فتح الأندلس
يعد التي تعرف حالياً بدولة الأوروبية، حلقة من الحلقات المضيئة في تاريخ الإسلام، فقد كانت الأندلس منارة للعلم، والثقافة، والمعرفة للأمة الإسلامية، فبعد استقرار الإسلام ورسوخه في شمال إفريقيا، أصبحت أنظار المسلمين متوجهة نحو الأندلس لفتحها ونشر الإسلام فيها، وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية في ظل الخلافة الأموية التي كانت قائمة في ذلك الوقت.
ويعود أصل تسمية بلاد الأندلس بهذا الاسم نسبة إلى قبائل الواندال الجرمانية (Vandals)، التي احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية في القرنين الثالث والرابع، وبقي هذا المسمى موجوداً ومستخدماً لكل ما ملكه المسلمون من شبه الجزيرة الأيبيرية والتي تعرف حالياً بدولتي إسبانيا والبرتغال، وكانت الأندلس محتلة من قبل قبائل القوط الجرمانية في عام 92 هجري، وقد استمر فتح 3 سنوات فقط، في حين استغرق استرجاعها من المسلمين لصالح الحملات الصليبية أكثر من 3 قرون من الزمن.
الخط الزمني لفتح الأندلس
تعود فكرة فتح الأندلس إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، عندما كان عقبة بن نافع الفهري يريد أن يجتاز المضيق الإفريقي (مضيق جبل طارق) إلى الأندلس فاتحاً، وفي عام 89 هجري أي قبل فتح الأندلس بثلاثة أعوام، أرسل موسى بن نصير ابنه عبد الله لفتح جزر الأندلس الشرقية أو ما يعرف بجزر البليار، وكان هذا الفتح هو أول الخطوات التي سهلت فتح الأندلس للمسلمين، وتبع ذلك أن أرسل المسلمون سرية استكشافية عام 91 هجري، بقيادة طريف بن مالك لاستكشاف أحوال الأندلس وأوضاعها قبيل فتحها، ويعرف المكان الذي نزل به طريف بجزيرة طريف حتى الآن.
وفي عام 92 هجري تحرك طارق بن زياد الذي كان والي طنجة في في تلك الفترة بأوامر من موسى بن نصير متوجهاً إلى الأندلس، وكان تعداد جيش المسلمين في ذلك الوقت سبعة آلاف من المحاربين، وكان أول مكان يصله طارق بن زياد هو مضيق جبلي سمي بجبل طارق أو جبل الفتح، وكان معظم أفراد الجيش المسلم من قبائل البربر التي دخلت بعد فتح إفريقيا وبلاد المغرب العربي، ويرجع أصل القائد المسلم طارق بن زياد إلى قبائل البربر أيضاً.
وكانت مدينة قرطاجة هي أول مدينة يفتحها طارق بن زياد، وبعد ذلك علم ملك القوط لذريق أن جيوش المسلمين تحركت باتجاه الأندلس وفتحت قرطاجة، فأمر بتجهيز الجيش لمواجهتهم وإيقاف زحفهم، فتحرك لذريق على رأس جيش تعداده كان أكثر من مائة ألف مقاتل، وعندما علم طارق بن زياد بهذا الأمر كان قد بعث إلى أميره موسى بن نصير يسأله المدد والعون، فأرس موسى بن نصير قرابة 5 آلاف محارب لدعم جيش طارق بن زياد، وتقابل الجيشان في منطقة وادي لكة عام 92 هجري، وانتصر المسلمون وهزموا الجيش القوطي شر هزيمة، وقتل ملكهم لذريق، واتجه بعدها طارق بن زياد مباشرة إلى مدينة إستجة وفتحها، وكان قد فتح أيضاً عدد من المدن الأندلسية منها شذونة، وأشبيلية، وقرمونة، ومورو.
