فلاسفة اليونان
في العصور القديمة ما قبل التاريخ، كان لدى الناس إيمان قوي بالأمور السحرية والأساطير عندما يتعلق الأمر بتفسير العالم من حولهم، من ظواهر طبيعية، وأحداث فلكية، بجانب تأثر العالم في ذلك الوقت بإيمان قوي بالقوى الإلهية، وكانت الآلهة تختلف من بلد لبلد وقبيلة لأخرى، وسط كل هذا التسليم الفكري للموروثات والعقائد، بدأت اليونانية أن تتأمل هذه الموروثات وتحقق فيها، وشرعوا في تفسيرات تستند إلى حد كبير على المنطق والأدلة وليس الإيمان والتسليم المطلق للآلهة، وبدأت تشهد اليونان القديمة صعود عدد كبير من الفلاسفة في هذه الحقبة، ومن بين هؤلاء الفلاسفة أرسطو وسقراط وأفلاطون وغيرهم، وتعتبر الفلسفة اليونانية هي بداية التقدم الحقيقي للفكر الأوروبي، وبما أن هؤلاء الفلاسفة كان لهم مناهج أخلاقية تطبق في المجتمع، فكانت قيمتهم في المجتمع كبيرة، وفي هذا المقال قائمة بأشهر فلاسفة اليونان تأثيرًا في الفلسفة والمنطق.
الفيلسوف بارمينيدس (من 560 إلى 510 ق.م)
“بارمينديس” كان مريدًا لعالم والفيلسوف أيضًا “فيثاغورث”، وكلمة “مريد” تعني تابع أمين وقوي، وتأثر أيضًا بالفيلسوف “كزينوفانيس” وكان هذا واضحًا جدًا في شعره، مما جعل المؤرخين يقولون بأنه تتلمذ على يده لأنه كان في نفس الحقبة التاريخية، ويعتبر “بارامينديس” من أهم فلاسفة اليونان قبل ظهور الداهية ، الذي وصل له لنا من الأعمال كتاب يدعى “في الطبيعة” وفي هذا يحاول بارمينديس لمس فكرة الوجود والعدم، وكانت أفكاره غريبة في وقته، فمثلًا هو كان يعرض فكرة أزلية الوجود وهي “عدم خروج الموجود من العدم، فلو كانت الطبيعة موجودة، فبدأها لم يكن من العدم، لأن العدم غير موجود من الأساس”، هذا الأمر يعتبر بالنسبة للكثيرين عقدة ومماطلة فكرية، ولكن تم تبسيط فكرته من بعده على يد الكثير من الفلاسفة الآخرين.
أناكساجوارس (من 500 إلى 428 ق.م)
أيضًا قبلما يظهر العلامة سقراط، كان أناكساجوراس واحد من أهم فلاسفة اليونان في عصره، ولد في كلازومينيا عند “إزمير، تركيا”، كان عالمًا وفيلسوفًا، عاش في وأثينا تحديدًا 30 عام، وكانت فلسفته تدور حول الطبيعة الأم، وبالطبع أراءه كانت غير سائدة، حاله مثل حال الكثير من فلاسفة عصره، وتعارضت أراءه مع قناعات المجتمع والعقائد السائدة، وكاد هذا الأمر يكلفه حياته أحيانًا كثيرة، وكانت فكرة “أناكساجوراس” عن الطبيعة هي “أن الكون كان عشوائيًا مائعًا منذ البدء، حتى ضخت قوة حركية الترتيب والنظام والقوانين الكونية، وأطلق على هذه القوة اسم “نوكس”، كما كان له رأي آخر عن المادة، فهو كان يعتقد أن: كل شيء يحتوي على شيء من كل شيء آخر، وأن كل شيء في بداية الكون من الأزل كان شيئًا واحدًا، ثم أتت “النوكس” لتبث التنوع والحركة في كل جزء من الأصل، مع تحديد كيانات مختلفة ومستقلة لهذه المفصولات.
