قيام الدولة العباسية
التي استمرت من عام 41 هـ حتى عام 132 هـ، لتكون بذلك الخلافة الثالثة في تاريخ الدولة الإسلامية، وقد انتهجت نفس نظام الحكم الأموي فكان نظام الحكم وراثياً، وقامت الدولة في بدايتها بالاعتماد على الفرس المسلمين والشيعة، فكانوا حانقين على خلفاء بني أمية، خاصة وأنهم مستبعدون من جميع المناصب الهامة في الدولة الإسلامية، وبذلك تمكن بنو العباس من جمع قاعدة كبيرة يمكنهم الاتكاء عليها للوصول للخلافة، وقد سبق قيام الدولة العباسية فترة طويلة من الدعوة السرية والجهرية والتي مهدت لسقوط وساعدت على وصول العباسيين للخلافة.
إعلان الخلافة في الكوفة
اجتمع الملتفون حول الدعوة العباسية في الكوفة وترأسهم أبو سلمة الخلال وكان والي الكوفة آنذاك، فكان هو أول من أسلم بالخلافة لأبي العباس السفاح، وكان ذلك عقب وفاة إبراهيم الأمام في سجن الأمويين، وكانت مبايعة أبو العباس إعلاناً لقيام الدولة العباسية في الكوفة، فكانت البداية لإسقاط الدولة الأموية وذلك سنة 132 هـ.
و ظلت الكوفة ومقر الحكم العباسي في عهد الخلفاء الأوائل، ثم تحولت للأنبار، وبعدها تم إنشاء العاصمة الرئيسية بغداد والتي ظلت الخلافة قائمة بها لأطول فترة، وتنقلت بعدها العاصمة من سامراء إلى القاهرة والتي كانت أخر عواصم الدولة العباسية التي انتهى الحكم بها سنة 1517 م ودخلت ضمن أراضي الدولة العثمانية.
مقتل مروان بن محمد
عندما أعلن أبو العباس السفاح قيام لم تكن الدولة الأموية قد سقطت بعد، بل كان الإعلان عن قيام الدولة خطوة أولى لإبراز قوة العباسيين والإعلان عن نيتهم في إسقاط الخلافة الأموية، وقد أعقب الإعلان خروج جيوش عباسية في نواحي متفرقة لمواجهة الولاة الأمويين في الشام والعراق وخرسان، حتى وصل الجيش العباسي لحران وكانت العاصمة الأموية في ذلك الوقت وكان ذلك سنة 132 هـ، وقد اضطر أخر خلفاء بني أمية في حران وهو مروان بن محمد من الهروب والفرار منها.
فر مروان بن محمد في بادئ الأمر إلى الموصل بالقرب من نهر الزاب، وهناك وقعت معركة بينه وبين جيوش العباسيين بقيادة عبد الله بن علي، وفضل مروان بن محمد عدم البدء بالقتال حتى لا يتعرض للهزيمة، ولكن أحد فرسان جيشه بادر بالقتال وطال القتال بين الطرفين، إلى أن ألحق الجيش العباسي الهزيمة بالجيش الأموي، ففر الجنود هاربين وتبعهم جنود خرسان، بعد المعركة ظل الجيش العباسي لسبعة أيام بموقعها، بينما فر مروان بن محمد ومر بحران ليستخلف عليها أبان بن يزيد وكان زوج ابنته، ثم رحل إلى حمص ومنها إلى دمشق ثم استقر به الأمر في ؛ وبها كانت نهايته، وفي مطاردة الجيش العباسي لمروان بن محمد مروا بكل المدن التي مر بها، فأمنوا الناس على أنفسهم وأخذوا منهم البيعة لأبو العباس.
