قصر الصلاة في السفر

الصلاة

شرع الله تعالى لعباده ، وجاءت فرضيتها بالقرآن والسنة والإجماع، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ)سورة البينة، آية رقم، 6. وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وتعرف الصلاة لغةً بأنها الدعاء، والصلاة في الشريعة الإسلامية هي أقوال وأفعال مُحددة، تبتدئ بالتكبير، ويكون ختامها التسليم، وهي فرضُ عينٍ على المُكلَّفين من المسلمين، وقد استدلَّ أهل العلم على فرضيتها من خلال القرآن الكريم بالمجمل وقد فصل النبي -صلى الله عليه وسلم في كيفيتها، وبيَّن عدد ركعاتها، كما بيَّن الفرض من النافلة، فصلاة الفجر ركعتان، والظهر والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، وصلاة العشاء أربع ركعات، وحيث أنَّ جاء للتيسير على الناس ورفع الحَرَجِ والمشقَّة عنهم وليس ليشقُ عليهم، فمن هنا جاءت مشروعية قصر الصلاة في السفر.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/653.

قصر الصلاة

من تيسير الإسلام ودفعه للمشقة؛ أنه جعل للمسلمين أحكاماً تتعلق بالسفر من باب التخفيف عنهم ودفع المشقة وهذه الأحكام هي القصر، والجمع، والمسح على الخف ثلاثة أيام، وإباحة الفطر في رمضان، وجميعها تختص بالسفر الطويل ولها شروطٌ وتفصيلاتُ في ذلك، وأما ما سيأتي تفصيله في هذه المقالة فهو قصر الصلاة في السفر، حيث يُعرَّف القصر في الصلاة بأنه اختصار الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وقد جاءت مشروعية قصر الصلاة في القرآن الكريم في قوله تعالى:(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)سورة النساء، آية رقم، 101. دلت الآية على جواز القصر في السفر فمعنى ضربتم في الآية هو السفر، كما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقصر الصلاة وهو مسافر، وأجمع العلماء على مشروعية قصر الصلاة في السفر.

قد يهمك هذا المقال:   الوضوء الصحيح

والذي يُقصَر من الصلوات هي الصلاة الرباعية أي و و، فلا قصر في صلاة الفجر والمغرب؛ لأنه إذا قصر ، لم يبقى منها إلا ركعة، ولا شبيه لها في الفرض، فلا يوجد صلاةٌ مفروضة تؤدى ركعة واحدة، وإذا قصر صلاة المغرب وهي صلاة وتر وحيدة في النهار فهي ثلاثة ركعات بخلاف باقي الصلوات المفروضة، بطل كونها وتراً، وذلك لما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: (فرضت الصلاة ركعتين، إلا المغرب، فإنه وتر النهار، ثم زيدت في الحضر، وأقرت في السفر على ما كانت عليه)البخاري، صحيح البخاري، 350، مسلم، 685.

قصر الصلاة في السفر

ينبغي بيان حكم قصر الصلاة في السفر، وهل يعد رخصةً أم عزيمة؟ وفي هذا خلاف بين الفقهاء على ثلاثة آراء، وبيانها فيما يلي:وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 2/1339.

  1. الحنفية: قالوا بأنه عزيمة أي أن القصر واجبٌ على المسافر، ودليلهم في ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- الذي سبق ذكره، وأما المسافة التي يجوز بها القصر عندهم أقل ما تقصر فيه الصلاة مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، ودليلهم في هذا القول قياساً على المدة التي يترخص بها مسح الخف.
  2. المالكية: قالوا بأن قصر الصلاة في السفر سنة مؤكدة، لما نُقل من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  3. الشافعية والحنابلة: قالوا بأن القصر رخصة على سبيل التخيير، فالمسافر مُخيَّرٌ بين أن يُتم صلاته الرباعية كما هي، أو أن يقصرها ويصليها ركعتين، وعند الحنابلة القصر أفضل من الإتمام وذلك لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضوان الله عليهم.

وأما المسافة التي يجوز بها القصر عند الجمهور فهي السفر الطويل المبيح للقصر المقدر بالزمن، أي يومان معتدلان أو مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، أي سير الإبل المثقلة بالأحمال كالمسافة بين جدة و أو الطائف ومكة أو من عُسفان إلى مكة، وتقدر بحوالي 89 كم ودليلهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعة بُرد، من مكة إلى عُسْفان)ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 127/24، الطبراني، 11/69، الدارقطني، 1/387، البيهقي، 5610. والسبب في مشروعية القصر في السفر هو التيسير ودفع المشقة والحرج، والترغيب في أداء الفرائض، لكي لا يكون لأحد حجة بترك الصلاة، ويكون ذلك في السفر الطويل.

