عجائب الدنيا السبع
تُشير جميع الدلائل التاريخية والأثرية إلى وجود بلغت من العظمة والتقدم ما جعل آثاراها باقية إلى اليوم، تلك الحضارات أجبرت العالم على عدم نسيانها، فدائماً ما يشهد العالم على ما تركته من آثار أبى معظمها أن ينهار ووقفت بقوة وصلابة في مواجهة قسوة الطبيعة.
تلك الآثار هي التي كانت بمثابة رسالة من القدماء للمستقبل، تصف للأجيال المتعاقبة كيف عاش الأجداد، وكيف تمكنوا من ترك بصمتهم التي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم لرؤية عظمة ما تركوا من عجائب، تلك العجائب التي لم تتمكن أعظم الحضارات اليوم من محاكاتها، ورغم اندثارها إلا أنها مازالت تذكر على أنها أعظم ما تمكن الإنسان من بناءه.
آلية اختيار عجائب الدنيا السبع القديمة
إن فكرة التدوين والتأريخ ليست فكرة حديثة، وإنما تضرب بجذورها في الماضي البعيد، حيث بدأ التدوين منذ معرفة الإنسان البدائي التصويرية، وبعدها بدأ في سرد رحلاته وجولاته في كل مكان وطأه، ولأن العالم القديم كان محوره منطقة البحر المتوسط، فإن معظم الحضارات قامت بالقرب منه، ومعظم الآثار وجدت في محيطه، ولذلك نجد أن أكثر الآثار التي لفتت أنظار العالم قديماً كان معظمها نتاجاً للحضارة والفرعونية.
ومن أبرز المؤرخين الذين اهتموا بالترحال وسرد الأحداث ووصف الآثار كان المؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان أول من اهتم بوصف الآثار الأكثر تميزاً، وضمت قائمته الكثير من الآثار، لتكون مرجعاً لاختيار عجائب الدنيا السبع القديمة، والتي تم تحديدها في القرن الثاني قبل الميلاد، لتضم القائمة أكثر الآثار تميزاً وقوة.
عجائب الدنيا السبع القديمة وأهم مواصفاتها
إن اختيار عجائب الدنيا السبع القديمة لم يكن اختياراً عشوائياً، كما أنه لم يكن سهلا، فالحضارات التي سكنت حوض البحر المتوسط قديماً؛ قد بلغت من العظمة ما مكنها من ترك آثار لا حصر لها منها ما هو باقٍ حتى اليوم، ولكن تحديد سبع آثار كعجائب لم تشهد الدنيا مثلها كان مقتصراً على الآثار التي امتلكت خصائص ومواصفات لم تتوفر بغيرها، والعدد سبعة هو فقط رقم يهتم به اليونانيين ويعتبرونه رقماً يدل على الكمال، أما المواصفات التي اختصت بها تلك العجائب فهي كما يلي:
الهرم الأكبر خوفو
لم يكن من أهرامات الجيزة هو أهم وأشهر عجائب الدنيا السبع القديمة، بل إنه الوحيد من عجائب الدنيا السبع القديمة الذي لازال يقف في شموخٍ وعظمة ويأبى أن يندثر، ليصبح وحده بمركز شرفي على قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة.
ذلك الهرم الذي تم بناءه في عهد المصري خوفو، الذي أراد أن يخلد ذكراه واسمه في التاريخ ببناء أكبر مقبرة في العالم، حيث أن الغرض من بناء الهرم كان لحفظ جسده ومقتنياته بعد موته، والذي استغرق بناءه حوالي 20 عاماً؛ فتم الانتهاء من تشييده عام 2560 قبل الميلاد.
والعظمة في ذلك البناء أنه ظل الصرح الأكبر والأعظم في التاريخ البشري لمدة تجاوزت 4000 عاماً، حيث بلغ طول 146.5 متر، بينما كانت قاعدته 230.4 متر، كما تكوّن الهرم مما يقرب من 20 مليون حجراً، والأكثر إثارة للجدل حول بناء الهرم؛ الدقة الهندسية التي تم اتباعها في بناءه.
حدائق بابل المُعلقة
يعرف عن حدائق بابل أنها أقيمت كهدية من ملك بابل نبوخذ نصر لزوجته، لتصبح الهدية الأكثر قيمة على مر التاريخ، وكان سبب بناءها هو خلق جو مشابه للبيئة التي نشأت بها زوجته والتي كانت تسكن تلال بلاد فارس وتحيط بها الحدائق من كل جانب، فشيد الملك البابلي الحدائق التي عُلقت على التلال، لتظهر وكأنها معلقة في السماء، وكانت الحدائق مشرفة على نهر الفرات، وقد شُيدت الحدائق وفق هذه الرواية عام 600 قبل الميلاد تقريباً، ورغم أن هذه هي الرواية الأشهر عن حدائق بابل إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن بناءها لم يكن في عهد نبوخذ نصر، وإنما كان بناءه قبل ذلك بمائة عام، حيث تشير الدراسات إلى بناءها في عهد الملك سنحاريب.