الخلافة العباسية
استمرت الخلافة العباسية قائمة منذ عام 750 م وحتى عام 1517 م، وحتى ذلك الوقت مرت الخلافة بمراحل من القوة والضعف في جميع عصورها، فالعصور العباسية تقسم من ناحية القوى المسيطرة على زمام الأمور في الدولة، فتقسم الدولة العباسية لأربعة عصور؛ العصر الأول سيطر فيه بني العباس سيطرة كاملة على زمام الأمور وكان العصر الذهبي للدولة العباسية، والعصر العباسي الثاني كان عصر تدهور الحكم وصعود قوة الجيش الذي كثر به العناصر التركية، أما العصر العباسي الثالث فكانت السيطرة فيه للدولة السلجوقية التي توصلت حتى العاصمة بغداد، وكانت السيطرة في العصر العباسي الرابع للدولة المملوكية.
وكان نتيجة تدهور الأحوال السياسية، وظهور قوى خارجية استغلت الضعف الواضح في الخلافة، فكان دخول التتار لبغداد سنة 1258 م نهاية للتواجد العباسي في العراق وبلاد الشام، وانتقلت بعدها الخلافة للقاهرة واستمرت حتى سنة 1517 م، وكانت الخلافة في ذلك الوقت خلافة إسمية، أما الحكم الفعلي فكان للماليك، وذلك على عكس العصور الأولى للدولة والتي كانت السيطرة فيها في يد الخليفة، على غرار حكم الخلفاء الأوائل للدولة العباسية.
أبو العباس السفاح
هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ” أبو العباس” وهو مؤسس الدولة وأول خلفائها، فقد أعلن قيام الدولة العباسية بالكوفة عقب وفاة أخيه إبراهيم الإمام في سجن محمد بن مروان، وسلم له البيعة أبو سلمة الخلال، والذي ثار عليه فيما بعد، ومعه أسلم بقية المسلمين بالكوفة بالبيعة لأبي العباس، وكان ذلك سنة 132 هـ، وأعقب إعلان الدولة حملة كبيرة ضد الدولة الأموية، لم تنتهي الحملة إلا بمقتل أخر خلفاء بني أمية في العراق مروان بن محمد، والذي تنقل بين معظم مدن الشام حتى وصل إلى الديار المصرية وقتل فيها.
بعد ذلك استقر وجود العباسيين في العراق والشام، وبدأ أبو العباس بتغييرات إدارية في الدولة حيث قام بتغيير الولاة في الولايات الهامة بالدولة، وجعل عليها أقاربه من بني العباس، كما أخمد كافة الثورات التي قامت ضده من مختلف الولايات، فقد واجه ثورات من حمص وقنسرين ودمشق والجزيرة وغيرها من المدن، وبسبب انشغاله بالثورات لم يتمكن أبو العباس من تحقيق إنجازات خارجية، خاصة وأن فترة حكمه لم تكن طويلة، فقد توفي بعد إصابته بمرض الجدري سنة 136 هـ.
أبو جعفر المنصور
هو عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس “أبو جعفر”، وهو ثاني خلفاء الدولة العباسية، ومن أهم المشاركين في تأسيسها، فكان له دوراً كبيراً في الدعوة العباسية ومواجهة الأمويين وإسقاط دولتهم، تولى الخلافة خلفاً لأبو العباس سنة 136 هـ وحتى سنة 158 هـ، فقد استمر حكمه 22 سنة، ومن أهم أعماله بناء بغداد العاصمة العباسية الأكثر قوة، واستمر بنائها قرابة أربع سنوات، وقد أخمد أبو جعفر الكثير من الثورات التي قامت ضده منها ثورة سنباذ، وجمهور بن مرار العجلي، وثورات الخوارج، وثورة محمد النفس الزكية ” من نسل علي بن أبي طالب”، كما اهتم أبو جعفر بالنواحي الاقتصادية وتأمين الدولة الإسلامية وخاصة من جهة الروم.
ويعتبر الكثير من المؤرخين أن أبو جعفر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، وربما يعزون ذلك لطول فترة حكمه ودرجة تأثيرها في أحوال الدولة العباسية، وأنه يكبر أبو العباس بست سنوات فكان هو الأولى بالخلافة، ولكن الواقع أن من أعلن قيام الدولة قبل إسقاط الدولة الأموية هو أبو العباس؛ وهو أول من بويع بالخلافة.