قد يهمك هذا المقال:   حقيقة السحر و العوالم الخلفية

شروط قصر الصلاة

وضع الفقهاء عدة شروط لقصر الصلاة في السفر منها ما اتفقوا عليها ومنها ما كان فيها خلافٌ بينهم وهي ما يلي:وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 2/1350.

  1. أن يكون السفر طويلاً: يقدر بمدة زمنية مقدارها يومين، أو ستة عشر فرسخاً عند الجمهور، ومقدار ثلاثة أيام بلياليها عند الحنفية.
  2. أن يكون السفر مباحاً: وغير محرم، كأن يكون سفر معصية، كالسفر للسرقة أو لقطع الطريق، وغيره، هذا عند الجمهور غير الحنفية فإن قصر المرء صلاته في سفر المعصية لا تصح صلاته عند الشافعية والحنابلة؛ لأنه عزمَ على فعلٍ يعتقد تحريمه كمن صلى وهو يظن أنه محدث، وعند المالكية القصر صحيح لكن مع الإثم، وأما الحنفية فيجوز عندهم القصر في إذا كان محرم أو مكروه أو مباح.
  3. مجاوزة العمران: وللفقهاء في ذلك آراء عدة، فالحنفية يرون أن يجاوز بيوت البلد التي يقيم فيها من الجهة التي خرج منها، وإن لم يجاوزها من جانب آخر، ولم يشترطوا أن تغيب البيوت عن بصر المسافر، والمالكية فرقوا بين الحضري والبدوي والجبلي، في السفر فالحضري لا يقصر إلا إذا جاوز بنيان المدينة وما حولها وما يتصل بها، والبدوي بقصر إذا جاوز بيوت القبيلة أو جميع الخيام ولو كانت متفرقة، والجبلي يقصر إذا جاوز مكانه، وأما الشافعية فقالوا إن كان للبلد أو القرية سور، فأول السفر مجاوزة السور، فأول السفر مجاوزة آخر العمران، وأما الحنابلة فقالوا يقصر المسافر إذا فارق ديار قريته العامرة، سواء أكانت داخل السور أم خارجه، بما يعد مفارقة بالعرف؛ لأن الله تعالى أباح القصر لمن ضرب في الأرض.
  4. أن يقصد في سفره موضعاً معيناً: فلا قصر لمن طاف الأرض كلها من غير قصدٍ إلى قطع مسافة القصر المطلوبة؛ لأنه لم يقصد قطع المسافة، وإذا نوى أن يقطع سفره ويقيم في أثنائه، فلا قصر له عند جمهور الفقهاء من غير الحنفية وهذا فقط بمجرد النية، أما الحنفية فقالوا له أن يقصر حتى يقيم بالفعل، ولا تضر نية الإقامة إذا لم يفعل ذلك.
  5. الاستقلال بالرأي: فمن كان تابعاً لغيره ممن هو مالك أمره كالزوجة مع زوجها، والجندي مع أميره، ولا يعرف كل واحد منهم مقصده، لا يقصر؛ لأن شرط قصد موضع معين لم يتحقق، وهذا الشرط عند الشافعية مُقيَّدٌ بما قبل قطع مسافة القصر، أما عند الحنفية فهذا الشرط مطلق، فليس للتابع القصر ما لم ينو متبوعه السفر.
  6. ألا يقتدي من يقصر بمقيم أو بمسافر يتم الصلاة.
  7. اشترط الشافعية والحنابلة، أن ينوي القصر عند الإحرام بالصلاة: وأما المالكية فاشترطوا نية القصر في أول صلاة يقصرها في السفر، والحنفية فقالوا تكفي نية السفر قبل الصلاة، فمن نوى السفر كان له أن يقصر الصلاة.
  8. اشترط الحنفية البلوغ لصحة قصر الصلاة في السفر، ولم يشترط ذلك جمهور الفقهاء.
  9. اشترط الشافعية أن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها.
قد يهمك هذا المقال:   تعريف الصلاة

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *