قصة موسى مع الخضر
قصة موسى والخضر من العظيمة، التي تحتوي على العديد من الدروس والعبر النافعة في حياة الإنسان، فهي تعلمنا الكثير من القيم التي لا بد أن نتحلى بها، كالصبر، والتواضع، و، والإيثار، وطلب العلم، فكليم الله موسى رغم ما حاباه الله به من العلم النافع؛ لكنه أراد البحث عمن هوأكثر منه علمًا على وجه الأرض، لثقته الشديدة بأن العلم ليس له نهاية أو نقطة يتوقف عندها الإنسان، كما أن العلم ليس له عمر محدد؛ ويجب على من رزقه الله بنعمة الحياة أن يبحث عما يغذي به عقله من العلم ما دام قلبه ينبض بين أضلعه، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فالعلم يضيء حياة الناس ويخرجهم من ظلمات الجهل، إلى نور المعرفة والحكمة.
موسى عليه السلام والخضر
كان موسى عليه السلام صاحبَ علم واسع، وكان بحر علمه لا ينتهي، كان كلما خطب في الناس انهار كل من كان بالمكان بالبكاء، وفي أحد الأيام سأله أحد الحاضرين قائلًا، يا نبي الله هل يوجد على الأرض من هو أكثر منك علمًا؟ فأجاب كليم الله، بأنه لا يوجد على الأرض من هو أعلم منه.
ولكن نبي الله بعد إجابته هذه أحس بالذنب لكونه وصف نفسه بأنه لا أحد أكثر منه علمًا؛ لذلك توجه إلى ربه وسأله يا رب هل هناك من هو أعلم مني على وجه الأرض، فأجابه ربه سبحانه وتعالى بأن هناك رجلًا يدعى الخضر، هو أشد منك علمًا، فسأله نبي الله مرةً أخرى وأين أجده يا رب؟ فقال سبحانه وتعالى عند مجمع البحرين وأمره بأن يأخذ معه حوتًا، وبأن المكان الذي سيفقد فيه هذا الحوت هو المكان الذي سيجد فيه الخضر.
فقد الحوت ولقاء موسى بالخضر
ذهب كليم الله إلى حيث أمره ربه، وأخذ معه وأمر يوشع بن نون وهو الفتى الذي كان يلازم نبي الله دومًا بحمله إلى أن يحين موعد الغداء، فعل الفتى ما أمره به نبي الله؛ ولكن الفتى قد راح في نوم عميق هو ونبي الله، وفي ذلك الوقت كان الحوت قد فر إلى البحر، وعندما طلب نبي الله من الفتى تحضير الغداء اكتشف الفتى بأن الحوت قد هرب إلى البحر، وهنا علم كليم الله، بأن هذا المكان هو بالضبط الذي سيقابل فيه الخضر كما أخبره ربه، وعاد نبي الله مع فتاه إلى حيث فقد الحوت، فوجد الخضر يسير على العشب فوق الماء، وعندما التقى بموسى عليه السلام ناداه باسمه، فقال له موسى عليه السلام لقد أتيت إليك لعلمي بأنك أعلم أهل الأرض وأريد منك أن تعلمني علمك هذا، فأخبره الخضر بأن التعلم منه يحتاج إلى الكثير من الصبر، فأجاب كليم الله بأنه سوف يكون صبورًا لحرصه الشديد على التزود بعلم ذلك الرجل الصالح.
إغراق الخضر للسفينة
سار نبي الله بصحبة الخضر وبدأت رحلتهم أولى خطواتها، وبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذ مرت بهما سفينة فطلبا ممن فيها أن يركبا معهم، وبالفعل وافق أهل السفينة على أن يقلوهما وبدون أي أجر، ولكن ما حدث بعد ذلك أثار اندهاش سيدنا موسى واستنكاره، لأن الخضر اقتلع إحدى ألواح السفينة؛ فسأله نبي الله: كيف تجازي من قاموا بإكرامنا بأن تغرق سفينتهم، وتكون سببًا في ضررهم، لم يكن من الخضر إلا أن أجابه أنني قد أخبرتك من قبل بأنك لن تستطيع الصبر على ما ستشاهده من أفعال ستصدر مني، ولكن موسى عليه السلام عاد مرةً أخرى ليطلب منه مسامحته على عدم صبره ويخبره بأنه سوف يصبر حتى يستزيد من علمه.
