أرسل الله نبيه صالحًا إلى قوم يقال لهم ثمود، وهي قبيلة من القبائل العربية، وقد كان هؤلاء القوم من عبدة الأوثان، ولا يؤمنون بوجود الله عز وجل، وكانت حياتهم أشبه بظلام دامس لا نور فيها ولا هُدى، بل حياة مليئة بالمعاصي والجهل والكفر، حاول نبي الله صالح عليه السلام أن يهديَ قومه إلى طريق الله ويريَهم نور التوحيد؛ ولذلك فقد اجتمع بقومه في أحد الأيام وظل يحدثهم عن توحيد الله ويحثهم على ترك عبادة الأصنام وإفراد العبادة لله وحده؛ ولكن قومه اتهموه بأن شيئًا قد حدث لعقله، وأنه ربما قد أصابه الجنون، وتعجبوا من طلبه لهم بأن يتركوا ما كان يعبده أباؤهم وأجدادهم.
حاول صالح مرارًا وتكرارًا أن يوضح لهم بأن تلك الآلهة المصنوعة من الحجارة الصماء من المستحيل أن تقدم لهم أي نوع من أنواع النفع أو الضرر، وأن من ينفعهم ويضرهم حقًا هو الله الذي خلقهم ووهبهم الحياة، وظل يحدثهم عن النعم التي قد خصهم الله بها عن بقية الأقوام الأخرى، من التمكين في الأرض واستغلالهم للجبال في بناء بيوتهم حيث كانوا ينحتون بيوتهم في الجبال، وحدثهم أيضًا عن الخيرات الكثيرة التي أنعم الله سبحانه وتعالى عليهم بها، من الأنهار والعيون المائية والحدائق الشاسعة المليئة بالخيرات الكثيرة من الزروع والثمار و والأشجار وكأنها جنة على ؛ ولكن رغم ذكر سيدنا صالح لقومه كل تلك النعم التي لا تعد ولا تحصى، فإن قلوب قومه أشبه بالحجارة فلم تلِن ولم تستجب لحديثه؛ بل أمروه بأن يكف عن الحديث، واتهموه بأنه قد أصابه ما؛ لكن صالح رغم كل هذا لم يكن يفكر سوى في أمر واحد وهو هداية قومه، ورجوعهم عن الشرك.
لكنهم أصروا على موقفهم ولم يصدقوا بنبوته وقالوا له باستهزاء: إنك رجل مثلنا ولست نبيًّا، واشترطوا عليه عدة شروط شديدة الصعوبة حتى يمكنهم تصديقه، لثقتهم التامة بأنه لن يستطيع تحقيقها، فقالوا له إن كنت تريد حقًا أن نؤمن بنبوتك فأتنا بمعجزة نستطيع بها تصديق ما تقول.
قال لهم سيدنا صالح عليه السلام: وما المعجزة التي تريدون أن آتيكم بها، فأشار أحد رجال قومه إلى صخرة ضخمة كانت قريبة منهم، وطلب منه أن يخرج من تلك الصخرة دابة واشترطوا بأن يكون لتلك الدابة ولد، هذا بالإضافة لقائمة أخرى من الشروط الكثيرة التي كانوا يحاولون بها تصعيب الأمر على صالح عليه السلام.
تحقق المعجزة
انصرف صالح من بين قومه وذهب إلى عزلته يناجي ربه ويدعوه، بتحقيق تلك المعجزة والتي ربما تكون سببًا في هداية قومه إلى دين التوحيد، وبالفعل تحققت المعجزة واستجاب الله لدعاء نبيه صالح، وانفلقت الصخرة إلى نصفين أمام أعين هؤلاء المتكبرين والمنكرين لنبوته، وعندما حدث ذلك، أصبح قوم ثمود فريقين اثنين، فريقًا صدق وآمن بعد رؤية المعجزة التي تحدث أمام عينيه، وفريقًا أصر على عناده، ورفض ترك عبادة الأصنام رغم تحقق المعجزة أمام عينيه.
