الدولة الأموية
تعد فترة نقطة تحول كبيرة وخطيرة جدا في التاريخ الإسلامي، وذلك راجع للأحداث السياسية والعسكرية الخطيرة التي سبقتها، إلا أن كل المؤرخين يجمعون على أن فترة حكم الدولة الأموية أكثر أيام المسلمين امتداداً ونفوذا، ففي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، كانت رقعة بلاد الإسلام تمتد على شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والجزء الغربي من بلاد فارس والعراق، إلا أن دولة بني أمية لما استتب لها حكم الدولة الإسلامية، استأنفت على سنة حركة الفتوحات، فامتدت الدولة الإسلامية على مجالٍ جغرافي واسع بلغ ثلاثة أضعاف مساحتها قبل الأمويينرشيد بوروبية ـ الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، فأصبحت تمتد من بلاد السند شرقاً إلى المغرب الأقصى والأندلس غربا، هذه الدولة التي لن تعمر طويلا، إلا أنها ستترك بصماتها على جدران التاريخ الإسلامي، وتمتد على ثلاث قارات(آسيا، إفريقيا، ).
نشأة الدولة الأموية وفتوحاتها الأولى
تربّعَ معاوية بن أبي سفيانَ على عرش حكم الدولة الإسلامية، وأرسى قواعد الدولة بدمشق التي كان واليا عليها بتعيينٍ من الخليفة الراشدي الثاني “” رضي الله عنه وأرضاه مدة عشرين سنة ابن الأثير الجزري ـ الكامل في التاريخ، الجزء الثالث(على زمن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا)، يرسم معالم مستقبل دولة أراد أن يؤسسها، لكنه لم يستبق وقائع التاريخ وقوانينه، بل سار معها وأفاد منها، إلى أن تحقق له ما أراد، ليصبحَ معاوية بن أبي سفيان أول ملِكٍ في الإسلامابن أبي زرع الفاسي ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، إذ بعد معركة صفين التي وقعت بينه وبين جيش علي رضي الله عنه عام 37 هـ، والتي انتهت نهاية غير حاسمة، استغل معاوية نتائجها سريعا، فضم إلى ولاية عام 38هـ، ثم سيطر على الحجاز سنة 40هـ، وهو العام الذي استشهد فيه علي بن أبي طالب غدراً، وبويع ابنه الحسن رضي الله عنهم جميعا، وكادت تقع حرب بين الجانبين، لولا إدراك الحسن رضي الله عنه يومها اختلال موازين القوى، فتنازل عن الخلافة سنة 41هـ حقنا لدماء المسلمين وللقضاء على الفتنةالناصري ـ الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء الأول، مُشترطا أن يعود الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين.
هكذا انتهت رسميا دولة سنة 41هـ، و مع معاوية بن أبي سفيان، والتي تنتسب إلى “أمية بن عبد شمس”ذ. أنس حموتير ـ مقالة: “ثقافة الترضي واللعن”، جريدة خطوة للحقيقة، العدد 123، ص:7، وانتقل مركز حكم الدولة الإسلامية إلى دمشق.
استقرت الأوضاع السياسية الداخلية للدولة الإسلامية نسبيا، الشيء الذي استفاد منه معاوية بن أبي سفيان لتنفيذ مشروعه الكبير بمد نفوذ الدولة إلى أقصى مدى يمكن تحقيقه، إلا أنه في البداية أدرك أن مواجهة العدو الأكبر للدولة الإسلامية آنذاك (الدولة البيزنطية) يتطلب تأسيس أسطولٍ بحري قوي قادرٍ على رد اعتداءات البيزنطيين على الثغور الإسلامية في شرق وجنوب حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي، وكذا لتحقيق الهدف الأكبر وهو الوصول إلى القسطنطينية عاصمة الروم البيزنطيين التي تعد فيها الخطط والمكائد للدولة الإسلامية، فعمد معاوية إلى تنفيذ هذا التصور بشكل مبكر، حيث عمل على بناء وترميم القلاع والحصون على ساحل البحر الأبيض المتوسط، و ساهم في إعمار دور صناعة السفن التي تركها البيزنطيون في المدن الساحلية، كما أرسل دوريات بحرية استطلاعية إلى ثغور الرومأبو الحسن علي بن الحسين بن علي ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر، الجزء الأول، تحقيق أسعد داغر.
الفتوحات الأموية على الجبهة الشرقية
تابع العرب فتوحاتهم في المناطق الشرقية للدولة العربية ، حيث شملت منطقتين هما:
- بلاد ما وراء النهر (الدول المسلمة الواقعة جنوب روسيا حاليا، ويقصد بالنهر المذكور “نهر جيحون” الذي يسمى اليوم “نهر أموداريا” في أوزبكستان): قاد الفتوحات في هذه المنطقة “قتيبة بن مسلم الباهلي” العامل على خراسان من قبل والي العراق “الحجاج بن يوسف الثقفي” في عهد الخليفة “الوليد بن عبد الملك”، فقد كان يقطع كل صيفٍ نهر جيحون فاتحاً، ثم يرجع في الخريف إلى “مروة” عاصمة خراسان بعد أن يكون قد نظم الإدارة الجديدة في المناطق التي فتحها، وقد استطاع قتيبة أن يفتح كلا من “بلخ”، “سمرقند”، “بخارى”، “خوارزم”، و وصل إلى “كاشغر” متجاوزاً حدود الصين، والحري بالذكر أنه حبب الناس في المناطق التي فتحها في الدخول للإسلام.
- بلاد السند (باكستان والهند): قاد الفتوحات في بلاد السند “محمد بن القاسم الثقفي” الذي تمكن من فتح مدينة “الديبل” (كراتشي حاليا)، وتابع زحفه شمال السند حتى وصل إلى كشمير على حدود الهند.
الفتوحات الأموية على الجبهة الشمالية البيزنطية
استغل الأمويون اضطراب الأوضاع الداخلية للإمبراطورية البيزنطية والصراعات السياسية على الحكم فيها، فحققت جيوشهم انتصارات مهمة استطاعوا من خلالها رد الأخطار البيزنطية واسترجاع العديد من الثغور الإسلامية على سواحل البحر الأبيض المتوسط، علاوة على سيطرتهم على أجزاء واسعة من “أرمينيا”، ومن أشهر القادة الأمويين على هذه الجبهة:
- “مَسلمة بن عبد الملك” الذي فتح حصني “عمورية” و “هرقلية”.
- “العباس بن الوليد” الذي أظهر حنكة عسكرية كبيرة، واستطاع السيطرة على حصن “طوانة”.
- “عبد الله بن البطَّال” الذي انتصر في العديد من المعارك ضد البيزنطيين، واستطاع تحرير حصني “ملطية” و “سميساط”.
الفتوحات الأموية على جبهة شمالي إفريقيا
بدأت في اتجاه شمال إفريقيا منذ عهد الخلفاء الراشدين، ففي عهد “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه، وصلت الفتوحات إلى “برقة” و “طرابلس” بليبيا الحالية على يد الصحابي “عمرو بن العاص” رضي الله عنهابن عبد الحكم ـ فتوح مصر ، الجزء الأول، إلا أن الخليفة لم يأذن للمسلمين بمتابعة الفتوحات لكونها مجهولة، ودخولها سيكون مغامرةً في المجهول. وفي عهد “عثمان بن عفان” رضي الله عنه فتح الجيش الإسلامي “إفريقية” (تونس) حسين مؤنس ـ تاريخ المغرب وحضاراته من قبيل الفتح العربي إلى بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر ، لتتوقف الفتوحات بعد استشهاد عثمان وانشغال علي رضي الله عنهما بالفتنة الكبرى.
