فور ، اعتبر مؤسسوها أن واجبًا أساسيًا لقيام دولتهم هو القضاء على نسل بني أمية، فأعملوا القتل في الرجال والنساء وحتى الأطفال، ما جعل الباقون على حياتهم منهم يفرون من الأقطار الإسلامية المعروفة نجاةً بحياته، ومنهم عبد الرحمن بن معاوية الأموي، الذي فرَّ إليها وأعلن استقلاله بها عن الدولة العباسية الوليدة، مدشنًا إمارة إسلامية، تحولت لاحقًا لخلافة، استمرت لنحو 3 قرون.
من هو عبد الرحمن بن معاوية؟
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، المعروف ، وهو حفيد الخليفة الأموي العاشر هشام بن عبدالملك، كان مرشحًا للخلافة لكن دولة أجداده سقطت بفعل العباسيين فهرب منهم إلى حيث أعاد ملك أجداده من جديد بعيدًا عن سطوة حكام بغداد.
في طريقه إلى قرطبة سار عبدالرحمن طريقًا طويلاً فاختبأ أولاً في قرية صغيرة بسوريا، وانضم إليه الكثير من رجال دولة أجداده وجنودهم في الشام، ورحل بهم إلى أفريقية حيث احتمى بأخواله من بني نقرة، ومنها إلى مكناسة حيث انضم له رجال قبيلة زناته البربرية وبدأ في حشد أشتات الأمويين وبقية الأمراء الذين نجوا من الذبح.
رصد عبدالرحمن وجود عدد كبير من أنصار بني أمية داخل الأندلس، التي كانت تعيش وضعًا مأساويًا فانقسمت إلى فرق متناحرة ثارت كل منها على الأخرى، وبدا أنها دخلت في حالة فوضى لا نهائية، فعمل على حشد أكبر قدر ممكن من جماعات البربر حوله، حتى بايعه أكثر من 3 آلاف فارس، كلهم يدينون له بالولاء، قهر بهم من هزيمة قوات واليها الضعيف يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وتمكن من ، وأصبح أميرًا عليها، ولُقب بعبدالرحمن الداخل، لأنه “دخل” (هاجر) إلى الأندلس، وذلك في عام 755م، ولم يكن وقتها تجاوز الـ26 من عمره.
قيام الخلافة الأموية في الأندلس
كوّن عبدالرحمن بلدًا إسلاميًا مستقلاً عن ، التي لم تبذل جهودًا كافية من أجل إعادتها لحظيرتها من جديد، مكتفية بتوجيه فتوحاتها وتوسيع حدودها من جهة الشرق، ورفض عبدالرحمن أن يعلن نفسه كخليفة، لأنه يعرف أن هذا اللقب مرتبط عند الفقهاء بأن يؤدي وظيفة “حامي الحرمين الشريفين” الكائنين في بلاد الحجاز، فمنح نفسه لقب “ابن الخلفاء” نسبة لأجداده الأمويين، واستمر حكمه عشرات السنوات تمكن فيها من ضحد كل الثورات التي قامت ضده، وثبّت دعائم الإمارة الأموية، التي تحوّل قادتها إلى لقب الخليفة على يد عبدالرحمن الناصر لدين الله، المعروف بعبدالرحمن الثالث، الذي أعلن نفسه “خليفة قرطبة” في ذي الحجة 316 هـ يناير 929م.
ثلاثة خلفاء للمسلمين
الأصل في الخلافة هي أن تكون رياسة عامة لشؤون المسلمين في الدين والدنيا نيابة عن ، وبالتالي فلا يمكن أبدًا جمع اثنين بنفس اللقب شرعيًا، ولكن الواقع التاريخي أكد حدوث ذلك، بعدما أُعلنت الخلافة في الدولة الأموية مرة، وفي الدولة العباسية مرة ثانية، وفي الدولة الفاطمية مرة ثالثة، فلماذا قبل المسلمون في الأندلس هذا الأمر.
- أولها: أن النجاحات العسكرية والقدرات التنظيمية الفائقة للأمير عبدالرحمن الثالث جعلت رعيته يطمعون في أن يعلن الإمارة خلافة مستقلة عن الدولة العباسية الضعيفة والتي كانت غير قادرة على مواجهة هذا الإعلان.
- ثانيًا: اتساع الهائل في قارات العالم الثلاث جعل فقهاء الأندلس يتنصلون من فكرة “مركزية الخلافة”، معتبرين أن رعايا المسلمين حول العالم بأسره يحتاجون حاكمًا قريبًا منهم، لا حاكم يمارس عليهم سلطاته من على بُعد مئات الآلاف من الأميال.
- ثالثًا: حالة الضعف الشديدة التي اعترت الخلافة العباسية في بغداد، في ظل حكم الخليفة المقتدر (295 – 320هـ)، وطغيان العنصرين الفارسي والتركي عليها ما أفقدها الطابع القرشي، الأمر الذي طرح عنها قداسة الانتساب للنبي وبالتبعية هدمت من هيبة منصب خليفة الرسول، ما حدا بمؤرخي هذا العصر للقول “إن معاني الخلافة قد ذهبت ولم يبق الا اسمها وصار الامر ملكاً بحتاً”.
- وأخيرًا: نشأة الدولة الفاطمية في شمال أفريقية، وهي التي شكلت تهديدًا حقيقيًا على الأندلس، ما حدا بأهلها بإعلان الخلافة داخلها والالتفاف حولها مقاومةً لادعاءات الفاطميين أنهم الأحق بها.
انهيار الخلافة الأموية في الأندلس
بدءًا من العام 399هـ، بدأت فتنة التي تُعرف باسم “الفتنة المبيرة” والتي تصارعت فيها طوائف شتّى على حُكم البلاد، وتصارع عليه البربر والصقالبة وأهالي قرطبة، وتداول عليها 14 خليفة لم يثبت منهم واحد.
وفي عام 422هـ، ساءت أحوال البلاد بشدة، ودخلت في موجة من الصراعات الداخلية، فلم يجد أهل لأنفسهم مفرًا من الاجتماع، معتبرين أن من بقي من بني أمية لم يعودوا صالحين للحكم، وتزعم هذا الأمر القاضي البارز أبو الحزم بن جهور، الذي كوّن مجلس شورى لإدارة البلاد، فعزل آخر خلفائها هشام الثالث المعتد بالله، وإجلاء من تبقى من المروانية عن قرطبة، وأعلن الوزير أبو الحزم بن جهور إلغاء الخلافة وأصبح الأمر شورى فظهرت حكومة الجماعة في قرطبة، لكنه لم يفلح في بسط سيطرته على ماهو أبعد من قرطبة وبعض أقاليمها، أما بقية البلاد دخلت في فوضى تامة وتقسمت لدويلات متعددة، وهو العصر الذي عُرف لاحقًا بِاسم “ملوك الطوائف”، والتي تناحرت ثم تساقطت تباعًا حتى انتهى الوجود الإسلامي نهائيًا في الأندلس بعد 770 عامًا من البقاء، وكان ذلك في 897هـ.