فيثاغورس (من 595 إلى 579 ق.م)
يعتبر فيثاغورس هو أشهر فيلسوف عصر ما قبل سقراط وتقربًا ، وكان عالم رياضات شهير في عصره، وله قوانين رياضية يستعملها المهندسون حتى وقتنا هذا، وهي نظرية فيثاغورس الشهيرة وبُرهانها، ويعد واحد من فلاسفة اليونان الذي كان لهم الكثير من التابعين، ويمكن أن يُقال عنه أنه صاحب مدرسة فلسفية خاصة به، وكان يسعى إلى التناغم بين الأخلاق والطبيعة، وكان يمتاز بنسق الحياة المستقرة والمنظمة.
سقراط (من 427 إلى 347 ق.م)
شرع “سقراط” في وضع منظور جديد كليًا لتحقيق نتائج عملية من خلال مزج تطبيق الفلسفة مع الحياة اليومية، وهو شيء كان غائباً إلى حد كبير في نهج الفلسفة السابقة، وبدلًا من تجميد الأفكار استنادًا إلى تفسيراته هو فقط، كان يستجوب الناس بلا هوادة على معتقداتهم، ويحاول العثور على تعريفات للفضائل من خلال التحدث مع أي شخص يعلن عن امتلاك هذه الصفات، وكان يمتاز أنه محاور صعب المراث، وله قدرة فائقة في النقاش والتحدث بلباقة منقطعة النظير، جعلته أهم فليسوف في التاريخ تقريبًا، وجعلت مسار الفلسفة يتوقف عند ما قبل وما بعد سقراط، أصبح سقراط شخصية رئيسية تجمع العديد من الأتباع، لكنه أيضًا جمع العديد من الأعداء، في نهاية المطاف، أدت معتقداته ونهجه الواقعي في الفلسفة إلى إعدامه، وقد يقول البعض، أن أكثر شيء جعل من سقراط فليسوف عظيم هو موته في سبيل أراءه، ولكن الحقيقة أن سقراط أثر تاريخيًا فيما بعده من فلاسفة عظام أثروا بدورهم في شخصيات غيرت مجرى التاريخ.
أفلاطون (من 427 إلى 347 ق.م)
على الرغم من كون أفلاطون هو تلميذ سقراط المُباشر، ولكنه اختلف تمامًا عن أستاذه فيما يخص المنهج الفلسفي، حيث أن سقراط كان يعتمد على التفسيرات المنطقية والعقلية فقط لكل من الفضيلة والطبيعة، أما أفلاطون فقط مزج بين المنهج الميتافيزيقيا “ما وراء الطبيعة” والمنهج “المنطقي”، وجعل نظريته تتكون من ثلاثة محاور أساسية: الديالكتيك (فن الحوار والجدل) وربما تجده جليًا في محاورات أفلاطون والأخلاق والفيزياء، وجعلهم يلتقون عند نقطة “المُثل”، وكان “الخير المُجرد” هو أعلى مرحلة من “المُثل” والذي كان ينظر له أفلاطون أنه مصدر كل شيء، مصدر المادة والمعرفة والوجود، بجانب اقتناعه ببعض من نظريات فيثاغورس الفلسفية، وربما في كتابه الشهير “الجمهورية” والذي يتكلم فيه عن الأخلاق بصور مختلفة ومتعددة، بجانب مزج السياسة والمجتمع والميتافيزيقيا، كل هذا جعله في قالب فلسفي بطريقة منهجية ذات قيمة فلسفية خالدة.
أرسطو (من 384 إلى 322 ق.م)
أرسطو هو أنجب تلميذ لدى أفلاطون، وأفلاطون كان تلميذ سقراط، ثم إن أرسطو كان معلم الإسكندر الأكبر، الذي احتل معظم أجزاء الكرة الأرضية المعروفة في وقته، وأكثر ما كان يميز فلسفة أرسطو أنه كان يعتمد في تفسيراته الفلسفية على الحقائق الناتجة من خلال التجارب الحياتية المختلفة للإنسان، وليس على النظريات والحسابات مثل أفلاطون، كما كان يتميز أرسطو بقدرة عالية جدًا على المحاجاة، هذا بخلاف قدرته على بطريقة خصبة ولغة قوية وبديعة، ويعتبر أرسطو هو الفيلسوف الذي رتب الكثير من المفاهيم الفلسفية التي كانت عامة جدًا وغير مدركة للعامة، حيث قسم العلوم، إلى أحياء وفيزياء، ورياضيات، وأخلاق، بعد أن كانت كل هذه الأركان مختلطة لدى كل فلاسفة اليونان الذين سبقوه.