أخبر صالح قومه أن تلك الناقة هي بمثابة آية من آيات الله التي أرسلها إليهم، وأن عليهم عدم إيذائها بأي طريقة من الطرق، وإلا حلت عليهم اللعنة من الله ونزل عليهم سخطه سبحانه، وأمرهم بأن يتركوها تأكل من النباتات والزروع، وأن يقسموا الشراب من البئر بينهم وبين الناقة، بأن تشرب الناقة من البئر يومًا ثم يشربون هم من البئر في اليوم الذي يليه، ووافق القوم على ذلك وقسموا الشرب من البئر بينهم وبين الناقة، فكانوا يأخذون ما يحتاجون من من البئر، ثم تأتي الناقة في اليوم الذي بعده وتشرب ماء البئر حتى تفرغه تمامًا.
كما كانوا يستفيدون من تلك الناقة، ويحصلون منها على الخير الوفير حيث كانوا يأخذون لبنها الذي كانت تنتجه بكثرة، واستمر الحال على ذلك فترة والناقة تعيش بين الناس مع وليدها في سلام تام، وهم راضخون لما أمرهم به صالح عليه السلام؛ ولكن لم يهدأ المتكبرون والمعاندون وأصروا على مخالفة ما أمرهم به صالح؛ ولذلك فقد اجتمعوا في أحد الأيام وكأنهم يمهدون لهلاكهم، واتفقوا على قتل تلك الناقة، بحجة أنها تأخذ ماءهم، ورغبتهم في أن يحصلوا على الماء في جميع الأيام بدلًا من أن يقسموه بينهم وبين الناقة.
عقاب الله للمتكبرين في الأرض
رغم إصرارهم الشديد على قتلها؛ ولكن القوم الذين آمنوا بصالح حاولوا منعهم من فعلتهم الشنيعة تلك، وأخبروهم بأنهم إن فعلوا ذلك فإن الله سوف يصب غضبه عليهم جميعًا؛ ولكنّ القوم المشركين استهزأوا بكلامهم، وسألوهم على سبيل الاستهزاء، أنتم حقًا تؤمنون بنبوة صالح؟!، فأجاب القوم المؤمنون بقلب يملأه الإيمان والثقة، نعم نؤمن بصالح وبنبوته، فأجابوهم القوم المشركون بغضب، ولكنا كافرون بنبوة صالح وبما أتى به.
ثم قام تسعة من القوم المشركين والمفسدين في الأرض وهموا بذبحها، فبكت الناقة بكاءًا شديدًا، وفر وليدها هربًا وحزنًا على قتل أمه أمام عينيه، وجعل يبكي بشدة، ولكن القوم قساة القلب لم يرحموه ولاحقوه وقتلوه.
وقوع غضب الله على القوم الجاحدين
استاء نبي الله صالح مما فعله هؤلاء العصاة، وأخبرهم بأنهم بعد ثلاثة أيام بالتحديد، سوف يواجهون جزاء ما فعلوه؛ ولكنهم أخذوا كلام نبي الله صالح باستهزاء، ولم يصدقوا وعيده، بل حاولوا الاتفاق على التخلص منه.
وبالفعل قبل وقوع العذاب بثلاثة أيام، في بداية اليوم الأول وهو يوم الخميس اصفرت وجوه هؤلاء الرجال، وفي اليوم الثاني وهو أصبحت وجوههم حمراء اللون، وفي اليوم الثالث وهو يوم السبت كانت وجوههم سوداء كالليل المظلم، وفي نهاية اليوم الثالث كان هؤلاء الطغاة ينتظرون وقوع العذاب عليهم وهم متأكدون أن أجلهم قد حان، وفي صباح يوم الأحد تملك الرعب والذعر هؤلاء الرجال وجعلوا يفكرون ماذا سيفعل بهم ربهم جزاء فعلتهم الشنعاء، وبينما هم جالسون في انتظار أجلهم المحتوم، فجأة سمعوا صوتًا قويًّا يصيح في السماء واهتزت الأرض هزة عنيفة من تحتهم فارتجفت قلوبهم وجميع جوارحهم حتى فاضت أرواحهم إلى خالقها وهم يشاهدون نهايتهم بأعينهم وتحقق وعد الله فيهم.
قال تعالى في سورة الحجر:” {وَلَقَـدْ كَذَّبَ أَصْحَـابُ الْحِجْـرِ الْمُرْسَلِينَ وَآَتَيْنَـاهُمْ آَيَاتِنَـا فَـكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِـنِينَ فَـأَخَذَتْهُمُ الـصَّيْحَةُ مُـصْبِحِينَ فَـمَا أَغْـنَى عَـنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الحجر: 80-84.