الخضر يقتل الصبي
عاد موسى كليم الله والخضر ليكملا رحلتهما المليئة بالألغاز من جديد، وبينما هما يسيران إذ مرّا على يلعبون فأخذ الخضر طفلًا صغيرًا منهم وقتله، فعاد نبي الله للتعجب من جديد وفي هذه المرة قد أحس بالحزن والاستياء الشديد من فعلة الخضر، فسأله كيف لك أن تقتل ولدًا صغيرًا دون أن يقترف أي ذنب؛ ولكن الخضر عاد ليخبره بأنه من الصعب عليه الصبر للنهاية، ولكن كليم الله طلب منه الصفح مرةً أخرى ووعده بالصبر للنهاية، وقال له: إن سألتك عن أي شيء تفعله مرةً أخرى فستنتهي رحلتي معك.
خضر عليه السلام يقيم الجدار
عاد بعدها كلٌّ منهما ليكملا رحلتهما، حتى مرا على قرية كان أهلها ذوي أخلاق سيئة، لا يكرمون الضيف ولا يأوونه، ورغم ذلك كان هناك سور مائل وعلى وشْك السقوط فأقامه الخضر مرةً أخرى، فتعجب موسى مما فعل الخضر، وقال له تستطيع أن تطلب أجر ما فعلته من أصحاب تلك القرية الظالمة.
وما أن سأل موسى هذا السؤال الأخير حتى كتب لرحلته مع الخضر أن تنتهي؛ ولكن الخضر أبى أن ينهي رحلته مع كليم الله دون أن يخبره بالأسباب وراء كل فعل من أفعاله طوال الرحلة.
الخضر يجيب على ما لم يطِق موسى الصبر عليه
أخبر الخضر موسى بأن السفينة التي اقتلع أحد الألواح منها كانت لقوم مساكين، قليلي المال ولا يحصلون على رزقهم إلا من عملهم في البحر، وأن هناك ملكًا يمتلك سفينة ضخمة وكان يسير وراءهم، وهذا الملك يتلذذ بسرقة سفن الفقراء، فأردت أن أجعل السفينة بعيب يمنع الملك من سرقتها التي هي مورد الرزق الوحيد لأصحابها.
أما الصبي الذي قتلته فهو وحيد والديه وكان هؤلاء الوالدان مؤمنين وصالحين ويحبان ابنهما حبًّا شديدًا وكان هذا الولد عاقًا وعاصيًا ويحاول دومًا إبعاد والديه عن صلاحهما ويرغمهما على عبادة الأوثان؛ ولذلك فإن الله أراد لهؤلاء الأبوين الخير بأن يبدلهما صبيًّا خيرًا من هذا الصبي العاق.
أما هذا السور الذي أصلحته فهو من أجل غلامين يتيمين يعيشان داخل تلك القرية، وكان تحت هذا السور كنز ثمين قد تركه لهما جدهما لأبيهما، فأراد الله برحمته حفظ هذا الكنز لهؤلاء الصبية اليتامى حتى يبلغا رشدهما ويستخرجا الكنز الخاص بهما، وهنا تيقن موسى عليه السلام أن هناك من هو أعلم منه على وجه وأن علم الله أكبر من أن يملكه بشر.
قصة موسى والخضر في القرآن الكريم
قال تعالى في سورة الكهف:
{أَمَّـا السَّفِينَـةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِيـنَ يَعْمَلُونَ فِـي الْـبَحْرِ فَـأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَـا وَكَـانَ وَرَاءَهُمْ مَـلِكٌ يَأْخُذُ كُـلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًـا وَأَمَّا الْـغُلَامُ فَـكَانَ أَبَوَاهُ مُـؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَـا أَنْ يُرْهِقَهُمَـا طُغْيَانًا وَكُفْـرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَـا رَبُّهُمَا خَـيْرًا مِنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًـا وَأَمَّـا الْجِدَارُ فَـكَانَ لِغُلَامَيْـنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْـمَدِينَةِ وَكَانَ تَـحْتَهُ كَنْزٌ لَـهُمَا وَكَانَ أَبُـوهُمَا صَالِحًا فَـأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْـلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَـا كَنْزَهُمَـا رَحْمَةً مِنْ رَبِّـكَ وَمَا فَعَلْتُـهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِـكَ تَأْوِيلُ مَـا لَمْ تَسْطِـعْ عَلَيْهِ صَبْـرًا}