تمثال زيوس
زيوس من أشهر الآلهة الإغريق الذين دارت حولهم الكثير من الأساطير الإغريقية، فقد تناولت الكثير من الأساطير وصف قوته وعظمته، وتمجيداً لزيوس ورغبة في الاحتفاء به؛ تقرر تشييد تمثالاُ له، وقد تم بناء تمثاله عام 438 قبل الميلاد، وقام بنحت التمثال أشهر النحاتين آنذاك؛ وهو فيداس النحات الشهير، الذي قام بنحت جسد التمثال من العاج، وأعد له رداء صنع من الذهب، بينما صنع له قاعدة من مادة الرخام الأسود، وبلغ طول النحت بالقاعدة ما يقرب من 20 متراً، وبسبب نقل التمثال إلى لم ينجو منه سوى القاعدة التي ظلت باقية.
معبد آرتميس
هو معبد يوناني تم تشييده تكريماً للإلهة اليونانية القديمة آرتميس، وهي إلهة الصيد والإنجاب والعذرية وحماية الأطفال عند اليونانيين القدماء، وتم تشييد المعبد حوالي عام 550 قبل الميلاد، وصممه المعماري اليوناني كريسفرون، وساعده في ذلك ابنه ميتاغينس، وتكمُن عظمة البناء في بناء الهيكل بالكامل بالرخام، ماعدا سقفه الذي تم تغطيته بالقرميد، وكانت هيئة المعبد على شكل أعمدة تصل لطول 12 متراً تُشكل صفين متقابلين، وبلغ طول المعبد 155 متراً وعرضه 55 متراً، وظل المبعد قائماً قُرابة 200 عاماً، إلى أن تعرض للحرق عام 356 قبل الميلاد، وعلى أنقاضه تم تشييده مرة أخرى إلا أنه لم يدم بقاءه أكثر من مائة عام، ولم يتبقى منه سوى الأساسات.
ضريح موسولوس
كان الملك موسولوس حاكماً يونانياً شهيراً، وقد حكم مملكة كاريا؛ واتخذ لها عاصمة عام 337 قبل الميلاد تعرف باسم هليكارناسوس، وأكثر ما اشتُهِر به موسولوس هو حبه لحياة البذخ والترف، ومن أهم مظاهر الترف لديه هو تشييده لضريحه الشهير الذي أطلق عليه اسمه، والذي تم تشييده بزخارف لم يوجد لها مثيل، فبخلاف طول الضريح وتصميمه المعماري العجيب، إلا أن زخارفه وما اشتملت عليه من تماثيل وتفاصيل دقيقة كانت أكثر عجباً من الضريح ذاته، ولذلك كان الضريح من عجائب الدنيا السبع القديمة، إلا أنه لم يبقى منه شيئاً اليوم.
تمثال رودس
وهو تمثال شهير يظهر بوضوح على ميناء مدينة اليونانية، وتم تشييده تعظيماً لإله الشمس هيلوس رودس، وقد أقيم التمثال على عمودين كبيرين؛ يعلوهما تمثال غاية في الضخامة، وقد صنع التمثال من البرونز وأضيف عليه الحديد لتدعيمه، وظل التمثال شامخاً لما يزيد عن 200 عاماً، إلى أن تعرض لزلزلاً قوياً أرداه أرضاً عام 22 قبل الميلاد، وظل باقياً في مكانه حتى منتصف القرن الأول الثاني الميلادي، إلى أن قام بسرقة أجزاءه تجار الخردوات.
منارة الإسكندرية
هي مبنى تم تشييده على شاطئ جزيرة فاروس ” حاليا”؛ وكانت وسيلة لإرشاد السفن إلى موقع الميناء، فكانت بها مرآة عاكسة تُظهِر للسفن موقع الميناء على بُعد 70 ميلاً، ومازالت طبيعة عمل المنارة ومادة صنع المرآة غير مؤكدة عند العلماء، وقد شُيدت المنارة عام 270 قبل الميلاد، وبلغ ارتفاعها 12 متراً، ولكنها تعرضت للكثير من العوالم الطبيعية التي تسببت في النهاية في انهيارها عام 1323 ميلادياً، وشُيدت مكانها قلعة قايتباي.