ولما استتب لبني أمية أمر الدولة الإسلامية، وهدأت الأوضاع نسبيا، استأنف المسلمون فتوحاتهم، لتضطرب الأوضاع الداخلية مرة أخرى وتشتعل الصراعات السياسية حول الحكم، هذا الأمر ستستغله القبائل الأمازيغية بشمال إفريقيا لتتمرد على الحكم العربي، وبعد أن تخلص الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان” من تلك الاضطرابات، جهز جيشا عرمرماً بقيادة “حسان بن النعمان” لاستعادة المناطق المفتوحة وإخماد التمردات، وبالفعل استطاع تطويع تلك القبائلحسين مؤنس ـ المرجع السابق ، وفي عهد ابنه “الوليد بن عبد الملك” عُين “موسى بن نصير” واليا على إفريقية، ليتم الفتوحات بكامل الشمال الإفريقي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب) ويوطد الحكم العربي فيها.
توافد الأمازيغ فرادى وجماعات على لواء الإسلام، فدخله العديد منهم، بل كانوا أكثر الناس ذوداً عنه ونشراً لرسالته السامية، ففي عهد “الوليد بن عبد الملك”، قاد “طارق بن زياد” حملة عسكرية لتحرير مدينة “طنجة” المطلة على مضيق جبل طارق، ثم اتجه إلى مدينة “سبتة” وحررها كذلك من يد “الوِنْدَالِ” (الإسبان).
الفتوحات الأموية على الجبهة الأندلسية
أرسل والي الأمويين على إفريقية “موسى بن نصير” القائد الأمازيغي “طريف بن مالك المعافري” لكي يتعرف على الطرق والمسالك الأندلسية، وكذا على تضاريسها وقوة دفاع سكانها، فقاد سرية تتكون من خمس مئة جنديرينهارت دوزي ـ المسلمون في إسبانيا، فجاز البحرَ إلى الضفة الأندلسية فاتحاً أول جزيرة في طريقه جنوب السواحل الإسبانية سنة 710م، هذه الجزيرة التي ستسمى على اسمه “طريف” والتي كان اسمها فيما قبل جزيرة “بالوماس”، ليتجه بعد ذلك إلى “الجزيرة الخضراء” التي تقع شمال شرق جزيرة “طريف” ليفتحها بكل سهولة في نفس العام، ثم عاد إلى الضفة المغربية مُحملا بالغنائم الوفيرة التي سُرَّ بها بن نصير واقتنع بأن الوقت لضم الأندلس إلى حوزة المسلمين قد حان، ففي شهر رمضَان الأبرك لعام 711م، أَرسل واليه على مدينة “طنجة” والقائد الأمازيغي المشهور “طارق بن زياد” قائداً على جيشٍ قوامه سبعة آلاف جندي مختلط الأجناس (عرب و أمازيغ)، “… فوصل عن طريق المضيق الساحلي بين الأندلس والمغرب إلى “صخرة الأسد” التي سيطر عليها بعد أن قضى فيها على جيش “القوط”ابن الأثير الجزري ـ الكامل في التاريخ، الجزء الرابع، فسمي الجبل على اسمه إلى يومنا هذا “جبل طارق””. ثم عمل على إعادة تنظيم جيشه لكي يتوجه إلى الحصنة العسكري المشهور باسم “قرطاجنة”بن قتيبة ـ الإمامة والسياسة، ففتحه و عَسكر بجيشه داخله.
لم يقعد ملك إسبانيا “رُودريغ” (يعرف كذلك في كتب التاريخ العربية باسم “لُوذْرِيق”) مكتوف الأيدي، حيث جهز حملته الدفاعية لطرد المسلمين من الأندلس، آنذاك أرسل بن زياد إلى موسى بن نصير يطلب منه الإمدادات العسكرية، فأمده بخمسة آلاف من جند الاحتياط في المغرب. وهكذا التقى “طارق بن زياد” بجيش “رودريغو” في الثامن والعشرين من رمضان المبارك لعام 92هـ، في معركة شرسة دامت ثمانية أيامٍ انتهت بمقتل الملك الصليبي وسقوط مملكتهابن عذارى المراكشي ـ البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، مقابل ذلك فتحت الباب على مصراعيه أمام استكمال الفتوحات الاسلامية بالأندلس، وخلال عقدٍ من الزمن، كانت شبه جزيرة “إيبيريا” تحت حكم المسلمين باستثناء منطقة صغيرة المساحة في جبال إقليم الباسك بإسبانيا الحالية.