وبعد ذلك قام طارق بن زياد بإرسال مغيث الرومي على رأس 700 رجل لفتح مدينة قرطبة، وأرسل عدد من السرايا الأخرى لفتح مدن مالقة، وغرناطة، ومورسيا، وبعد أن كتب الله للمسلمين فتح هذه المدن، توجهت أنظار طارق بن زياد لعاصمة القوط مدينة طليطلة، فتحرك نحوها هو وجيشه ولكنها كانت شبه خاوية من الناس، الذين فروا قبل أن يصلها جيش المسلمين، ففتحها واتجه من بعدها إلى وادي الحجارة، ومدينة المائدة، وفتحهما ومن ثم رجع إلى مدينة طليطلة.
وفي عام 93 هجري تحرك موسى بن نصير على رأس جيش مكون من 18 ألفاً من المسلمين نحو من مكان عرف باسم جبل موسى في المغرب، والتقي بطارق بن زياد في مدينة طلبيرة، وفتحا مدينة سرقسطة وما حولها من مدن، وكانت أول فتوح موسى بن نصير هي مدينة شذونة، ومدينة ماردة في عام 94 بعد حصار وقتال، وبعد ذلك قام موسى بن نصير بإرسال ابنه عبد العزيز وأمره باستعادة مدينة اشبيلية بعد أن ثار أهلها على المسلمين وقتلوا حكامها وقادتها، ومن ثم رجع إلى دمشق بعد أن أمره الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بالعودة هو وطارق بن زياد.
وقد تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير ولاة الأندلس بعد رجوع أبيه مع طارق بن زياد إلى دمشق، وكان أول الخلفاء المسلمين في الأندلس، واختار عبد العزيز مدينة أشبيلية مقراً لإمارته، وقام ثالث الولاة من بعده وهو الحر بن عبد الرحمن الثقفي بنقل مقر الإقامة إلى مدينة قرطبة عند توليه الإمارة، واستمرت من بعد ذلك الحركة الإسلامية حتى بعد رجوع موسى بن نصير وطارق بن إلى دمشق وخروجها من الأندلس، فقد وصلت الفتوحات الإسلامية إلى فرنسا وما حولها من الدول.
خروج المسلمين من الأندلس
خرج المسلمون من الأندلس وسقطت دولتهم في يد الصليبيين بعد 3 قرون من المحاولات البائسة لاسترجاعها، وكانت الفرقة، و الخلافات الداخلية داخل بيت المسلمين هي السبب الرئيسي في سقوط الأندلس، فقد عرفت تلك الخلافات في عهد يسمى بعهد الطوائف، وهي خلافات بين الحكام المسلمين ضد بعضهم البعض، للحفاظ على السلطة والحكم، وانغماسهم باللهو والترف وبعدهم عن الجهاد في سبيل الله، وعدم الالتفات إلى العدو الذي كان يتربص بهم دائماً، فقد كانت بعض الطوائف المسلمة تتحالف مع النصارى والصليبيين ضد طائفة مسلمة أخرى، كما يعد بعد العلماء والدعاة المسلمين عن أمور الدعوة أيضاً سبباً رئيسياً آخر في زعزعة أركان الحكم الإسلامي في الأندلس.
وبدأت قصة سقوط الأندلس في عام 748 ميلادي، عندما سقطت مدينة بامبلونا، ومن بعدها مدينة برشلونة في عام 985، وتبعتها مدينة سنتياغو أيضاً عام 997 ميلادي، كما سقطت مدينة ليون عام 1002 ميلادي، وبعد قرابة الخمسين عاماً سقطت مدينة سلمندة في أيدي الصليبيين عام 1055، وتبعتها مدينة قلمرية عام 1064، وفي عام 1084 سقطت مدينة مدريد الإسبانية أيضاً في أيدي الصليبيين، وقد عرفت هذه الحروب باسم حروب الاسترداد، واشتهرت بمحاكم التفتيش التي نكلت وقتلت الالاف من المسلمين واليهود في ذلك الوقت.
وفي عام 1085 نجح الملك الصليبي ألفونسو باحتلال مدينة طليطلة العاصمة الأصلية للأندلس، وفي عام 1492 ميلادي إنتهى الوجود الإسلامي بشكل كامل في الأندلس بعد سقوط مدينة غرناطة في يد الصليبيين، وبذلك يكون المسلمون قد فقدوا الأندلس بدون رجعة.