: طلب الاختيار، أو أن يطلب المسلم صرف همته لما هو المختار عند الله سبحانه وتعالى؛ بالصلاة أو الدعاء الوارد في الاستخارة.كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الجزء(3)، صفحة(241-244) بتصرف.
- صلاة الاستخارة: ركعتان من غير الفريضة، يؤديهما المسلم لله سبحانه وتعالى، عند شعوره بالحيرة والتردد في فعل أمرٍ أو ترك أمرٍ لا يعلم إن كان ما يترتب عليه من العواقب نافعٌ له أو ضارٌ به؛ كالزواج، والتجارة، والسفر وغيره. صلاة الاستخارة: موقع السبيل
حكم صلاة الاستخارة
ذهب الفقهاء بالإجماع إلى القول بأنّ صلاة الاستخارة سنةٌ مشروعةُ عن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- وأنها مباحةٌ بلا شك، ودليل مشروعيتها ما رواه الإمام رحمه الله تعالى في صحيحه، عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قوله: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعَلِّمُ السورةَ من القرآنِ، يقولُ: (إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، وأستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتُ تَعلَمُ هذا الأمرَ – ثم تُسمِّيه بعينِه – خيرًا لي في عاجلِ أمري وآجلِه – قال: أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري – فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتَ تَعلَمُ أنه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري – أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه – فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به).الراوي: جابر بن عبدالله السلمي، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7390، خلاصة حكم المحدث: صحيح
أما بالنسبة لحكمة مشروعية صلاة الاستخارة، فقد ذكر العلماء رحمهم الله في ذلك؛ أنّ في صلاة الاستخارة تسليمٌ لأمر الله سبحانه وتعالى، وهي دليلٌ لا يشوبه شكٌّ بالتجاء المسلم إلى ربه -سبحانه وتعالى- في السراء والضراء وسائر أحواله. كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الجزء (3)، الصفحة(241-242)، بتصرف.
صفة صلاة الاستخارة
ذكر الفقهاء في كتبهم ثلاث حالات في صفة صلاة الاستخارة، وهذه الحالات هي:كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الجزء (3)، الصفحة(242)، بتصرف.
- الحالة الأولى: أن يأتي المرء بركعتين من غير الفريضة، يؤديهما بنية الاستخارة، ثم يدعو ، الوارد عن النبي صلى الله عليه سلم، والسالف ذكره في حكم صلاة الاستخارة، وإلى هذه القول ذهب أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
- الحالة الثانية: أن يأتي المرء بالدعاء فقط، من غير أداء صلاة؛ إذا تعذر أداء الصلاة والدعاء معاً؛ كأن يكون في سفرٍ أو يكون مريضًا لا يتمكن من أداء الصلاة أو كان جُنبًا، أو كانت المرأة حائضًا أو نفساء، وإلى هذا القول ذهب كل من؛ فقهاء الحنفية، وفقهاء المالكية، وفقهاء الشافعية.
- الحالة الثالثة: الإتيان بالدعاء الوارد في حديث الاستخارة سالف الذكر، بعد أي صلاة، وإلى هذا القول ذهب بعض فقهاء المذهب المالكي، وبعض فقهاء المذهب الشافعية.
بعض الفوائد التربوية من صلاة الاستخارة
استنبط العلماء من دعاء الاستخارة فوائد تربوية كثيرة، ومن هذه الفوائد ما يلي: كتاب صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية، تأليف: عقيل بن سالم الشهري، الصفحة (41-51)، بتصرف.
- في دعاء الاستخارة دلالة على أنّ الاستخارة تُشرع عندما يعرض على الإنسان أمر، أو عندما يريد أن يَهُمّ بأمر من الأمور.
- يدل الحديث الوارد في الاستخارة على أن الاستخارة لا تُشرع، فيما يعرض للإنسان من خواطر، أو أفكار في الذهن.
- تشمل الاستخارة في الحديث النبوي، حالتين؛ الأولى: طلب الخير في الأمر، إذا كان المرء متردداً في فعله، والثانية: إذا أراد القيام بالفعل، وقبل القيام به، وليس هناك تردد.
- يدل الحديث على تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، للصحابة رضوان الله عليهم لسور القرآن الكريم، حتى صار غيرها يُقاس عليها؛ من حيث الأهمية، وعدمها، وهذا يدل على انتشار تعليم القرآن في المجتمع المسلم وأنه سمةٌ من سماته.
- يدل حديث الاستخارة على نشر العلم، وتعليم الأذكار، وإعادتها حتى يتم حفظها، وهذا واجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- الاستخارة لا تشمل الاستخارة على ما كان مما حرّم الله سبحانه وتعالى، أو أي خير يطلبه الإنسان عند قيامه بما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، أو كان أمر مكروه في الشريعة الإسلامية.
- دعاء الاستخارة يدل على ضعف الإنسان، وقلة علمه، وأنّه لا يملك لنفسه ضراً أو نفعاً؛ فهو يستخير ربه سبحانه وتعالى في أمره.
- يربي دعاء الاستخارة قلب العبد المؤمن؛ التوكل الله فيما يعرض له من أمور.
- يربي دعاء الاستخارة قلب العبد المؤمن ونفسه، على عظمة علم الله سبحانه وتعالى، المحيط بكل شيء، وأنه وحده علّام الغيوب.
- في حديث الاستخارة اثبات لصفات الله سبحانه وتعالى؛ كالعلم والقدرة، واللتين من آثارهما؛ سؤال العبد لربه سبحانه وتعالى، بعلمه وقدرته، أن يكتب له الخير حيث كان، وأن يتوكل عليه، في جميع أموره، وأن يحسن الظن به سبحانه.